بكل ألم وحزن نتسلم رفات جاثمين شهدائنا الأبرار أصحاب الذكرى العطرة والسيرة الخالدة والصورة المشرفة والشهادة في سبيل الله فداء لفلسطين وشعبنا وقدسنا وقضيتنا العادلة، الذين ودعونا مجاهدين فدائيين أبطال ورجعوا إلينا شهداء أبطال ونحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدا، ونسأله أن يتغمدهم برحمته وان يجمعنا بهم في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
سلطات الاحتلال الإسرائيلي كعادتها تشعرنا بأنها الدولة ذات المصداقية وتتعامل معنا بحسن النوايا وكأنها صاحبة حق وليس مدانة على ما قامت به في السابق ولازالت لم تقصر في ارتكاب الجرائم بحق الشعب الفلسطيني. فقتلت من قتلت ولم ترحم أحدا من الأطفال والشباب والنساء وكبار السن، واحتجزت جثثهم فيما يسمى "بمقابر الأرقام"، حتى الشهداء تعمل سلطات الاحتلال على احتجازهم عندها إلى سنين بل عقود طويلة، التي هي أشبة ما يمكن وصفها بمعتقلاتها التي تأسر فيها أسرانا، فهذا التشبيه هو الذي ينطبق بالفعل على حالة احتجاز دولة الاحتلال لرفات الشهداء، التي تتعمد بجعل كل ما يتعلق بنا هو عبارة عن سجن، سجن معد للشهداء، وسجن معد للأسرى وسجن محكم على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع.
بل إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تشن علينا حروبا بأشكال مختلفة، فحروبها العسكرية والسياسية والاقتصادية باتت معروفة لدينا وتعودنا عليها، لأنها تمارسها ضدنا جهارا نهارا، لكن الشيء الذي لم نتعود عليه هو حربها النفسية، التي تعتبر اشد من حروبها الأخرى سابقة الذكر، حين تحتجز جاثمين شهدائنا لعقود وسنوات طويلة، وبدون معاد وإنذار مسبق تفاجئنا بأسماء الشهداء حسب رقمه المسجل على قبره، لتسلمنا رفاتهم ومنهم من كان مجهول الهوية ولا يعرف احد عن مصيره ولم تفيد سلطات الاحتلال أهله باستشهاده وان رفات حثته محتجزة لديها أو مدفون في "مقابر الأرقام". وفي هذه الحالة تكون سلطات الاحتلال قد قتلت الشهيد وأهله وذويه مرات عديدة على مدار سنوات الاحتجاز، كما هي قصة اختفاء الشهيد عبد الناصر البوز (مؤسس الفهد الأسود) لأكثر من 23 عاما. أو قصة احتجاز جزء من جثمان الشهيدة ريم صالح الرياشي التي فجرت نفسها على حاجز بيت حانون (ايرز) في يناير 2004 وقتلت أربعة جنود إسرائيليين، وتم تسليم أهلها بعد العملية 2 كم من لحمها وشعرها، والآن يسلمون أهلها الجزء الآخر المحتجز من رفات جثتها. أو كي تجعل من حجز الرفات عبرة لنا بان هذا هو حال ومصير كل من يحاول القيام بعمليات استشهادية ضد الإسرائيليين، لكن كما قالت أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنهما)، "فلا يضر الشاه سلخها بعد ذبحها".
لكن السؤال الذي أصبحت إجابته واضحة وضوح الشمس وضح النهار هو: ماذا تستفيد سلطات الاحتلال الإسرائيلي من احتجاز جاثمين الشهداء الفلسطينيين؟ لعلنا نذكر قبل سنتين الضجة الإعلامية التي أثارها الصحفي السويدي باستروم ليزيح، حين كشف اللثام عن حقيقة سرقة سلطات الاحتلال الإسرائيلي أعضاء الشهداء الفلسطينيين من أجسادهم، وتأكيدا على ذلك أهالي الشهداء الذين اكتشفوا آثار عبث بجثث أبنائهم الشهداء بعد استلامهما من قبل سلطات الاحتلال. وهذا يؤكد ما تم تسريبه للإعلام الإسرائيلي لتصريحات عن كل من مدير معهد الطب العدلي ومدير معهد "أبو كبير"، بان كل جثة وصلت إلى المعهد كانت تنتزع من ظهر صاحبها. بدون موافقة مسبقة من عائلة المتوفى، حيث تم انتزاع رقعا جلدية من جث فلسطينيين لصالح جنود الاحتلال الذين تعرضوا لإصابات أو حروق، إضافة إلى نزع قرنيات من عيون الجثث وأعضاء داخلية.
هذه هي أخلاقيات دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تدعي حسن النوايا، بل هي سوء النوايا، للمقايضة والمناورة من جديد للعبة السياسية القادمة التي سيكون المفاوض الفلسطيني أداتها للنزول عن الشجرة والحجل على المصالحة لإفشالها كما فشلت مرات عديدة، وإشغالنا بقضية الحصول حتى على باقي رفات الشهداء المحتجزين في "مقابر الأرقام" الذين يقدر عددهم 317 جثة، من خلال المقايضة وتقديم التنازلات السياسية تحت شعار المفاوضات السلمية التي لم نحصد منها إلا خيبات الأمل ولا نحصل على أي من قضايانا، وإلا لماذا الآن بالذات أعلنت دولة الاحتلال عن حسن نواياها بتسليم رفات جثث الشهداء؟! لذا لابد أن نكون أكثر يقظة بعدم تحويل قضية أسرانا والإصرار على تنفيذ مطالبهم العادلة حسب ما تم الاتفاق عليه مع الاحتلال الذي اخذ باختراق الاتفاقية ولم يلتزم بتنفيذ بنودها، وهذا الشيء يجري في دمه، إلى قضية جديدة اسمها الرفات، لابتزاز ما يمكن ابتزازه.
نحن لا نقلل من أهمية عودة جاثمين ورفات الشهداء إلى أهلهم وذويهم ليدفنوا بجوارهم، بل نحن مع إرجاء أي ذرة رمل من تراب فلسطين، لكن المهم في الأمر الأحياء الباقون السائرون على درب الشهداء. وهنا لابد من أن لا نهمل حقنا وحق شهدائنا الذين تركوه في أعناقنا نحن الأحياء، ببذل الجهود على المستوى الرسمي وغير الرسمي لمقايضة سلطات الاحتلال الإسرائيلي في كل المحافل الدولية ومنظمات حقوق الإنسان على احتجازها لجاثمين شهدائنا، وكشف حقيقة ما تقوم به سلطات الاحتلال وجمع الأدلة الدامغة التي تؤكد على قيامها بسرقة أعضاء من جثث شهدائنا ونقلها إلى مرضى يهود، أو بيعها في الخارج، وفضح هذه الدولة المارقة على القانون الدولي التي تفعل ما تشاء دون محاسب أو مراقب.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية