معتصم رداد.. آلام قيد وعذابات مرض
المهندس وصفي قبها
يعاني الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال كل أشكال وألوان المعاناة التي تتخذ صوراً مختلفة ومتعددة من الهمجية والسادية المفرطة، حيث يتلذذ هذا الاحتلال وهو يمارس ساديته وهمجيته وإجرامه ويُمعن بالتضييق عليهم، ويتفنن في إبتكار سياسات وأساليب غاية في العنصرية والإجرام تجاههم، حيث يقوم الاحتلال بتصنيف الأسرى وفق معاييره الإجرامية القائمة على الحقد والكراهية، فيصف على سبيل المثال أصحاب المحكوميات العالية الذين مارسوا حقهم بالمقاومة بأنهم " أصحاب الأيدي الملطخة بالدماء " بينما يصفهم الفلسطينيون بأنهم " أصحاب الأيدي المتوضئة " ، وعلى كل الأحوال فإن هذا الاحتلال ينفث سموم حقده من خلال إجراءات وممارسات تحول حياة الأسير إلى جحيم لا يطاق حيث يهدف إلاحتلال إلى معاقبة الأسرى والإنتقام منهم على حرِّ إنتمائهم والتميُّز بعطائهم وتضحياتهم من أجل شعبهم الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
ومن الإجراءات والممارسات التي تعتمدها سلطات الاحتلال وذراعها مصلحة السجون ووفق سياسة ممنهجة ومعتمدة في أروقة القرار الإسرائيلي، الإهمال الطبي المتعمد، حيث يتلخص ذلك بالمماطلة في تقديم العلاجات اللازمة للأسرى بشكل عام، كما أن ذلك يتجسد في عدم التشخيص المبكر للمرض، ومن ثمَّ عدم تقديم العلاج المناسب في الوقت المناسب مما يفاقم من الحالة المرضية وبحيث يمضي الوقت مما يؤدي إلى تدهور الحالة الصحية للأسير وتصبح العلاجات عندها للتخدير وليس للإستشفاء من المرض، وقد أستشهد العشرات من الأسرى والأسرى المحررين كنتيجة حتمية لهذه السياسة التي تتنكر وتضرب بعرض الحائط كل المواثيق والأعراف الدولية التي تنص وتؤكد على أن يتلقى الأسير العلاجات اللازمة وأن تقدم الخدمة الطبية في أفضل صورها، ولكن هيهات، هيهات فهذا المحتل الغاشم ما يريد لأسرانا وأبطالنا إلا لمزيد من المعاناة، فهؤلاء الأسود الرابضة والقابعون خلف القضبان يعانون الأمرين، وتزداد المعاناة أكثر عندما يكون الأسير مريضاً وتكون المعاناة في أوجها عندما يكون الأسير الفلسطيني يعاني مرضاً عضالاً أو إعاقة جسدية، وكل ذلك يجعل حياة الأسرى جحيماً لا يُطاق.
إن حالة معتصم رداد تشكل اليوم عنوان الإهمال الطبي، لقد عشت لمدة سبعة شهور في قسم جمعني مع هذا الأسير الشامخ والصامد والصابر في سجن هدريم، تعرفت على معاناته وما يواجهه من إجراءات احتلالية تُفاقم من خطورة وضعه الصحي، وحالته المرضية تعتبر أخطر الحالات المرضية في سجون الاحتلال كونه مصاب بالسرطان الأمعاء ويعاني من أمراض أخرى عدة منها إضطرابات في وظائف القلب، وضعف البصر، وإنتفاخات في الوجه ... فحالة معتصم رداد هي نموذج من المعاناة للحركة الأسيرة بشكل عام .. ومرضى سجن الرملة على وجه الخصوص.
اليوم ومع بداية الحملة الإليكترونية للتضامن مع الأسير المريض معتصم رداد، أوجز لكم معاناة هذا الفارس، فقد ولد معتصم طالب داوود رداد في بلدة صيدا شمال طولكرم بتاريخ 11/11/1982، من نشطاء حركة الجهاد الإسلامي وذراعها المسلح " سرايا القدس "، اعتقل يوم 12/1/2006، بعد فترة مطاردة طويلة، وعلى أثر عملية اشتباك مسلح خاضها مع رفاقه في ضاحية صباح الخير بمدينة جنين حيث استشهد خلالها رفاقه معتز أبو خليل وعلي أبو خزنه، وأصيب يومها معتصم بشظايا عديدة في كافة أنحاء جسمه، وحكم عليه بالسجن لمدة عشرين عاماً بتهمة الانتماء والعضوية في سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي ومقاومة الاحتلال الصهيوني.
ومنذ اليوم الأول لاعتقاله بدأ الأسير معتصم رحلة طويلة صعبة وشاقة من المرض والمعاناة، وهو الأسير المصاب بشظايا كثيرة في مختلف أنحاء جسمه، تعاملت معها مصلحة سجون الاحتلال بكثير من الإهمال واللامبالاة، وقد تلكأت في تقديم العلاج المناسب والفعال وفي إجراء فحوصات ضرورية ولازمة تساعد في التشخيص المبكر لحالته، فمع بداية اعتقاله عاني من أوجاع كبيرة ومتواصلة في بطنه التي رافقته لأشهر طويلة، وكان يُعتقد أنها نتيجة الشظايا المنتشرة في أنحاء جسده، وكلما خرج لعيادة السجن في سجني جلبوع وريمون واشتكى للطبيب، كان الرد بأنها عوارض بسيطة، وكانت العيادة تقدم له المسكنات التي مع الوقت لم تُجدِّ نفعاً، وكل ذلك قبل أن يكون هناك تشخيص أولي بأن معتصم يعاني من التهاب بسيط في الأمعاء، ومع مرور الوقت ولعدم تقديم العلاجات الفعالة والناجعة لهذه الإلتهابات، تضاعف المرض مع معتصم وتحول إلى التهاب حاد وتفاقم الأمر أكثر وأكثر مع حصول نزيف داخلي بكميات كبيرة، ومع مرور عامين كان وضعه الصحي قد تدهور كثيراً وخسر أكثر من خمسة عشر كيلوا من وزنه، كما ووصلت نسبة الدم إلى حوالي 5 فقط، يومها ومتأخراً جداً، إعترفت مصلحة السجون بخطورة مرضه ونقلته إلى مستشفى سيروكا في بئر السبع، ومن ثمَّ إلى عيادة سجن الرملة وكان ذلك في العام 2010 .
خلال تلك الفترة بذلت العائلة كل جهودها من خلال المؤسسات الحقوقية والإنسانية وأطباء بلا حدود لتمكينها من إدخال طبيب أخصائي للكشف على معتصم وتحديد مرضه ووصف العلاج اللازم له، إلا أن إدارة المعتقل كانت على الدوام ترفض هذا الطلب الذي لم يتوقف على العائلة والأسير معتصم فقط، بل تدخلت أيضاً مختلف المؤسسات الحقوقية والقانونية والطبية الفلسطينية وبعض المؤسسات الإسرائيلية التي تُعنى بمثل هذه القضايا، وأكثر من ذلك فقد تدخل بعض النواب العرب في الكنيست الإسرائيلي، إلا أن كافة الطلبات والمحاولات كانت تواجه بالرفض، وقد فشلت كل الجهود أمام صلف وتعنت الموقف الإسرائيلي، وحتى عندما حاولت العائلة استخراج ملفه الطبي لعرضه على لجنة من الأطباء ذوي الإختصاص من خارج السجن فقد ماطلت مصلحة السجون إلا أنها رضخت وقامت بتسليم الملف الذي لم يتضمن سوى وضعه من العام 2008 وحتى العام 2010، دون أيه تفصيلات والاكتفاء بأن حالته هي إلتهابات شديدة في الأمعاء، ونظراً لتفاقم وخطورة حالة معتصم ولكثرة الأدوية التي تمَّ وصفها وتقديمها لمعتصم والتي لم تكن الدواء الفعال والناجع فقد بدأت أعرض أمراض أخرى بالظهور وقد زادت معاناة معتصم نتيجة الآثار السلبية لهذه العلاجات، وبالفعل فقد نتج عن هذه الأدوية بأن ظهر عليه أعراض أمراض أخرى منها عدم إنتظام دقات القلب، وحيث كانت ترتفع الى أعلى درجاتها وتهبط فجأة، كما وظهرت أعراض انتفاخ في جسمه،
وعندما ساءت حالته الصحية وأمام التدهور الخطير بعد رحلة طويلة مع المرض، وبعد إجراء فحوصات متقدمة جاءت متأخرة أكثر من خمسة سنوات، إعترفت مصلحة السجون بأن معتصم يعاني من سرطان متقدم في الأمعاء، حيث تقرر إعطائه العلاج الكيماوي، وبعد فترة ولعدم تجاوب جسمه للعلاج الكيماوي، الذي كان يخضع له مؤخرا، قررت إدارة عيادة سجن الرملة تحديد عملية جراحية له لاستئصال جزء من أمعائه وكان ذلك قبل نهاية عام 2011 وقد جاء تحديد موعد العملية متأخراً أيضاً حيث تقرر الموعد النهائي بعد عام كامل من إتخاذ القرار، وعلى الرغم من خطورة العملية و نسبة نجاحها الضيئلة، وافق الأسير المعتصم عليها ليضع آملاً أن يضع حدا لسنوات طويلة من المعاناة، وكانت أمله الأخير، إلا أن إدارة عيادة السجن أبلغته بتأجيلها لأجل غير مسمى وذلك قبل أقل من ساعة فقط من موعد إجرائها، وبعد أن خضع لإجراءات تحضيره الكامل للعملية.
وأمام معاناته الدائمة من الأوجاع ليل نهار والنزيف المستمر بات العلاج الكيماوي الذي ضاعفته إدارة المستشفى له مؤخراً لا يقدم ولا يؤخر، حيث لم يكن على درجة من الفاعلية من وقف إنتشار السرطان، وقد بدأت إدارة المستشفى بإعطائه الكورتزون للتخفيف من الآم المرض، هذا ويعاني اليوم أيضاً من إرتفاع مستمر لدرجة حرارة جسمه.
من جهة أخرى لم تقتصر معاناة معتصم على ما يعانيه من مرض السرطان وإضطرابات في القلب وإرتفاع لدرجة حرارة جسمه، وإنما تتضاعف معاناته عند نقله لتلقي العلاج في عيادة سجن الرملة حيث النقل من خلال البوسطة وليس من خلال سيارة نقل المرضى ( الإسعاف) أو من خلال سيارة مريحة ، فهو يخرج في ساعات الصباح الباكر ويمضي عدة ساعات في غرفة الإنتظار في عيادة سجن الرملة قبل أن تبدأ رحلة عذاب إعطائه جرعة الكيماوي. وفي المدة الأخيرة انتظر من الرابعة صباحاً وحتى الثانية عشره ظهراً حتى جاء موعد الإبرة وبعد الإنتهاء من عملية أخذ الأبرة انتظر في القفص الحديدي " البوسطة " إلى أن وصل في ساعات متأخرة إلى السجن مع العلم أنه بإمكان مصلحة السجون اعطائه الإبرة في مستشفى مئير الذي لا يبعد عن سجن هداريم سوى دقائق معدودة.
والشيء بالشيء يُذكر ففي عام 2012 قامت مصلحة السجون بنقل معتصم إلى عيادة سجن الرملة وبسبب ضيق المكان وعدم ملائمته لإقامة الأسرى المرضى وكافة الأسرى فيه يعانون أمراضاً مختلفة ومنهم على الكراسي المتحركة، وعدم وجود أسرى حولهم طالب معتصم مغادرة هذه العيادة ونقله إلى سجن قريب، ولم تستجب مصلحة السجون لذلك فاضطر إلى إعلان الإضراب عن الطعام وعندما لم ترضخ مصلحة السجون لطلبه هدد بوقف تناول الدواء، فتمَّ نقله إلى سجن هداريم، ولكن بقيت معاناة البوسطة حيث يخرج في الساعة الثانية صباحاً ويعود بعد الساعة العاشرة ليلاً، يخضع خلالها لأخذ جرعة الكيماوي المضاعفة جداً والتي تستغرق لحوالي ثمان ساعات بتعرض خلالها للإرهاق والإعياء والتعب، وعندما يعود إلى سجن هداريم يبقى طريح الفراش يعاني عذاب البوسطة التي يُنقل من خلالها إلى الرملة، فطالب بضرورة توفير سيارة إسعاف عند نقله لأخذ جرعة الكيماوي والتي تُعطى له شهرياً، فرفضت مصلحة السجون هذا الطلب فهدد بإعلان الإضراب عن الطعام، وبعد أخذ ورد وافقت مصلحة السجون على نقله بسيارة خاصة وليس سيارة إسعاف على أن يصل قبل موعد أخذ جرعة الكيماوي بدقائق وأن يعود إلى السجن مباشرة بعد الإنتهاء، وكان موعد الجرعة يوم 5/6 وذلك قبل الإفراج عني بيوم، وقد تنكرت الإدارة للاتفاق ومضى اليوم دون إحضار السيارة الخاصة وتأجلت جرعة الكيماوي، وثاني يوم 6/6 أفرج عني في تمام الساعة الثانية بعد الظهر ولم يتم إحضار السيارة، حيث تدخلت الفصائل ووعدوا قبل العصر إحضار السيارة، وخرجت من السجن بعد أن ودعت رفاق قيدي ومنهم الأسير معتصم رداد، الذي حملّنيَ وصية إلى كل أبناء الشعب الفلسطيني والمؤسسات الرسمية والشعبية بأن يضغط الجميع على هذا الاحتلال للإفراج عنه وعن كل الأسرى المرضى فأمنية معتصم الوحيدة اليوم هو أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى ويلقى الله سبحانه وتعالى وهو بين أحضان أمه وبين إخوانه، فهو لا يريد أن يصيبه ما أصاب الشهيد ميسرة أبو حمدية " أبو طارق " الذي أستشهد وهو على سرير المرض مكبلاً بالأصفاد بعيداً عن الزوجة، بعيداً عن الأبناء وبعيداً عن الأهل، فحالة الشهيد ميسرة أصبحت شبحاً يُطارد كل أسير مريض وكل الحركة الأسيرة، فهل تتحقق أمنية الأسير معتصم ؟ هذا السؤال مطروح اليوم برسم الضمير الديني، وبرسم الضمير الوطني، وبرسم الضمير الإنساني والأخلاقي، إلى كل الفصائل الفلسطينية، وإلى السلطة الفلسطينية وإلى المؤسسات المحلية والدولية ومنها مؤسسات المجتمع الإنساني.
وقبل أن نختم قصة معتصم رداد المختصرة لا بد من الإشارة إلى أنه ولإنقاذ حياته حاولت عائلة الأسير معتصم ومن خلال المحامين والمؤسسات تقديم طلب للمحكمة للإفراج عنه لظروف إنسانية حتى يتمكن للسفر الى خارج الآراضي الفلسطينية للعلاج إلا أن المحكمة رفضت هذا الطلب أيضا وأصرت على اعتقاله في ظروف غاية بالسوء .
إن حالة الأسير معتصم رداد هي من أكثر الحالات المرضية خطورة بين الأسرى المرضى في السجون وأن سلطات الاحتلال التي ترفض الإفراج عنه تتحمل المسؤولية الكاملة عن حياته، وأن حالته هي مؤشر على مدى معاناة الأسرى المرضى في سجون الاحتلال وهي تعبير مكثف عن سياسة الإهمال الطبي التي تنتهجها إدارة مصلحة السجون وأطبائها بحق الأسرى، فعليه فإن عنوان المعركة القادمة يجب أن تكون للأسرى ويجب رفض سياسة الإهمال الطبي بكل تجلياتها وتفاصيلها ويجب توحيد الجهود وتكثيف وحشد الطاقات والإمكانات من أجل إطلاق سراح الأسرى وفي مقدمتهم إطلاق سراح الأسرى المرضى.
وأمام ما تقدم فإنه لا يخفى على الجميع أهمية قضية الأسرى، فهي الجرح النازف في خاصرة الشعب الفلسطيني، والسؤال المطروح اليوم ... ماذا قدمنا لهؤلاء الأسرى .. الذين وهبونا زهرات أعمارهم من أجل كرامتنا وعزتنا ؟؟؟ فكم هو مؤسف أن تحشد الفصائل مئات الآلاف من أنصارها عندما يتعلق الأمر في ذكرى إنطلاقة هذا الفصيل أو ذاك .. أو للإحتفال بنصر وهمي .. أو إستقبال قائد هنا أو قائد هناك ... بينما لا نرى هذه الحشود ولا واحد بالمائة ولا حتى واحد بالألف في وقفات تضامنية مع الأسرى . الهذه الدرجة هانت علينا قضية الأسرى .. ألهذه الدرجة بخلنا على الأسرى المرضى بما معدله ساعة أسبوعياً ... لقد خذلنا الأسرى ... ماذا يقول الأسير الذي طحنت رحى سجون الاحتلال سنوات شبابه وزهرة عمره من أجل الوطن .. تجاوزت الثلاثة عقود كما هو حال كريم يونس ... بينما ضننا عليهم بساعة أسبوعياً .. وهو ما يعادل 48 ساعة في السنة .. وهذا يعادل فقط يومين .. وااااااااااسفاه .. ماذا يقول الأسير وهو يتابع العشرات من الاف لحضور حفلة موسيقية ... بينما لا يرى العشرات تتضامن معه ... لقد خرج إلينا الشهيد ميسرة أبو حمدية في كيس أسود ، محمولاً على الأكتاف .. كما خرج قبله الشهيد عرفات جرادات ... واليوم فإن الدور على معتصم رداد الذي حملني الأمانة بأن أنقلها لكل أبناء الشعب الفلسطيني ومؤسساته وفصائله ... يريد فقط أن يلقى الله وهو في حضن أمه وبين إخوانه وأفراد عائلته وأبناء شعبه .. معتصم لا يريد أن يكون مصيره كما كان مصير الشهيد ميسرة .. كم حزنت وقد شاركت بثلاث فعاليات من أجل معتصم رداد على المشاركة الضعيفة .. لقد خجلت من نفسي وأنا أرى الأعداد القليلة تشارك في مسيرة سلمية من أجل معتصم .. وللإسهام في تحقيق أمنية معتصم ... معتصم الذي بعث بوصيته وأعطى نفسه الشهيد الحي رقم 208 .. معتصم الذي يرسف بقيوده في سجن هداريم ينتظر عرس إستشهاده في كل لحظة .. يقدم حياته لكي يحيا الشعب من بعده أعزاء وكرماء ... وبالرغم من تقصيرنا الفاضح بحق قضية الأسرى ... وقضية معتصم فإنه وبإبتسامة الشهيد يبعث لكل أبناء وطنه السلام ويخص بالذكر والدته وأقاربه ... ويقول لنا بأن دمه فداء لنا .. ويقول لنا بمنطق وكلام الواثق والمُخلِص بأنه يحرسنا بأضلعه وجفونه ودعائه ... وهو ينتظرنا على باب سجن هداريم لكي ينقل نعشه إلى أقرب معبر لنحمله إلأى مثواه الأخير ... ويُذكرنا معتصم بأننا أهله وناسه .. ويوصينا أن ندفنه في مقابر الشهداء .. وإن أمكن أن نصلي عليه في باحات المسجد الأقصى .. والملتقى عند عزيز مقتدر ... ويوقع معتصم وصيته .. إبنكم الشهيد الحي الأسير المريض معتصم رداد ... سجن هداريم
لله درك يا معتصم .. ما أعظمك .. وأنت تُعلمنا دروس التضحية والفداء ... دروس التسامح والعطاء .. دروس حب الوطن والإنتماء .. وستبقى حياً فينا يا معتصم.
المهندس وصفي قبها
يعاني الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال كل أشكال وألوان المعاناة التي تتخذ صوراً مختلفة ومتعددة من الهمجية والسادية المفرطة، حيث يتلذذ هذا الاحتلال وهو يمارس ساديته وهمجيته وإجرامه ويُمعن بالتضييق عليهم، ويتفنن في إبتكار سياسات وأساليب غاية في العنصرية والإجرام تجاههم، حيث يقوم الاحتلال بتصنيف الأسرى وفق معاييره الإجرامية القائمة على الحقد والكراهية، فيصف على سبيل المثال أصحاب المحكوميات العالية الذين مارسوا حقهم بالمقاومة بأنهم " أصحاب الأيدي الملطخة بالدماء " بينما يصفهم الفلسطينيون بأنهم " أصحاب الأيدي المتوضئة " ، وعلى كل الأحوال فإن هذا الاحتلال ينفث سموم حقده من خلال إجراءات وممارسات تحول حياة الأسير إلى جحيم لا يطاق حيث يهدف إلاحتلال إلى معاقبة الأسرى والإنتقام منهم على حرِّ إنتمائهم والتميُّز بعطائهم وتضحياتهم من أجل شعبهم الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
ومن الإجراءات والممارسات التي تعتمدها سلطات الاحتلال وذراعها مصلحة السجون ووفق سياسة ممنهجة ومعتمدة في أروقة القرار الإسرائيلي، الإهمال الطبي المتعمد، حيث يتلخص ذلك بالمماطلة في تقديم العلاجات اللازمة للأسرى بشكل عام، كما أن ذلك يتجسد في عدم التشخيص المبكر للمرض، ومن ثمَّ عدم تقديم العلاج المناسب في الوقت المناسب مما يفاقم من الحالة المرضية وبحيث يمضي الوقت مما يؤدي إلى تدهور الحالة الصحية للأسير وتصبح العلاجات عندها للتخدير وليس للإستشفاء من المرض، وقد أستشهد العشرات من الأسرى والأسرى المحررين كنتيجة حتمية لهذه السياسة التي تتنكر وتضرب بعرض الحائط كل المواثيق والأعراف الدولية التي تنص وتؤكد على أن يتلقى الأسير العلاجات اللازمة وأن تقدم الخدمة الطبية في أفضل صورها، ولكن هيهات، هيهات فهذا المحتل الغاشم ما يريد لأسرانا وأبطالنا إلا لمزيد من المعاناة، فهؤلاء الأسود الرابضة والقابعون خلف القضبان يعانون الأمرين، وتزداد المعاناة أكثر عندما يكون الأسير مريضاً وتكون المعاناة في أوجها عندما يكون الأسير الفلسطيني يعاني مرضاً عضالاً أو إعاقة جسدية، وكل ذلك يجعل حياة الأسرى جحيماً لا يُطاق.
إن حالة معتصم رداد تشكل اليوم عنوان الإهمال الطبي، لقد عشت لمدة سبعة شهور في قسم جمعني مع هذا الأسير الشامخ والصامد والصابر في سجن هدريم، تعرفت على معاناته وما يواجهه من إجراءات احتلالية تُفاقم من خطورة وضعه الصحي، وحالته المرضية تعتبر أخطر الحالات المرضية في سجون الاحتلال كونه مصاب بالسرطان الأمعاء ويعاني من أمراض أخرى عدة منها إضطرابات في وظائف القلب، وضعف البصر، وإنتفاخات في الوجه ... فحالة معتصم رداد هي نموذج من المعاناة للحركة الأسيرة بشكل عام .. ومرضى سجن الرملة على وجه الخصوص.
اليوم ومع بداية الحملة الإليكترونية للتضامن مع الأسير المريض معتصم رداد، أوجز لكم معاناة هذا الفارس، فقد ولد معتصم طالب داوود رداد في بلدة صيدا شمال طولكرم بتاريخ 11/11/1982، من نشطاء حركة الجهاد الإسلامي وذراعها المسلح " سرايا القدس "، اعتقل يوم 12/1/2006، بعد فترة مطاردة طويلة، وعلى أثر عملية اشتباك مسلح خاضها مع رفاقه في ضاحية صباح الخير بمدينة جنين حيث استشهد خلالها رفاقه معتز أبو خليل وعلي أبو خزنه، وأصيب يومها معتصم بشظايا عديدة في كافة أنحاء جسمه، وحكم عليه بالسجن لمدة عشرين عاماً بتهمة الانتماء والعضوية في سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي ومقاومة الاحتلال الصهيوني.
ومنذ اليوم الأول لاعتقاله بدأ الأسير معتصم رحلة طويلة صعبة وشاقة من المرض والمعاناة، وهو الأسير المصاب بشظايا كثيرة في مختلف أنحاء جسمه، تعاملت معها مصلحة سجون الاحتلال بكثير من الإهمال واللامبالاة، وقد تلكأت في تقديم العلاج المناسب والفعال وفي إجراء فحوصات ضرورية ولازمة تساعد في التشخيص المبكر لحالته، فمع بداية اعتقاله عاني من أوجاع كبيرة ومتواصلة في بطنه التي رافقته لأشهر طويلة، وكان يُعتقد أنها نتيجة الشظايا المنتشرة في أنحاء جسده، وكلما خرج لعيادة السجن في سجني جلبوع وريمون واشتكى للطبيب، كان الرد بأنها عوارض بسيطة، وكانت العيادة تقدم له المسكنات التي مع الوقت لم تُجدِّ نفعاً، وكل ذلك قبل أن يكون هناك تشخيص أولي بأن معتصم يعاني من التهاب بسيط في الأمعاء، ومع مرور الوقت ولعدم تقديم العلاجات الفعالة والناجعة لهذه الإلتهابات، تضاعف المرض مع معتصم وتحول إلى التهاب حاد وتفاقم الأمر أكثر وأكثر مع حصول نزيف داخلي بكميات كبيرة، ومع مرور عامين كان وضعه الصحي قد تدهور كثيراً وخسر أكثر من خمسة عشر كيلوا من وزنه، كما ووصلت نسبة الدم إلى حوالي 5 فقط، يومها ومتأخراً جداً، إعترفت مصلحة السجون بخطورة مرضه ونقلته إلى مستشفى سيروكا في بئر السبع، ومن ثمَّ إلى عيادة سجن الرملة وكان ذلك في العام 2010 .
خلال تلك الفترة بذلت العائلة كل جهودها من خلال المؤسسات الحقوقية والإنسانية وأطباء بلا حدود لتمكينها من إدخال طبيب أخصائي للكشف على معتصم وتحديد مرضه ووصف العلاج اللازم له، إلا أن إدارة المعتقل كانت على الدوام ترفض هذا الطلب الذي لم يتوقف على العائلة والأسير معتصم فقط، بل تدخلت أيضاً مختلف المؤسسات الحقوقية والقانونية والطبية الفلسطينية وبعض المؤسسات الإسرائيلية التي تُعنى بمثل هذه القضايا، وأكثر من ذلك فقد تدخل بعض النواب العرب في الكنيست الإسرائيلي، إلا أن كافة الطلبات والمحاولات كانت تواجه بالرفض، وقد فشلت كل الجهود أمام صلف وتعنت الموقف الإسرائيلي، وحتى عندما حاولت العائلة استخراج ملفه الطبي لعرضه على لجنة من الأطباء ذوي الإختصاص من خارج السجن فقد ماطلت مصلحة السجون إلا أنها رضخت وقامت بتسليم الملف الذي لم يتضمن سوى وضعه من العام 2008 وحتى العام 2010، دون أيه تفصيلات والاكتفاء بأن حالته هي إلتهابات شديدة في الأمعاء، ونظراً لتفاقم وخطورة حالة معتصم ولكثرة الأدوية التي تمَّ وصفها وتقديمها لمعتصم والتي لم تكن الدواء الفعال والناجع فقد بدأت أعرض أمراض أخرى بالظهور وقد زادت معاناة معتصم نتيجة الآثار السلبية لهذه العلاجات، وبالفعل فقد نتج عن هذه الأدوية بأن ظهر عليه أعراض أمراض أخرى منها عدم إنتظام دقات القلب، وحيث كانت ترتفع الى أعلى درجاتها وتهبط فجأة، كما وظهرت أعراض انتفاخ في جسمه،
وعندما ساءت حالته الصحية وأمام التدهور الخطير بعد رحلة طويلة مع المرض، وبعد إجراء فحوصات متقدمة جاءت متأخرة أكثر من خمسة سنوات، إعترفت مصلحة السجون بأن معتصم يعاني من سرطان متقدم في الأمعاء، حيث تقرر إعطائه العلاج الكيماوي، وبعد فترة ولعدم تجاوب جسمه للعلاج الكيماوي، الذي كان يخضع له مؤخرا، قررت إدارة عيادة سجن الرملة تحديد عملية جراحية له لاستئصال جزء من أمعائه وكان ذلك قبل نهاية عام 2011 وقد جاء تحديد موعد العملية متأخراً أيضاً حيث تقرر الموعد النهائي بعد عام كامل من إتخاذ القرار، وعلى الرغم من خطورة العملية و نسبة نجاحها الضيئلة، وافق الأسير المعتصم عليها ليضع آملاً أن يضع حدا لسنوات طويلة من المعاناة، وكانت أمله الأخير، إلا أن إدارة عيادة السجن أبلغته بتأجيلها لأجل غير مسمى وذلك قبل أقل من ساعة فقط من موعد إجرائها، وبعد أن خضع لإجراءات تحضيره الكامل للعملية.
وأمام معاناته الدائمة من الأوجاع ليل نهار والنزيف المستمر بات العلاج الكيماوي الذي ضاعفته إدارة المستشفى له مؤخراً لا يقدم ولا يؤخر، حيث لم يكن على درجة من الفاعلية من وقف إنتشار السرطان، وقد بدأت إدارة المستشفى بإعطائه الكورتزون للتخفيف من الآم المرض، هذا ويعاني اليوم أيضاً من إرتفاع مستمر لدرجة حرارة جسمه.
من جهة أخرى لم تقتصر معاناة معتصم على ما يعانيه من مرض السرطان وإضطرابات في القلب وإرتفاع لدرجة حرارة جسمه، وإنما تتضاعف معاناته عند نقله لتلقي العلاج في عيادة سجن الرملة حيث النقل من خلال البوسطة وليس من خلال سيارة نقل المرضى ( الإسعاف) أو من خلال سيارة مريحة ، فهو يخرج في ساعات الصباح الباكر ويمضي عدة ساعات في غرفة الإنتظار في عيادة سجن الرملة قبل أن تبدأ رحلة عذاب إعطائه جرعة الكيماوي. وفي المدة الأخيرة انتظر من الرابعة صباحاً وحتى الثانية عشره ظهراً حتى جاء موعد الإبرة وبعد الإنتهاء من عملية أخذ الأبرة انتظر في القفص الحديدي " البوسطة " إلى أن وصل في ساعات متأخرة إلى السجن مع العلم أنه بإمكان مصلحة السجون اعطائه الإبرة في مستشفى مئير الذي لا يبعد عن سجن هداريم سوى دقائق معدودة.
والشيء بالشيء يُذكر ففي عام 2012 قامت مصلحة السجون بنقل معتصم إلى عيادة سجن الرملة وبسبب ضيق المكان وعدم ملائمته لإقامة الأسرى المرضى وكافة الأسرى فيه يعانون أمراضاً مختلفة ومنهم على الكراسي المتحركة، وعدم وجود أسرى حولهم طالب معتصم مغادرة هذه العيادة ونقله إلى سجن قريب، ولم تستجب مصلحة السجون لذلك فاضطر إلى إعلان الإضراب عن الطعام وعندما لم ترضخ مصلحة السجون لطلبه هدد بوقف تناول الدواء، فتمَّ نقله إلى سجن هداريم، ولكن بقيت معاناة البوسطة حيث يخرج في الساعة الثانية صباحاً ويعود بعد الساعة العاشرة ليلاً، يخضع خلالها لأخذ جرعة الكيماوي المضاعفة جداً والتي تستغرق لحوالي ثمان ساعات بتعرض خلالها للإرهاق والإعياء والتعب، وعندما يعود إلى سجن هداريم يبقى طريح الفراش يعاني عذاب البوسطة التي يُنقل من خلالها إلى الرملة، فطالب بضرورة توفير سيارة إسعاف عند نقله لأخذ جرعة الكيماوي والتي تُعطى له شهرياً، فرفضت مصلحة السجون هذا الطلب فهدد بإعلان الإضراب عن الطعام، وبعد أخذ ورد وافقت مصلحة السجون على نقله بسيارة خاصة وليس سيارة إسعاف على أن يصل قبل موعد أخذ جرعة الكيماوي بدقائق وأن يعود إلى السجن مباشرة بعد الإنتهاء، وكان موعد الجرعة يوم 5/6 وذلك قبل الإفراج عني بيوم، وقد تنكرت الإدارة للاتفاق ومضى اليوم دون إحضار السيارة الخاصة وتأجلت جرعة الكيماوي، وثاني يوم 6/6 أفرج عني في تمام الساعة الثانية بعد الظهر ولم يتم إحضار السيارة، حيث تدخلت الفصائل ووعدوا قبل العصر إحضار السيارة، وخرجت من السجن بعد أن ودعت رفاق قيدي ومنهم الأسير معتصم رداد، الذي حملّنيَ وصية إلى كل أبناء الشعب الفلسطيني والمؤسسات الرسمية والشعبية بأن يضغط الجميع على هذا الاحتلال للإفراج عنه وعن كل الأسرى المرضى فأمنية معتصم الوحيدة اليوم هو أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى ويلقى الله سبحانه وتعالى وهو بين أحضان أمه وبين إخوانه، فهو لا يريد أن يصيبه ما أصاب الشهيد ميسرة أبو حمدية " أبو طارق " الذي أستشهد وهو على سرير المرض مكبلاً بالأصفاد بعيداً عن الزوجة، بعيداً عن الأبناء وبعيداً عن الأهل، فحالة الشهيد ميسرة أصبحت شبحاً يُطارد كل أسير مريض وكل الحركة الأسيرة، فهل تتحقق أمنية الأسير معتصم ؟ هذا السؤال مطروح اليوم برسم الضمير الديني، وبرسم الضمير الوطني، وبرسم الضمير الإنساني والأخلاقي، إلى كل الفصائل الفلسطينية، وإلى السلطة الفلسطينية وإلى المؤسسات المحلية والدولية ومنها مؤسسات المجتمع الإنساني.
وقبل أن نختم قصة معتصم رداد المختصرة لا بد من الإشارة إلى أنه ولإنقاذ حياته حاولت عائلة الأسير معتصم ومن خلال المحامين والمؤسسات تقديم طلب للمحكمة للإفراج عنه لظروف إنسانية حتى يتمكن للسفر الى خارج الآراضي الفلسطينية للعلاج إلا أن المحكمة رفضت هذا الطلب أيضا وأصرت على اعتقاله في ظروف غاية بالسوء .
إن حالة الأسير معتصم رداد هي من أكثر الحالات المرضية خطورة بين الأسرى المرضى في السجون وأن سلطات الاحتلال التي ترفض الإفراج عنه تتحمل المسؤولية الكاملة عن حياته، وأن حالته هي مؤشر على مدى معاناة الأسرى المرضى في سجون الاحتلال وهي تعبير مكثف عن سياسة الإهمال الطبي التي تنتهجها إدارة مصلحة السجون وأطبائها بحق الأسرى، فعليه فإن عنوان المعركة القادمة يجب أن تكون للأسرى ويجب رفض سياسة الإهمال الطبي بكل تجلياتها وتفاصيلها ويجب توحيد الجهود وتكثيف وحشد الطاقات والإمكانات من أجل إطلاق سراح الأسرى وفي مقدمتهم إطلاق سراح الأسرى المرضى.
وأمام ما تقدم فإنه لا يخفى على الجميع أهمية قضية الأسرى، فهي الجرح النازف في خاصرة الشعب الفلسطيني، والسؤال المطروح اليوم ... ماذا قدمنا لهؤلاء الأسرى .. الذين وهبونا زهرات أعمارهم من أجل كرامتنا وعزتنا ؟؟؟ فكم هو مؤسف أن تحشد الفصائل مئات الآلاف من أنصارها عندما يتعلق الأمر في ذكرى إنطلاقة هذا الفصيل أو ذاك .. أو للإحتفال بنصر وهمي .. أو إستقبال قائد هنا أو قائد هناك ... بينما لا نرى هذه الحشود ولا واحد بالمائة ولا حتى واحد بالألف في وقفات تضامنية مع الأسرى . الهذه الدرجة هانت علينا قضية الأسرى .. ألهذه الدرجة بخلنا على الأسرى المرضى بما معدله ساعة أسبوعياً ... لقد خذلنا الأسرى ... ماذا يقول الأسير الذي طحنت رحى سجون الاحتلال سنوات شبابه وزهرة عمره من أجل الوطن .. تجاوزت الثلاثة عقود كما هو حال كريم يونس ... بينما ضننا عليهم بساعة أسبوعياً .. وهو ما يعادل 48 ساعة في السنة .. وهذا يعادل فقط يومين .. وااااااااااسفاه .. ماذا يقول الأسير وهو يتابع العشرات من الاف لحضور حفلة موسيقية ... بينما لا يرى العشرات تتضامن معه ... لقد خرج إلينا الشهيد ميسرة أبو حمدية في كيس أسود ، محمولاً على الأكتاف .. كما خرج قبله الشهيد عرفات جرادات ... واليوم فإن الدور على معتصم رداد الذي حملني الأمانة بأن أنقلها لكل أبناء الشعب الفلسطيني ومؤسساته وفصائله ... يريد فقط أن يلقى الله وهو في حضن أمه وبين إخوانه وأفراد عائلته وأبناء شعبه .. معتصم لا يريد أن يكون مصيره كما كان مصير الشهيد ميسرة .. كم حزنت وقد شاركت بثلاث فعاليات من أجل معتصم رداد على المشاركة الضعيفة .. لقد خجلت من نفسي وأنا أرى الأعداد القليلة تشارك في مسيرة سلمية من أجل معتصم .. وللإسهام في تحقيق أمنية معتصم ... معتصم الذي بعث بوصيته وأعطى نفسه الشهيد الحي رقم 208 .. معتصم الذي يرسف بقيوده في سجن هداريم ينتظر عرس إستشهاده في كل لحظة .. يقدم حياته لكي يحيا الشعب من بعده أعزاء وكرماء ... وبالرغم من تقصيرنا الفاضح بحق قضية الأسرى ... وقضية معتصم فإنه وبإبتسامة الشهيد يبعث لكل أبناء وطنه السلام ويخص بالذكر والدته وأقاربه ... ويقول لنا بأن دمه فداء لنا .. ويقول لنا بمنطق وكلام الواثق والمُخلِص بأنه يحرسنا بأضلعه وجفونه ودعائه ... وهو ينتظرنا على باب سجن هداريم لكي ينقل نعشه إلى أقرب معبر لنحمله إلأى مثواه الأخير ... ويُذكرنا معتصم بأننا أهله وناسه .. ويوصينا أن ندفنه في مقابر الشهداء .. وإن أمكن أن نصلي عليه في باحات المسجد الأقصى .. والملتقى عند عزيز مقتدر ... ويوقع معتصم وصيته .. إبنكم الشهيد الحي الأسير المريض معتصم رداد ... سجن هداريم
لله درك يا معتصم .. ما أعظمك .. وأنت تُعلمنا دروس التضحية والفداء ... دروس التسامح والعطاء .. دروس حب الوطن والإنتماء .. وستبقى حياً فينا يا معتصم.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية