مشعل: مفاوضات التهدئة نموذجٌ لكيف تدار المعارك
أكد رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، خالد مشعل، أنه سيجري قريبًا الترتيب للقاءات لاستعادة الوحدة الوطنية بين حركتي حماس وفتح، وأن القيادة المصرية تحضر لرعاية جولة جديدة من جولات المصالحة.
وقال مشعل، في حوار مع "وكالة الأناضول التركية" أجري في القاهرة، بعد يوم واحد من إبرام اتفاق الهدنة بين الفصائل الفلسطينية والكيان الصهيوني، "الإخوة في مصر يحضرون لرعاية جولة جديدة من جولات المصالحة، لنبني على ما سبق من خطوات، ونطور الخطوات التي تنهي الانقسام وترتب البيت الفلسطيني، من خلال إنهاء المشاكل على الأرض وإنهاء التوترات الأمنية الداخلية، وتوحيد الحكومة والسلطة، وعقد الانتخابات، وإعادة بناء منظمة التحرير، بحيث تكون لنا مرجعية قيادية واحدة في الداخل والخارج، وكذلك يكون لنا برنامج سياسي فلسطيني واحد يستند إلى أوراق القوة، وعلى رأسها المقاومة، كما ويتمسك بالثوابت الوطنية".
وأشار القائد الفلسطيني إلى أن ما جرى خلال الأيام الثمانية من التفاوض حول التهدئة في غزة، يعتبر "نموذجًا لكيف تدار المعارك العسكرية والسياسية، والذي يريد أن يخوض معركة سياسية لا بد أن تكون أوراقه على الأرض قوية، وهذا الدرس نموذج، ونحن نتعقد أن استعادة الأرض والقدس وحق العودة والحقوق الفلسطينية يحتاج إلى أرواق قوة حقيقية".
وأكد مشعل أنه "مخطئ من يتخيل أن استعادة فلسطين والقدس يتم بعملية تفاوضية فقط، فالتفاوض محطة صغيرة ضمن منظومة المقاومة والنضال الوطني المدعوم عربيًا وإسلاميًا ومن أحرار العالم، حتى نحصل على حقوقنا، والجهاد والمقاومة هو الطريق الاستراتيجي لتحقيق ذلك".
وفيما يلي نص الحوار الذي أجرته الوكالة التركية:
* كيف تقرأ الأيام الثامنة التي استغرقها العدوان "الإسرائيلي" على غزة؟
لا شك أن ما جري في الأيام الـ8 هي حرب "إسرائيلية" ظالمة وعدوان غاشم علي شعبنا، وكعادة "إسرائيل" فيما تفعله في غزة والضفة ولكن شعبنا كعادته شعب مجاهد وبطل دافع عن نفسه وعن أرضه ورد العدوان وتصرف بصلابة وفاجأ العدو من اللحظة الأولى.
ولأن حجم الجريمة "الاسرائيلية" باغتيال الجعبري (القيادي البارز بالجناح المسلح لحركة حماس) كان لا بد من الرد السريع والقوي، خاصة وأن هؤلاء أصدقاء وتلاميذ للجعبري فهم أوفياء لقادتهم، و"إسرائيل" فوجئت بالرد وسقفه العالي؛ وبالتالي ارتبك نتانياهو وأراد أن يصعد بالهجوم الجوي والبحري وهدد بالعملية البرية، لكن رد الله كيده إلى نحره لأن حسابات العدو تبين أنها ليست دقيقة وأن العدو يده ليست مطلقة، لا يستطيع أن يجتاح غزة دون أن يدفع ثمنًا باهظًا.
ونتنياهو كان بين يديه الانتخابات، وبنى حساباته على عدم خسارتها، وضغط المجتمع الدولي الذي أراد أن ينقذ نتنياهو بالتهدئة، فكل ذلك أسهم في أن تنتهي هذه الحرب بالصورة التي شهدها العالم وهي أن العدوان توقف بتهدئة متبادلة رعتها مصر وتركيا وقطر، وتم في هذه التهدئة تثبيت مطالب الشعب الفلسطيني وفتح المعابر ورفع الحصار.
* مقاومة 2012 تختلف كثيرًا عن مقاومة 2008 من حيث القدرة العسكرية، كيف تمكنت الفصائل من تطوير قدراتها رغم ظروف الحصار؟
من يملك إرادة المقاومة يعني له أن مزيدا من الزمن هو مزيد من البناء والتسليح والتطوير والبناء والتدريب.
* ولكن كان هناك حصار مفروض على غزة وما زال.
الطريقة التي يعيشها شعبنا في حياته اليومية، ويتغلب بها على المصاعب هي الطريقة ذاتها التي تغلب بها على الحصار العسكري، وهو يصنع سلاحه، كما يحصل على سلاحه بكل الطرق.
وبالتالي بمزيد من الزمن، ثم مزيد من تطوير القدرة العسكرية، وبالطبع هو تطوير متواضع مقارنة بالقدرة العسكرية "الإسرائيلية"، ولكنه مبني على قاعدة "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" والله يكلفنا بهذا القدر والباقي على رب العالمين.
بالإضافة إلى أخذ العبر من دورس الحرب الماضية، ونحن بشر وهناك أخطاء وثغرات والشهيد أحمد الجعبري قالها لي: "نحن استفدنا من كل الاخطاء والثغرات في الحرب الماضية".
* متى بدأ الحديث عن التهدئة؟
بكل أمانة من الأيام الأولى، فإن عنصر المفاجأة أربك حسابات العدو، ويبدو أن حسابات نتانياهو كانت بأن يضرب حماس وغزة ويقتل أحمد الجعبري، وبالتالي المقاومة ستتراجع، وينهي عدة أيام من العدوان على غزة، ويكون سجل انتصار يسعفه ويخدمه في انتخاباته، ويبدو صقرا أمام الشعب "الإسرائيلي"، لكن المفاجأة جاءت من الرد على العمق "الإسرائيلي" كما أن المقاومة لم تخش من تهديدات "إسرائيل" بالاجتياح البري.
وشعر نتنياهو بالورطة.. فلا هو رمم قوة الردع "الإسرائيلية" ولا هو قضى على البنية التحتية، ولم يتمكن من امتلاك زمام المبادرة فيفعل ما يشاء وقتما يشاء، بل أصبحت هناك ندية بينه وبين الفلسطينيين، وظل أمامه خيار وحيد وهو الحرب البرية وأدرك أنها ورطة كبيرة، فنعم الجيش "الإسرائيلي" قادر على الدخول لغزة، ولكنه سيدفع ثمنا باهظا قد يقضي على مستقبل نتانياهو السياسي، وفي تلك اللحظة تدخل المجتمع الدولي بطلب من نتنياهو، وكان هناك تباين داخل القيادة "الإسرائيلية"، ولكن الأمريكان والأوروبيون طلبوا من مصر وتركيا وقطر التدخل، وكانت الرغبة بالتهدئة، وهنا بدأت المعركة التفاوضية غير المباشرة عبر الأخوة في مصر وكان لتركيا وقطر دورهم الكريم، وكانت المسألة نعم لوقف النار مع الاستجابة لمطالب شعبنا المحددة.
* من هي الأطراف الفاعلة في تلك الهدنة وكيف أديرت عملية المفاوضات ؟
يوم السبت الماضي كان يومًا مشهودًا في القاهرة، حيث تواجد رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، ومعه وزير خارجيته أحمد داود أوغلو، ومعه طاقم كبير من الحكومة والقيادة التركية في القاهرة، وكذلك أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، بجانب مصر.
هذا الحضور المشهود في القاهرة كان تعبيرًا عن تضامن الأمة، وأن هذه الأطراف العربية والإسلامية تقف من أجل سرعة وقف العدوان على غزة، فتركيا من خلال أردوغان بذلت جهدًا كبيرًا في الاتصالات بالأمريكان، بل لا أذيع سرًا بأن "الإسرائيليين" أنفسهم بادروا واتصلوا بتركيا، عبر قناتين وليس قناة واحدة، يطلبون منها بذل جهد للوصول إلى التهدئة، وبالفعل كان للجهد التركي مع الجهد المصري نتائجه، وظللنا على اتصالات مع المسؤولين الأتراك حتى تم الإنجاز.
فمصر مع تركيا وقطر، هذا الثلاثي كان له وزنه وتأثيره في الوصول إلى تلك النتيجة، والأمريكان أدركوا أن هذا هو المخرج الوحيد، وأدركوا أن نتنياهو لو ظل في مغامرته العسكرية كان سيخسر خسارة كبيرة.
* هل فؤجتم بالموقف العربي؟
ربما "إسرائيل" تفاجأت بهذا الموقف، لكننا نحن لم نتفاجأ؛ لأن ثقتنا بالموقف العربي في ظل ربيعه الجميل كانت ثقة في مكانها، لا شك أن تقاطر وزراء الخارجية العرب ورئيس الحكومة المصري ووزير الخارجية التركي والجامعة العربية على غزة كان تعبيرًا عن مرحلة جديدة بأن غزة ليست وحدها فالعرب كان لهم دور مميز في إسناد الشعب في غزة.
عدة عوامل من طرفنا كانت مؤثرة في النتيجة: صلابة شعبنا، والمقاومة في الميدان، والتعاطف والجهد العربي والإسلامي السياسي والإعلامي، والزيارة المباشرة مع غزة، وكذلك صلابة موقفنا في التفاوض مع "إسرائيل" عبر القناة المصرية، كل ذلك كان له تأثير في النتيجة.
* تتحدث عن صلابة موقفكم في المفاوضات غير المباشرة فهل ستنعكس تلك الصلابة على مائدة المفاوضات المباشرة؟
ما جرى في الـ8 أيام نموذج لكيف تدار المعارك العسكرية والسياسية، خاصة أن بين الاثنين علاقة وثيقة، والذي يريد أن يخوض معركة سياسية لا بد أن تكون أوراقه على الأرض قوية، وهذا الدرس نموذج، ونحن نتعقد أن استعادة الأرض والقدس وحق العودة والحقوق الفلسطينية يحتاج إلى أرواق قوة حقيقية، ووقف العدوان على غزة تطلب كل هذه السيمفونية الجميلة القوية الواثقة، فكيف بمن يريد أن يستعيد القدس والأرض ويعيد الشعب المهجر إلى أرضه؟
هذا يحتاج إلى معركة تتوافر فيها كل أوراق القوة وعلى رأسها المقاومة مع وحدة الصف الفلسطيني، مع وحدة الموقف العربي والإسلامي، ومع حسن إدارة المعركة السياسية.
لكن مخطئ من يتخيل أن استعادة فلسطين والقدس يتم بعملية تفاوضية فقط، التفاوض محطة صغيرة ضمن منظومة المقاومة والنضال الوطني المدعوم عربياً وإسلامياً ومن أحرار العالم، حتى نحصل على حقوقنا، والجهاد والمقاومة هو الطريق الاستراتيجي لتحقيق ذلك.
* وهل تعي السلطة الفلسطينية ذلك؟
إخواننا في السلطة نختلف معهم في هذه الرؤية، لكن نتمنى أن يلتقطوا هذا الدرس، وأن يعرفوا أن انهاء الاحتلال "الإسرائيلي" له طريق آخر، غير طريق المفاوضات المتبع حاليًا، والمعارك السياسية مطلوبة، ولكن إلى جانب منظومة متكاملة من خيارات العمل الوطني والنضال، ونحن على العموم لسنا طرفين ونسعى أن نكون طرفًا واحدًا، وحريصون في أجواء هذا الإنجاز في غزة، أن نستثمر ذلك في الوصول إلى مصالحة تقوينا وتقوي أوراق القوة بين أيدينا، وتجعلنا مصرين على استعادة الحقوق في ميدان آخر.
* ماذا عن المصالحة الفلسطينية؟
هناك خطوات، المصالحة كانت موجود وتعثرت أحيانا، وأجواء هذه المعركة في غزة والانتصار الطيب الذي أكرمنا الله به يخلق ظروفًا أفضل لإنجاح المصالحة وهذا ما نسعى إليه.
* هل هناك خطوات فعلية لتحقيقها؟
الأخوة في مصر يحضرون لرعاية جولة جديدة من جولات المصالحة، لنبني على ما سبق من خطوات، ونطور الخطوات التي تنهي الانقسام وترتب البيت الفلسطيني، من خلال إنهاء المشاكل على الأرض وإنهاء التوترات الأمنية الداخلية، وتوحيد الحكومة والسلطة، وعقد الانتخابات، وإعادة بناء منظمة التحرير، بحيث تكون لنا مرجعية قيادية واحدة في الداخل والخارج، وكذلك يكون لنا برنامج سياسي فلسطيني واحد يستند إلى أوراق القوة، وعلى رأسها المقاومة، ويتمسك بالثوابت الوطنية.
* هل تم تحديد موعد للبدء في الجولة الجديدة من المفاوضات؟
سيتم الترتيب له في القريب إن شاء الله.
* هل كسر اتفاق الهدنة الحصار فعليا؟
ورقة التفاهمات التي تمت، فتحت الباب لإنهاء الحصار من خلال فتح المعابر، وتسهيل حركة الأفراد والبضائع، وهي الخطوة الكبيرة على طريق إنهاء الحصار، ولا شك أن الدول العربية والإسلامية قطعت شوطًا في إعادة إعمار غزة، فعلى سبيل المثال الدعم التركي ببناء مستشفى تعليمي والدعم الكبير لغزة مع زيارة أمير قطر، وتسريع القيادة المصرية لفتح معبر رفح، فكل ذلك يقربنا من لحظة الإعلان عن انتهاء الحصار بشكل نهائي.
* الاتفاق يتضمن فتح المعابر وفق الاتفاقات التي تمنح "إسرائيل" التحكم في حركتها فكيف تتعاملون مع ذلك؟
هناك معابر بين غزة و"إسرائيل" وهناك معبر مع مصر، وكنا بالأمس في اجتماع مع جهات سيادية مصرية للتباحث حول هذا الأمر، وإن شاء الله سنحقق من خلاله ما يحتاجه شعبنا الفلسطيني.
المقاومة الفلسطينية قادرة على استكمال بناء قوتها وتعويض ما خسرته في أقرب وقت، وندعو أمتنا بالاستمرار في دعمنا، وأن تضاعف من هذا الدعم، لأن دعم الشعب في صموده وفي ثباته على أرضه وفي مواجهته للاحتلال والعدوان، واجب الأمة وكسب لها، فإذا انتصر الشعب الفلسطيني فإن الأمة تنتصر، فالشعوب العربية والإسلامية ستشعر بالانتصار والمعركة شراكة وشعب فلسطين سيظل وفيًا لأمته.
* الانتخابات "الإسرائيلية" تقترب.. فهل تتوقع خرقًا للتهدئة ؟
بعد المغامرة الماضية، لا أظن أن الوقت المتبقي للانتخابات يسعف نتنياهو لمغامرة جديدة، ولكن هذا العدو غادر ولا يؤمن جانبه ونحن جاهزون وله بالمرصاد.
وهذه التهدئة ستسمر بقدر التزام العدو، ونحن جاهزون لكل الاحتمالات، ولا نتمنى أن يكون هناك مزيد من الدماء.
* بالأمس أعلن نتنياهو أنه خرج منتصرًا من عملية "عامود السحاب" وأنه اختبر القبة الحديدية وكذلك رصد وصول السلاح للمقاومة فما تعليقك؟
على نتنياهو أن يقنع شعبه أولا ثم يقنع المجتمع الدولي، فاليوم 70% من الرأي العام "الإسرائيلي" معترض على سياسة نتنياهو، وعلى النتيجة التي آلت إليها المعركة، وهذا دليل على فشل سياسته في العدوان على غزة، فلا هو حقق قوة الردع ولا دمر البنية التحية ولا فرض علينا شروطه بل نحن الذين فرضنا شروطنا.
* ما الذي خسرته في المعركة؟
أراوح شهدائنا الذكية.
* مكاسب المقاومة خلال الـ8 أيام، هل تتوقع أن تؤثر على المطلب الفلسطيني المقرر تقديمه للأمم المتحدة للحصول على عضوية؟
لا شك هذا يرفع الروح المعنوية الفلسطينية، ويجعل صورة الفلسطينيين على مستوى العالم ممتازة، ولكن موقفنا أن المعركة الدبلوماسية في الأمم المتحدة وإن كانت مهمة وجيدة، لكنها لا تكفي، وينبغي ألا تكون منفردة، بل أن تكون وفق توافق وطني فلسطيني عام، ومنظومة ورؤية الدبلوماسية جزء منها، وفيها أيضا المقاومة حتى ننتزع حقنا، وهذه الخطوة مهمة ضمن خيارات مفتوحة يسعى إليها الشعب الفلسطيني.
* هل مكاسب المقاومة ستدفعك لتغيير رأيك بترك المكتب السياسي للحركة؟
الحركة لديها مؤسسات قوية، والله سيوفقها لاختيار ما هو أنسب في هذه المرحلة، وأنا لي موقفي، وأنا ابن هذه الحركة ومؤسس فيها، وأتشرف أن أخدم وطني وأمتي من خلال حركة حماس، والأهم هو الدور والخدمة وليس الموقع، والذي يستمر هو الجهاد والتضحية وخدمة هذه الأمة.
إذا تغير الموقع فالدور مستمر لأني معني بهموم الأمة، وأنا رجل عقلي وقلبي مشغول بخدمة قضيتنا، وأهم شيء هو القبول من الله، وأسال الله حسن الختام.
* متى ستزور غزة؟
سيكون ذلك في لحظة لن تطول إن شاء الله، وغزة العزيزة في قلبي ولن يطمن قلبي وتهدئ نفسي إلا أن تكتحل عيني برؤية غزة، وأن أكون على ترابها.. تراب المجاهدين.
* هل سيكون للحركة مكتب في القاهرة؟
العلاقات مع الدول لها أشكال متعددة، وليس المكتب هو الشكل الوحيد للعلاقة، وعلاقتنا بالقاهرة ممتازة وتتطور باستمرار، وما حدث في الأيام الماضية كان شاهدًا على ذلك، ومصر في القلب ونفخر بها.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية