ملاحظات حول الأحداث المؤسفة في رفح
بقلم: ابراهيم المدهون
ما حدث في رفح مؤسف ومؤلم وقاسي على النفس الفلسطينية عامة، وعلى أهالي قطاع غزة خاصة، ولذلك فأي محاولة للتجارة بهذه الدماء من قِبل إعلام حركة فتح هي تجارة خاسرة، وعمل سيء لن يضر بالاستقرار في قطاع غزة، وإنما بمن يروج الإشاعات وينفخ في الرماد لإشعال النار التي إن اشتعلت -لا سمح الله- فإنها لن تأكل حركة حماس وحدها، ولكن ستأكل فلسطين وقضيتها، وستحرفها عن مسارها، وستدخل المجتمع الفلسطيني في دوامة الموت والفوضى والدم والنهب والضياع، ولن يخرج منها أحد منا أبد الآبدين .
لهذا فمن المعيب على حركة فتح وناطقيها وإعلامها أن يستغلوا دماء الفلسطينيين في رفح من أجل مكاسب سياسية واهية، وعيب أن توظف مآسي الناس وسذاجة البعض لخدمة أجندة سياسة خاصة، فالمطلوب من الجميع اليوم أن يقف موقفاً حاسماً وحازماً وشاملاً مع أي تخريب قد يلحق في المجتمع الفلسطيني.
ولا ننسى أن السيد محمود عباس أول من أخطأ وروَّج لتشجيع الفكر التكفيري في قطاع غزة، واتهم غزة أنها تحوي تكفيريين في محاولة لتأليب المجتمع الدولي ضد أهل القطاع، متناسياً أن غزة جزء من فلسطين، وأن سكان غزة هم أول من يدفع ثمن تأليبه العالمي على مجتمع محاصر فقير، ولن نطرح هنا شبهة من كان خلف عبد اللطيف موسى، ومن شجعه ودعمه ويسَّر له الحصول على السلاح، وفتح له النوافذ الإعلامية وروج لخُطبته الأخيرة، وحشد له المصلين، وذلل فضائيته لنقل كلامه، إلا أننا نتمنى أن يعي الجميع إلى أن الخلط في هذه المسألة خطير جداً على الجميع.
ملاحظة أخيرة لقيادة حركة فتح: عليكم أن تتعاملوا بمسؤولية أولاً وأخيراً فهذه أرواح ناس، واستمرار فتح في استخدام النعرات الطائفية والتكفيرية لن يجلب لهم التشفي بحماس، خصوصاً وأنهم في رأس قائمة "الذبح"، فهذا الفكر التكفيري لا يستثني أحداً، وهم قاصرون بعكس الحكومة في غزة القادرة على علاج جميع الأمراض الفكرية وتفرعاتها، وسكوتها الأولي على هذه الظاهرة ليس قلة حيلة وإنما محاولة لنهاية سليمة وسلمية وتجنباً لسفك الدماء.
وقد عودتنا حماس أنها تتحمل المسؤولية بكل أمانة وصدق، وأنها تدفع الثمن ولو كان قاسياً جداً مع كل معالجة لأحد الانحرافات الوطنية والعائلية والفوضوية والفكرية، ومع ذلك فهم لا يترددوا في إنهاء كل هذه الآفات بكل الوسائل الممكنة، لكي لا يتركوا الأمر للتفشي والتكاثر والانتشار، فما يدفعه الشعب الفلسطيني اليوم من دماء وأرواح لا يتساوى مع حجم الموت والقتل والدمار في حال انتشرت الفوضى وعم القتل وعربدت العائلات، وانتفشت فرق الموت، وكثرت عمليات التفجير في الأعراس والمقاهي والأفراح.
لن ينصلح حال هذا المجتمع إلا بمواجهة مشاكله وتشخيص الخلل، ومعالجة موضع ومركز الألم والمرض، ونقدِّر الثمن الذي دفعته ولا زالت تدفعه حماس من خيرة شبابها رجالها وقادتها الميدانيين المدنيين والعسكريين، إلا أن النتيجة المنتظرة ستكون لصالح المشروع الوطني والإسلامي في فلسطين بإذن الله، فلا يعقل أن تترك الأيادي العابثة لتخرق السفينة وتغرق أهلها. كما أنه لا يمكن أن يترك الحبل على الغارب، فهذا يعلن إمارة، وذاك يكفر المجتمع، وثالث يفجر الأعراس، ورابع يكفر الحكومة والمجتمع!
على الجميع أن يدرك أن في غزة نواة مشروع وطني وإسلامي حقيقي ومستقل، يقوم على العمل إلى تحقيق هدف أساس وهو تحرير الأرض والإنسان في فلسطين، وهناك حكومة شرعية لا يمكن تجاوزها، وهناك مرجعية إسلامية لا يمكن تكفيرها بسذاجة، ومن يفعل ذلك عليه أن يتحمل المسؤولية الكبيرة.
كما أننا نعلم أن المواقف والأحداث الصعبة تحتاج إلى قرارات صعبة وإلى قادة حقيقيين لا تأخذهم في الله لومة لائم، طريقهم واضح وتاريخهم ناصع وأهدافهم خيرة، وما تتمتع به حكومة حماس من التفاف جماهيري وشعبي ووطني وإسلامي أكبر بكثير من أن يجعلها تتردد في أي قرار ترى فيه مصلحة عليا للقضية والمشروع.
وأخيراً أوجِّه كلمتي لرئيس الوزراء إسماعيل هنية، وأنا أعلم مدى همُّه وغمُّه وضيقه بسبب كل قطرة دم تخرج من أي مسلم، وأستشعر أي هم أصابه وأي حزن ألمه مع هذه الأحداث المأساوية، وأعلم كم بذل من الجهد والوقت ليمنع أن تراق قطرة دم واحدة، إلا أن ما حدث بالأمس هو إنذارٌ كبيرٌ يوضح أن هؤلاء يا أخ أبو العبد لا يريدون للإسلام والمسلمين الخير، والتهاون معهم يعظم من حجم الكارثة وينذر بمواقف أشد وأنكى فهم لا يرقبون فينا إلاً ولا ذمة، ولن يهدأ لهم بالٌ، ولن يستقر لهم قرار، ولن يؤمن شرهم حتى يؤخذ على أيديهم ويمنعوا من خرق السفينة فينجوا وننجو جميعاً، وإلا فسيغرقوا ويغرقونا جميعاً معهم!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية