مسيرة القدس في يوم الأرض
صلاح حميدة
يعتبر يوم الثلاثين من آذار يوماً للتّمسّك بالأرض الفلسطينيّة في وجه محاولات الاحتلال لقضمها وحرمان أهلها منها، خدمةً للمشروع الاحتلالي الإحلالي للمستوطنين على أرض فلسطين، فقبل ستة وثلاثين عاماً ثار الفلسطينيون في الجليل الفلسطيني على سرقة أراضيهم، وقالوا ( لا ) لمصادرة الأرض و تهويدها، مما فاجأ الاحتلال وأربك حساباته في كيفيّة سرقة وتهويد الجليل حتّى الآن.
يستمر الفلسطينيون في إحياء ذكرى يوم الأرض و تكريم الشّهداء الّذين ارتقوا دفاعاً عنها، فمن اليوم الأول لبدء الهجرة اليهوديّة لأرض فلسطين، كان للحركة الصّهيونيّة هدفان مركزيّان:-
الأول: يقضي بالسّيطرة على الأراضي الفلسطينيّة بكافّة الطّرق المتاحة، من محاولات شراء ،فشل أغلبها، إلى استغلال قوات الانتداب البريطاني في تسهيل المشروع الاستيطاني، إلى استغلال القوانين لمن حكموا فلسطين قبل دولة الاحتلال، من قوانين الخدمة العامّة، وقوانين استملاك أموال الغائبين، وهم هنا المغيّبون قصراً من وطنهم، إلى مصادرة الأرض لأغراض عسكريّة، وغيرها من الوسائل الّتي تلبس قناع القوانين، وهي في جوهرها عمليّات لسلب الأرض الفلسطينيّة من أهلها.
الثّاني: طرد الفلسطينيين من بيوتهم وأراضيهم بالقوّة القاهرة تحت تهديد السّلاح، أو من خلال استخدامه ضدّهم، مثلما جرى عام 1948م، وفي قرى اللطرون عام 1967م كأكبر عمليّة تهجير جماعي للفلسطينيين من بلادهم وأراضيهم وبيوتهم، وما يجري منذ ذلك التّاريخ حتّى اليوم، فمعركة مصادرة الأراضي الفلسطينيّة مستمرّة وتتصاعد بشراسة، وبلغت ذروتها هذه الأيّام، ففي هذه الذّكرى تتم عمليّة كبرى لتهجير الفلسطينيين في النّقب ومصادرة أراضيهم، وفي الجليل والمثلث، وفي مدن السّاحل الفلسطيني المحتلّة يتمّ التّضييق على الفلسطينيين بكافّة السّبل، عبر منعهم من ترميم بيوتهم أو بناء أخرى، وهدم بيوت آخرين بعد أن منعوا أن يأخذوا تراخيص بناء، أو إجبارهم على هدم بيوتهم بأيديهم، بل تتم ملاحقة العرب والاعتداء عليهم إذا اشتروا بيوتاً في مناطق سكنيّة يهوديّة مثلما جرى في مدينة عكا.
وفي مدينة القدس تجري معركة شرسة على كل متر فيها، معركة على كل مسجد وعلى كل قبر وعلى كل قطعة أرض وعلى كل شارع ومحل تجاري وزقاق ونبع ماء، وتجري معركة أخرى تحت الأرض بحفريّات لا تنتهي ليلاً ولا نهاراً تحت الأقصى والقدس القديمة وسلوان وغيرها ما لا نعلمه ولا يعلمه الكثيرون، وتتمّ عمليّات واسعة لتغيير معالم الأماكن المقدّسة في القدس وغيرها، وتسميتها بأسماء عبريّة بدلاً من العربيّة، ويتمّ تزوير الأسماء لبعض المقامات ليتحوّل مسجد بلال في بيت لحم إلى قبّة راحيل، وقبر أحد الصّالحين في نابلس و الّذي اسمه يوسف إلى قبر النّبي يوسف، وتستمر الهجمة على المقامات والمقدّسات في مقام النّبي موسى ومسجد النّبي يونس في حلحول، وفي قرى نابلس ومناطق واسعة أخرى.
أمّا في الضّفة الغربيّة فما يجري فيها ليس إلا امتداداَ لما يجري في القدس والمناطق الفلسطينيّة الأخرى، فموجة هائلة من هدم المنازل وتشتيت أهلها منها تتمّ على قدم وساق وبتسارع ملحوظ، وتمنع كافّة المرافق الخدماتيّة عن الملاحقين في جنوب ووسط وشمال وأغوار الضّفة الغربيّة، ويتمّ منع المزارعين من ريّ مزروعاتهم، والرّعاة من رعي أغنامهم، ويسلب المستوطنون ينابيع مياه الفلسطينيين ومياههم الجوفيّة، ويمنع الفلاح الفلسطيني من فلاحة أرضه وتحرق وتقطع أشجاره.
ولكن بالرّغم من الحرب الهادفة إلى مصادرة الأرض وتهجير السّكان بالقوّتين النّاعمة والخشنة، فإنّ الفلسطينيين يتمسكون بأرضهم حتّى ولو تحت خيمة، أو في جوف كهف، أو في زقاق صغير في القدس وضواحيها، يحضنون أشجارهم ويسقونها بعرقهم وبدمائهم، فالتّمسّك بالأرض والمقدّسات بالنّسبة للفلسطيني عقيدة يعتقدها، وهواء يتنفّسه، وماء يشربه، وطعام يأكله.
في هذه السّنة يحدث مستجد هام في ذكرى يوم الأرض، وهو تنظيم العديد من المؤسّسات والهيئات العربية والاسلاميّة والفلسطينيّة لمسيرات شعبيّة حاشدة تسير نحو فلسطين، بوصلتها القدس، ولهذه المسيرات رمزيّة خاصّة تكمن في إحيائها لقضيّة فلسطين والقدس باعتبارهما بوصلة الأمّة العربيّة والاسلاميّة، وأنّ من طردوا من أرض فلسطين سيعودون لها مهما طال الزّمن، وأنّ مسيرات العودة السّابقة عبر لبنان وسوريا والأردن لن تكون الأخيرة، وأنّ الثّمن البشري الكبير الّذي دفع حينها لن يردع العرب والمسلمين والفلسطينيين من العودة إلى فلسطين، كما أنّ هذه المسيرات تجعل قضيّة العودة إلى فلسطين والقدس وتحريرهما عادة وعبادة، عادة لتكرار مسيرات العودة، حتّى ولو لم يكن لها أثر عملي آني على قضيّة التّحرّر، فالسّير نحو فلسطين والقدس والوقوف على حدودها سيحيي الكثير في النّفوس، بدلاً من البكاء على فلسطين والقدس أمام شاشات التّلفاز وفي بعض المهرجانات في الأماكن المغلقة، يتمّ تأهيل الأنفس والأجساد والعقول والقلوب على تعوّد السّير والعودة نحو فلسطين.
أمّا عبادة، فعنوان العودة للأرض هو القدس والأقصى، وهما جزء من عقيدة كل مسلم، ولذلك يعتبر هذا الحشد العلمائي من نخبة علماء الأمّة، والّذي يقود هذا الحراك الجماهيري أحد أهمّ الأدوار الّتي يقوم بها علماء الأمّة عير التّاريخ في الحشد من أجل العودة والتّحرير، وهو يشابه التفاف علماء الأمّة حول صلاح الدّين الأيوبي وقطز والظّاهر بيبرس في سعيهم نحو تحرير القدس وفلسطين وتطهيرهما من الاحتلال.
كما تحمل مسيرة القدس في يوم الأرض رسالة ربيع العرب الّذي أعاد للشّارع العربي ألقه وحيويّته في الفعل السّياسي والنّضالي العربي، فقيود الأنظمة الّتي قدّمت بقاءها على قضيّة الأمّة في فلسطين والقدس، بدأت تتكسّر القيد تلو الآخر، معلنةّ بداية بزوغ فجر فلسطين وقدسها على وقع جحافل العائدين في يوم الأرض، وتعلن أنّ الاستفراد بفلسطين والقدس والفلسطينيين أصبح من الماضي، وأنّ المخاض الحاصل في العالم العربي الآن لن يشغل الأمّة عن قضيّتها الأولى.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية