مسلسل المصالحة بعد مسلسل الانقسام...بقلم : محمود الريماوي

الأحد 26 فبراير 2012

مسلسل المصالحة بعد مسلسل الانقسام

محمود الريماوي
يتواصل لقاء قيادات فلسطينية في الدوحة والقاهرة لهدف معلن، هو إبرام أو تتويج المصالحة بين حركتي حماس وفتح، وينشط محمود عباس وخالد مشغل في عقد هذه اللقاءات بينهما. وقد مضت أشهر عدة على بدء هذه اللقاءات، وما أشاعته من تفاؤل إعلامي، غير أن هناك القليل من النتائج الملموسة لهذه التطورات على حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، فباستثناء الإفراج عن أعداد قليلة من المعتقلين لدى الجهتين ووقف الحملات الإعلامية المتبادلة، فإن السلطة مازالت سلطتين، ومن المستبعد في الأمد المنظور رؤية توحدهما في سلطة واحدة، رغم الاتفاق على تشكيل حكومة ائتلافية برئاسة محمود عباس.

يُذكر في هذا الصدد أن عباس كان أول من تبنى فصل رئاسة الوزراء عن قيادة السلطة، وقد تمحور خلافه مع الرئيس الراحل ياسر عرفات على هذه المسألة، إلى أن تم إقرار الخطوة بضغوط عربية ودولية، وكان عباس بالفعل أول رئيس للوزراء في عهد عرفات.

وها هو الآن يستعد كي يجمع بين المركزين، وهو الذي ما فتئ يتحدث عن زهده بكل موقع قيادي، وفي فترة تشهد فيها السلطة في رام الله ضعفاً متزايداً أمام حصار الاحتلال لها، ولدرجة وصف معها عباس نفسه السلطة بأنها "موجودة على الورق فقط"، بينما وصفها القيادي في فتح عزام الأحمد بأنها "سلطة وهمية".

أما في غزة فتنفرد حماس بالحكم وتراقب الفصائل الأخرى في حركاتها وسكناتها وتحدد ما هو مسموح، وما هو محظور على هذه الفصائل، والأمر نفسه ينسحب على الهيئات والمؤسسات الأهلية التي تشكو من التقييد والتضييق. وتجد الحركة سنداً لها في كتلة حماس النيابية، أما القضاء في القطاع فلا يقترب من هذه المسائل "الحساسة". وفي السياق نفسه فإن خالد مشعل العازم على إخلاء موقعه القيادي، كما ردد غير مرة، هو من يتولى وضع ترتيبات المصالحة باسم حركة حماس، مع تباينات غير خافية مع القياديين موسى أبو مرزوق ومحمود الزهار.

لا يعود غريباً أمام ذلك، أن لا تثير أخبار المصالحة كبير اهتمام في الشارع الفلسطيني، وإن كان الرأي العام يرى بالطبع أن المصالحة أفضل من الانقسام. ومبعث الحفاوة المحدودة أن هذه التطورات تحدث بغير حضور يُذكر للقضية الوطنية الأساسية، المتمثلة في تحسين شروط الصراع مع العدو. فقلما يصدر تصريح، أو يتم التعبير عن موقف يتعلق بمجريات الصراع عقب لقاءات القادة، وكأن المصالحة تتم بعيداً عن بيئة الصراع الوطني مع الاحتلال، أو كأن التفاهم بين فتح وحماس هو غاية المنى والأرب، وهو كافٍ من تلقائه لاستعادة الحقوق "أوتوماتيكياً".

يضاف إلى ذلك أن خطوات المصالحة تتم بالدرجة الأولى على أساس المحاصصة الفئوية بين حماس وفتح، فيتم السعي إلى حل معضلة الانقسام باللجوء إلى توزيع مغانم الاقتسام بينهما. صحيح أن هناك مشاركة رمزية للفصائل في مباحثات المصالحة، كما كان الأمر لدى توقيع ما عرف بإعلان الدوحة وقبل ذلك في المباحثات الماراثونية في القاهرة، غير أن الأمر لا يبتعد كثيراً عن وضع بقية المنظمات أمام الأمر الواقع، فما يتفق عليه "الأخوان الكبيران" ينبغي أن ينصاع له الأشقاء الصغار، وإلا يقع على هؤلاء الحرمان المالي وسواه من "عقوبات".

وعلاوة على ما تقدم فإن الطرفين - حماس وفتح - يشددان في غير مناسبة ومحفل، على تمسك كل منهما برؤاه السياسية، عباس يتحدث عن النشاط الدبلوماسي في الأمم المتحدة وعن الاستعداد الدائم المشروط أحياناً للتفاوض، وحماس تتحدث عن المقاومة التي تجري ممارستها أحياناً والتحذير من اللجوء إليها في مرات أخرى، ومنع الآخرين من مزاولتها في مناسبات مختلفة، وهو ما يثير التساؤل عن جدوى السعي إلى تشكيل حكومة وفاقية، مع استمرار التباعد السياسي بين الفريقين الأساسيين اللذين سيتوليان أمر تشكيل الحكومة العتيدة.

كل ما سبق لا يعني الاعتراض على خيار المصالحة، بل يرمي إلى استنهاض الهمم لإسباغ معنى ودينامية على هذه العملية التي تأخر الإقدام عليها، وطال التباحث الثنائي بشأنها حتى تحول الأمر إلى مسلسل طويل.

ولا شك الآن أن العكوف على إعادة بناء منظمة التحرير وتفعيلها كما قضى بذلك إعلان الدوحة، سيفتح الباب حُكماً أمام حوارات نشطة بمشاركة واسعة تتعدى الفصيلين الكبيرين، إلى بقية الفصائل والهيئات والشخصيات المستقلة، وبما يسهم في بلورة رؤى مشتركة للمرحلة المقبلة.

فالطرف الآخر وهو العدو "الإسرائيلي"، ثابت على منهجه التوسعي الاستيطاني وعلى مواصلة التنكيل الجماعي بالشعب الرازح تحت الاحتلال، ولا تنفك دوائره الاستخبارية والإعلامية تتحدث عن دفن حل الدولتين، والسعي إلى وضع الجانب الفلسطيني أمام الأمر الواقع وخلف جدار الضم والتوسع الذي أقيم في عمق الضفة الغربية المحتلة.

والطرف الدولي ممثلاً على الخصوص بالولايات المتحدة، منغمس في المزايدات بين مرشحي الرئاسة على دعم الاحتلال وإنكار الحقوق الفلسطينية وحتى إنكار الوجود الفلسطيني، كما في تصريحات مشينة للمرشح الجمهوري غينغريتش لم تلق اعتراضاً من بقية المرشحين. والطرف العربي إما منغمس في موجة الربيع، وإما التصدي لهذه الموجة ووقف تفاعلاتها داخل حدوده، مع تراجع ملحوظ لوهج القضية الفلسطينية.

المصالحة جيدة، لكن بشرط التصالح مع طموح الشعب إلى التحرر من ربقة الاحتلال، ولممارسة ضغوط جدية وممنهجة على المحتلين.
صحيفة الخليج الإماراتية

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية