مُقَدِّمَاتْ في انْبِعاثِ المُجتَمَعِ المُغَيّبْ (1) ... بقلم : محمد حسن يوسف

الأربعاء 11 فبراير 2015

مُقَدِّمَاتْ في انْبِعاثِ المُجتَمَعِ المُغَيّبْ (1)


محمد حسن يوسف


تشكل الاندفاعات المرتبطة بوعي عمق التاريخ مقدمات مهمة لفهم مجريات حاضر مأزوم، فكلما أُدرك جوهر التاريخ بعمق تفاعلاته الاجتماعية أَدرك القائمون على الحاضر مغزى الحراكات الاجتماعية التي تقود الى التغيير. لطالما احتوى دفتر التاريخ تفاعلات اجتماعية يقودها الفاعلين الاجتماعيين من تنظيمات ومؤسسات ومجموعات وافراد بما يدخرون لديهم من قوة طبيعية تنتج عن ما يزنون من ثقل حقيقي داخل مجتمع ما. قد يأخذ هذا التفاعل شكله من معارضة لواحدة من خطوات الحكومة السياسية الى شكل اخر يعبر عنه بحراك اجتماعي راديكالي قد يتطور الى تغيير جذري لبنية النظام السياسي.

واذا ما سُلِّط الضوء على ماهية اجتماع الانسان بحدوده ورسومه، برز دور العقل ومن قبله الوحي مُدرِكا ومُفسِرا ومُعالِجا وناهضا، وانطلقت لمعاتُهُ الفاظا على ألسُن اساتذة التاريخ. فاذا كان الشعب يصبو الى النصر والخلاص، فعليه ان يجعل من العقل شمسا تُذيبُ ما تبقى من الجليد، كما ان عليه صَرْفَ التّردد والذهاب لاستخلاص كل ما يبدو مفيدا من بين الاسطر التي خطها الفلاسفة والمفكرين وأصحاب التجارب الحية. في هذا السياق، أن نُدير أظهرنا لما يطرحه مفكري الاجتماع الانساني، فان ذلك يجعلنا نقف امام طرح سؤال الجدية في طريق البحث عن المنشود !

يذهب المفكر الفرنسي ميشيل فوكوا للقول أن القوة اجتماعيا لا تتركز في مؤسسة اجتماعية واحدة كمؤسسة الدولة، أو لا يمكن ان تُحصر في مجموعة من الافراد قد يمكن التعبير عنها باسم نقابة مهنية كنقابة المحاميين أو تنظيم سياسي كالاحزاب السياسية اوحركات التحرر وغيرها. القوة عند فوكو تتوزع في كل مستويات التفاعل الاجتماعي، وفي كل المؤسسات الاجتماعية وبواسطة كافة الأفراد. ذلك ما يجعلنا نعتقد أن القوةَ امر قائمٌ وموجود في كل العلاقات الاجتماعية وتفاعلاتها بدلا من ان تكون مُحتكرة او مُمارسة فقط من قِبَل المؤسسات والجماعات السائدة داخل المجتمع، هذا ما يتركنا امام تناقض كبير وجوهري اذا ما اردنا المقاربة بين تلك النظرية وواقع توزيع القوة بشكلها الطبيعي عند التفاعل بين المؤسسات الاجتماعية المختلفة داخل المجتمع الفلسطيني.

من المنطقي جدا ان لا يأخذ توزيع القوة في المجتمع الفلسطيني منحىً شاذا، الا اذا كانت قد تغلغلت فيه بعض العناصر الشاذة وعملت في القضية عمل المعول، وسرقتها من مسارها الطبيعي، ثم جعلت من مستقبلها موضع حدس. يظهر توزيع القوة بحالته الطبيعية عندما تأخذ كل شريحة كانت مهنية او سياسية ثقلها الاجتماعي الحقيقي كمصدر قوة، ثم تقوم باستغلالها لتجعل من نفسها لاعبا سياسيا فعالا وشريكا حقيقيا في عملية اتخاذ القرار وتحديد السياسات المختلفة بمضمون لا يتناقض ابدا مع مبادئ وتطلعات شعب محتل، يرمي الى التخلص من الاحتلال ومشتقاته. ان تَحمِل المؤسسات الاجتماعية في فلسطين وظيفة ذات بعد اجتماعي تحرري، فان ذلك يعطيها دورا متميزا عن دور تلك المؤسسات القائمة في المجتمعات التي تعتبر نفسها مجتمعات ديمقراطية، مع اخذ “الحاجات الملحة” للمجتمع الفلسطيني بعين الاعتبار، بعيدا عن املائات وتوجهات النمطية الخاصة للمجتمع المدني في دول “الشمال”.

اذا ما صَرَفَ الملاحظون انظارهم نحو اصحاب “السلطة” منغمسين في تنفيذ خطوات سياسية مرتبطة بمصير الشعب الفلسطيني كاعلان “الدولة فلسطينية” أو اللجوء لمجلس الامن وغيره من المحافل الدولية أو حتى كما حصل في اعلان المباديء، فانه يَتَبادر لاذهانهم شكلا من اشكال القوة التقليدية تسيطر على المشهد الاجتماعي الفلسطيني حيث تَحتَكِر القوةَ فيه مؤسسة او عدد محدود من المؤسسات الاجتماعية السائدة من جهة، أو يتبادر لأذهان غير المطلعين وكأن القوى الاجتماعية الفلسطينية تعيش حالة اجماع غير مسبوقة وداعمة لهذه السياسات من جهة اخرى.

يبدو واضحا ان المؤسسات الاجتماعية الفلسطينية التي يُفترضْ ان تكون بمثابة دينامو في مسيرة التحرر بما فيها النقابات المهنية والمؤسسات الاهلية والحركات الطلابية تعيش حالة من التخدير والكمون في القوة تحول بينها وبين ان تكون فاعلا وشريكا حقيقيا في تكوين السياسة الفلسطينية. وهناك أمثلة وشواهد كثيرة يمكن الاستدلال عليها لوعي وادراك حالة الضعف الماثلة، والتي تجعل من الحريصين على ابراز كافة عناصر القوة في مشهد مسيرة التحرر جارِّين اذيال الخيبة.

من هنا ومن منظار الضرورة الملحة يأتي الدور الوظيفي للقوى المعترضة على حالة الترهل والعبث القائمة بغض النظر عن ميولها الفكرية والسياسية أن تُبرزَ نموذجا اخرا على نقيض ما هو قائم، يَظهر فيه مزيجا غير مسبوق من خَدَمَة الوطن المختلفين بانتمائاتهم الايديولوجية (لكنهم يقفون كصف واحد امام عتاة الفساد والضياع) حيث سيشكلون نبراسا لحراك اجتماعي واع. كما أن اجتماع هؤلاء “المتنافرون ايديولوجيا” على حاضنة اجتماعية مشتركة تُشكِّل في أغلب الظن خشبة خلاص “ما” لمجتمع بات يعيش حالة الارباك مرغما.

كما ان مُحدِّدَات مثل هذا الاتفاق سيعود بمنفعة كبرى وفق ما بشرنا به التاريخ السابق لتجارب شعوب مختلفة… وسيكون مبعث تفاؤل للحالة الجماهيرية التي تصبو لشراكة فعالة بين اطراف الفِعْل المكافح للمحتلين واهل الفساد. من هنا يمكن الحديث عن كتلة تاريخية مانعة أو صادة لكل ما يُعَثِّر فعل وادوات التحرير بما فيها الموسسسات الاجتماعية. ان المفاضلة تكمن في اسقاط بواعث الحزبية الضيقة والانانية المفرطة للذات التنظيمية حتى وان اعترض البعض على ذلك. فلا حرية ولا تحرر ولا مجتمع حضاري انساني دون التقاء “ادوات” الفعل التحرري والنقيضة لكل ابعاد الهزيمة.

ان ما يُعتبر حتميا على هذه القوى أن تقوم باحياء الدور الوطني غير الديكوري للمؤسسات الاجتماعية الفلسطينية، وأن تصعد بقوتها من حالة الكمون والجمود الى وضعية الفعل، بحيث تغدو بمثابة محل حسبان حقيقي لاصاحب السلطة. من ناحية اخرى، ما يبدو واجبا هو القيام بتعزيز دور الفاعلين الاجتماعيين ـ كانوا مؤسسات او افراد ـ والنشطاء السياسيين والمثقفين المناهضين لنفس الانزلاق السياسي وخاصة المستقلين منهم وذلك عبر تشكيل حاضنة اجتماعية وسياسية واقتصادية تشد من ازر بعضها البعض على خطى نموذج مُناط به لاسقاط نهج التفريط بالارض والهوية والقضية.
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية