مرة أخرى .. الأسرى يقدمون الحل
مصطفى الصواف
يبدو أننا في كل مرة تتأزم فيها العلاقة الوطنية الفلسطينية وتصل إلى ذروتها، يقدر "الله" للشعب الفلسطيني فئة من أبنائه رغم ما بهم من ألم ومعاناة؛ إلا أن الهم الوطني العام أنساهم التفكير بهمومهم، ويقدمون النموذج للسياسيين في الخارج أن هناك إمكانية لإحداث اختراق في العلاقة الفلسطينية المتأزمة وإمكانية الوصول إلى وحدة الصف لو أدرك الجميع حجم المخاطر وضررها على مجمل القضية الفلسطينية.
إنهم الأسرى تيجان الرؤوس لهذا الشعب الصامد والمرابط، والذين قدموا نموذجا حيا وقويا للقيادات السياسية، يقول : "إن هناك مجالاً للتوافق، وكسر إرادة المحتل، وتفويت الفرصة عليه". حيث كان النموذج الحي في سجن عوفر والذي دلل على أن ما يجمعنا كفلسطينيين أكثر مما يفرقنا، وتم في السجن رغم قيام الاحتلال بالتفريق بين الأسرى واستغلال سوء الأوضاع بين القوى الفلسطينية؛ وتحديداً حماس وفتح، وإحداث شرخ في الصف الوطني للأسرى عبر عزلهم عن بعضهم البعض، وتجميع أسرى كل فصيل، وعزلهم عن الفصيل الآخر، بحجج ودعاوى كاذبة.
واستمرت محاولات الأسرى لكسر الحواجز التي صنعها الاحتلال، واتفقوا أخيرا على العودة إلى الوحدة بين الفصائل حتى يثبتوا مرة أخرى أنهم النموذج الذي يجب أن يحتذى به، ونجحوا بالفعل في عقد اتفاق وحدة حتى يكون نموذجاً حياً لبقية السجون، ورسالة واضحة لكل القوى أن الوحدة هي الحل لحالة الانقسام، ومصلحة الوطن أهم من مصلحة الحزب أو الفصيل.
هذه هي المرة الثانية التي يتقدم فيها الأسرى والمشروع الوطني، ويعملون جاهدين على تحقيق التوافق الوطني، كانت الأولى في وثيقة الوفاق الوطني التي خرجت من سجون الاحتلال في التاسع من آيار 2006، والتي توافقت عليها كافة قيادات الأسرى في سجون الاحتلال، وقدموها للقيادات السياسية الفلسطينية خارج السجون حتى تكون مقدمة للوصول إلى وثيقة الوفاق الوطني التي استندت في الأساس على وثيقة الأسرى، والتي جاءت في ظروف غاية في الخطورة وعملت على تخفيف الاحتقان، وكان يمكن لها أن تشكل قاعدة للتفاهم والتوافق؛ إلا أن بعض أصحاب المصالح الخاصة لم يرق لهم هذا التوافق، وعملوا على إفساد هذه الوثيقة من خلال الفوضى والفلتان الأمني، ما أدى إلى تجاوزها، وحدثت بعد عام فقط حالة الفوضى العارمة والتي انتهت بأحداث الرابع عشر من حزيران 2007 وهروب قادة الفلتان الأمني والفوضى إلى الضفة الغربية بعد أن حسمت حركة حماس حالة الفوضى وقضت على من قادها وشجع عليها.
اليوم تتكرر الرؤية من قبل الأسرى، وعلى ما يبدو فإنهم يرون بعيون مختلفة عن القادة السياسيين على الأرض، وربما لديهم إحساس عن بعد، هذا الإحساس يرى الأمور برؤية حقيقية وواقعية، بعيدا عن المصالح الخاصة أو المكاسب الشخصية؛ لأنه لن ينالهم شيء منها؛ لذلك هم يقدمون رؤى متقدمة فيها رسالة واضحة، ويمكن تطبيقها على الأرض لتجاوز الأزمة القائمة، فهل يلتقط القادة السياسيون الذين لا يرى بعضهم إلا ذواتهم في تصرفاتهم السياسية، وعلاقاتهم مع القوى الفلسطينية، ويضربون عرض الحائط مصالح الشعب الفلسطيني، وينظرون فقط إلى حجم المصالح الشخصية، أو الحزبية التي ستنالهم من خلال سياساتهم وعلاقاتهم دون النظر إلى المصلحة العليا للشعب الفلسطيني.
تحية إلى الأسرى بكل فئاتهم وانتماءاتهم على هذا التفكير المتقدم ، والذي يدلل على درجة من الوعي فاقت أولئك الذين يدعون أنهم أحرار، ليثبتوا أنهم هم الأحرار وغيرهم أسرى ذواتهم ومصالحهم، وأسرى الإملاءات التي تفرض عليهم من أمريكا أو (إسرائيل) أو الرباعية العربية.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية