محمود الطيطي.. محمود شبانة!
لمى خاطر
ماذا تقول السيرة الجهادية لكل منهما؟
محمود الطيطي؛ آخر محطاته كانت شهادة في سبيل الله مساء أول أمس، بعد 23 عاماً هي ما مضى من عمره، قضى منها 3 أعوام في سجون الاحتلال، ثم فترات اعتقال متقطعة في سجون السلطة، ظلّت خلالها هويته محتجزة لديهم، مما أثر على حياته ومسيرته التعليمية، لكن همّته ونشاطه ظلا بعافية، فكان محمود ناشطاً مجتهداً لأجل الأسرى، يسكنه همّهم أكثر مما تسكنه همومه الشخصية الأخرى، فكنتَ تراه في الميدان كما في منابر الإعلام المختلفة، يحمل هذه القضية ويدافع عنها، ويترجم مشاعره في ميدان التضامن وفي ميادين مواجهة الاحتلال، والتي كان آخرها مواجهة مباشرة على مدخل مخيم الفوّار قضاء الخليل، ليصعد بعدها شهيداً بإذن الله!
محمود شبانة؛ آخر محطاته كانت إعادة اعتقاله في سجون الاحتلال مساء أول أمس أيضا، وهو أسير (مكرر) في سجونه، مراتٍ بات يصعب عدها، لكن مجموعها فاق التسعة عشر عاما، وملحق بها اعتقال واستدعاءات لدى أجهزة السلطة، آخرها محاولة اعتقاله بعد تحرره من سجون الاحتلال قبل نحو خمسين يوما.
المحمودان هما من قبيلة الأسرى الفلسطينية العريقة، الضاربة جذورها في عمق المعاناة والبطولة.. لكن محمود الشهيد هو أنموذج لشباب الجيل الجديد، الذي استعصى على الترويض والتمييع، وانتظم في صفوف مشروع المقاومة والتحرر منذ حداثة سنّه، وأيقن أن دوره إنما يكون في مقدمة صفوف الفعل، ولم يدر ظهره لواجبه الوطني ولمسؤولياته في إبقاء روح المواجهة مع الاحتلال نضرة ومشتعلة.
أما محمود الأسير، فهو فارس مخضرم، ظلّ حاضراً في جميع المراحل، وما فتئ المحتلّ يراه رقماً صعباً وعنصراً شديد البأس، فلم يطق بقاءه طليقاً إلا أياماً معدودة، وبقي يراكم على كتفيه عوامل الإجهاد لتحييده عن مركز الفعل، غير أن محمود ظلّ متشبثاً بسارية لوائه، وما تحوّلت عيناه عن دربه المثقل بالجراح، حتى وأبناؤه يكبرون بعيداً عنه، كما هو حال المئات من أبناء الأسرى الذين لا يملك المحتل محاربتهم سوى عبر محاولته إزهاق روحهم المعنوية وتجفيف ينابيع صمودهم وإبقائهم متقلبين على جمار الأسر، أو كما قالت زوجة أحدهم: "زوجي في أسر دائم تتخلله أيام إجازة يقضيها خارج السجن"!
المحمودان؛ الشهيد والأسير، حلقتان في سلسلة مشروع حرية كبير وقديم وممتد ونابض بحياة تتحدى قهر السجن. لكنّ عنصر التقائهما الأكثر إيلاماً ووجعا هو كونهما ضحية استهداف بني الجلدة، أو ممن يفترض أنهم كذلك، فحين يغدو في البطاقة التعريفية لكلّ شهيد أو أسير سطر يقول إنه تعرّض للاستدعاء أو الاعتقال في سجون السلطة نكون أمام إشكالية وطنية كبيرة، أو (مجزرة) كما عبّر عنها محمود شبانة قبل أيام، أو عوامل (تهجير) كما قال محمود الطيطي، وهو يعبّر عن ضيقه بملاحقات أجهزة السلطة ويتساءل عن مشروعية التفكير بالسفر من فلسطين، قبل أن يسافر نحو جنته!
إنها إشكالية تبدو غير قابلة للحل، لكن ما يُعين على تخطيها فعلاً أن نكفَ عن الحلم بأن تسوية سياسية ما ستصلح ما انكسر، أو تجبر العظم المفتت في مفاصل القضية. لأن من اختطّ لنفسه درباً آخر معاكساً لبوابة الوطن لن توقظه النصائح، ولن يجدي معه سوى أن يترك ليحصد شوك مشاريعه المدمرة دون أن يُمدّ له طوق النجاة!
لمى خاطر
ماذا تقول السيرة الجهادية لكل منهما؟
محمود الطيطي؛ آخر محطاته كانت شهادة في سبيل الله مساء أول أمس، بعد 23 عاماً هي ما مضى من عمره، قضى منها 3 أعوام في سجون الاحتلال، ثم فترات اعتقال متقطعة في سجون السلطة، ظلّت خلالها هويته محتجزة لديهم، مما أثر على حياته ومسيرته التعليمية، لكن همّته ونشاطه ظلا بعافية، فكان محمود ناشطاً مجتهداً لأجل الأسرى، يسكنه همّهم أكثر مما تسكنه همومه الشخصية الأخرى، فكنتَ تراه في الميدان كما في منابر الإعلام المختلفة، يحمل هذه القضية ويدافع عنها، ويترجم مشاعره في ميدان التضامن وفي ميادين مواجهة الاحتلال، والتي كان آخرها مواجهة مباشرة على مدخل مخيم الفوّار قضاء الخليل، ليصعد بعدها شهيداً بإذن الله!
محمود شبانة؛ آخر محطاته كانت إعادة اعتقاله في سجون الاحتلال مساء أول أمس أيضا، وهو أسير (مكرر) في سجونه، مراتٍ بات يصعب عدها، لكن مجموعها فاق التسعة عشر عاما، وملحق بها اعتقال واستدعاءات لدى أجهزة السلطة، آخرها محاولة اعتقاله بعد تحرره من سجون الاحتلال قبل نحو خمسين يوما.
المحمودان هما من قبيلة الأسرى الفلسطينية العريقة، الضاربة جذورها في عمق المعاناة والبطولة.. لكن محمود الشهيد هو أنموذج لشباب الجيل الجديد، الذي استعصى على الترويض والتمييع، وانتظم في صفوف مشروع المقاومة والتحرر منذ حداثة سنّه، وأيقن أن دوره إنما يكون في مقدمة صفوف الفعل، ولم يدر ظهره لواجبه الوطني ولمسؤولياته في إبقاء روح المواجهة مع الاحتلال نضرة ومشتعلة.
أما محمود الأسير، فهو فارس مخضرم، ظلّ حاضراً في جميع المراحل، وما فتئ المحتلّ يراه رقماً صعباً وعنصراً شديد البأس، فلم يطق بقاءه طليقاً إلا أياماً معدودة، وبقي يراكم على كتفيه عوامل الإجهاد لتحييده عن مركز الفعل، غير أن محمود ظلّ متشبثاً بسارية لوائه، وما تحوّلت عيناه عن دربه المثقل بالجراح، حتى وأبناؤه يكبرون بعيداً عنه، كما هو حال المئات من أبناء الأسرى الذين لا يملك المحتل محاربتهم سوى عبر محاولته إزهاق روحهم المعنوية وتجفيف ينابيع صمودهم وإبقائهم متقلبين على جمار الأسر، أو كما قالت زوجة أحدهم: "زوجي في أسر دائم تتخلله أيام إجازة يقضيها خارج السجن"!
المحمودان؛ الشهيد والأسير، حلقتان في سلسلة مشروع حرية كبير وقديم وممتد ونابض بحياة تتحدى قهر السجن. لكنّ عنصر التقائهما الأكثر إيلاماً ووجعا هو كونهما ضحية استهداف بني الجلدة، أو ممن يفترض أنهم كذلك، فحين يغدو في البطاقة التعريفية لكلّ شهيد أو أسير سطر يقول إنه تعرّض للاستدعاء أو الاعتقال في سجون السلطة نكون أمام إشكالية وطنية كبيرة، أو (مجزرة) كما عبّر عنها محمود شبانة قبل أيام، أو عوامل (تهجير) كما قال محمود الطيطي، وهو يعبّر عن ضيقه بملاحقات أجهزة السلطة ويتساءل عن مشروعية التفكير بالسفر من فلسطين، قبل أن يسافر نحو جنته!
إنها إشكالية تبدو غير قابلة للحل، لكن ما يُعين على تخطيها فعلاً أن نكفَ عن الحلم بأن تسوية سياسية ما ستصلح ما انكسر، أو تجبر العظم المفتت في مفاصل القضية. لأن من اختطّ لنفسه درباً آخر معاكساً لبوابة الوطن لن توقظه النصائح، ولن يجدي معه سوى أن يترك ليحصد شوك مشاريعه المدمرة دون أن يُمدّ له طوق النجاة!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية