مصر بين دعاة الهدم والتخريب ودعاة البناء والتعمير
جمال أبو ريدة
آلمت الأحداث الأخيرة التي شهدتها مصر في الذكرى الثانية لثورة 25 يناير الكل العربي والمسلم على حد سواء، وذلك للشعور العربي والمسلم بأن ما يجري في مصر ليس مجرد احتجاجات عفوية على أحكام محكمة جنايات بورسعيد السبت بإعدام 21 متهمًا في قضية أحداث إستاد بورسعيد ,التي راح ضحيتها 72 شخصًا في فبراير 2012م، وإنما هي احتجاجات "مدبرة" تقف خلفها أطراف عدة (داخلية وخارجية)، لتحقيق جملة من الأهداف، في مقدمتها "إشغال" مصر الثورة عن أخذ دورها السياسي والتاريخي، على كافة ومختلف الصعد الداخلية،والعربية،والإقليمية، والدولية وهي الأدوار التي من شأنها أن تغير كثيرًا من قواعد اللعبة في المنطقة العربية على وجه التحديد، وتحديدًا وقف التغول (الإسرائيلي) بحق الشعب الفلسطيني، ولعل ظهور مجموعات مسلحة بأسماء كثيرة كمجموعة (البلاك بلوك) وغيرها من المجموعات السوداء، واستخدامها السلاح ضد رجال الشرطة والجيش معًا، يكفي للتأكيد على أن الأحداث الأخيرة مدبرة منذ فترة لإشاعة الفوضى والدمار في مصر، بهدف الانقلاب على الثورة، ونتائج الانتخابات الرئاسية، وليست عرضية وعفوية كما يحاول البعض أن يشيع.
ولعل ما يؤكد على أن ما يجري في مصر من احتجاجات، ليس بالحدث العرضي، وإنما هو مؤامرة مدبرة منذ فترة، هو الزج باسم حركة "حماس" فيما يجري من أحداث، واتهام بعض القنوات الفضائية المصرية المحسوبة على النظام المصري المخلوع، للحركة بإرسال سبعة آلاف من عناصرها لقمع المحتجين المصريين في مدن القناة (بورسعيد، السويس، الإسماعيلية)، ومساعدة الرئيس مرسي على ضبط الأمور هناك، وهي أكذوبة "مفضوحة" و "مختلقة"، بل هي من أكاذيب النظام المخلوع، التي حاول جاهدًا إلصاقها بالحركة لتشويه صورتها لدى الرأي العام المصري، ولكنه فشل لأسباب كثيرة لا يتسع المقام للوقوف عليها، فـ "حماس" منذ انطلاقتها في العام 1987م، لم يسجل عليها التدخل في الشأن الداخلي العربي، بل لم يسجل عليها أن انحازت لطرف على حساب طرف آخر، ولعل موقفها مما جرى ويجري في سوريا منذ عامين تقريبًا، يكفي للتأكيد على أن الحركة قد آثرت الخروج من سوريا منذ بداية الأحداث، لرفضها القاطع أن تكون طرفًا فيما يجري من أحداث في سوريا، رغم أن النظام السوري قد قدم للحركة الكثير طوال السنوات الأخيرة من عمر الحركة، وتحديدًا منذ أن عمد النظام الأردني إلى طرد رئيس المكتب السياسي للحركة من عمان في العام 1999م.
وعلى الرغم من أن ما يجري في مصر هو مؤامرة مدبرة بامتياز، و"مفضوح" أطرافها وأهدافها، فإن الرئيس مرسي مطالب بالتحرك العاجل لاحتواء الأمر كله، من خلال التقدم بمبادرة سياسية عاجلة تستجيب لمطالب بعض القوى السياسية المصرية المعارضة من جانب، وتكفي لحشر من يقف خلف الاحتجاجات الأخيرة في الزاوية من جانب آخر، كما أن المؤسسة العسكرية والأمنية مطالبتان بالتحرك العاجل لإشاعة الأمن والنظام في ربوع مصر، وذلك لقطع الطريق على هذه المجموعات من تهديد حياة وأمن المواطن المصري، وللتأكيد على أن الدولة المصرية أقوى من كل هذه المجموعات الإرهابية، كما أن الرئاسة المصرية مطالبة بالاستمرار في عملية التنمية والبناء التي من شأنها إشاعة الرخاء الاقتصادي، والتخفيف من نسبتي الفقر والبطالة المرتفعتين في مصر، والتي من شأن التغلب عليهما زيادة حجم الالتفاف الشعبي حول الثورة، ونبذ ما تبقى من بقايا النظام المخلوع، الذين يصارعون "الموت" من أجل العودة إلى الحكم بأي وسيلة وطريقة، ولعل ما يشجعهم على ذلك هو تحكمهم في الكثير من مفاصل الدولة المصرية إلى غاية هذه اللحظة، الأمر الذي "عطل" الكثير من الإجراءات التي قامت بها الرئاسة والحكومة المصرية معًا للتغيير والإصلاح المنشود.
وما يحسب للرئاسة المصرية في هذه الأحداث الأخيرة، أنها قد شددت على كافة عناصر الشرطة والجيش بالسماح بالتظاهر السلمي للمواطنين المصريين والأحزاب والقوى السياسية مع وجوب الحماية الأمنية القانونية للمجتمع، وعدم استخدام السلاح مطلقًا في مواجهة هذه التظاهرات، وذلك لإدراكها الجيد بنوايا أطراف المؤامرة جميعًا، التي تتحين الفرصة للإيقاع بين المواطنين والجيش والشرطة، لإحداث فوضى عارمة وسقوط قتلى وجرحى، تكون مدخلا لإشغال الرئيس مرسي عن تحقيق أي من برنامجه السياسي خلال فترة ولايته، والأخطر من ذلك هو إبقاء الرئاسة المصرية في دائرة الفعل وردود الفعل، الأمر الذي من شأنه أن يفقد المواطن المصري لنعمتي الأمن ولقمة العيش الكريمة معًا، وهي البداية للهجوم أكثر على الرئاسة المصرية، ولكن هذه المرة بحجة الفشل في الحفاظ على نعمتي الأمن ولقمة العيش الكريمة للمواطن المصري، وتكفي الأيام القادمة للتوضيح أكثر، أن الرافعة الأهم لقطع الطريق على كل المتآمرين على مصر هي البدء في عملية البناء والتعمير، لتحرير مصر من دعاة الهدم والتخريب.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية