منطق الأزمة المالية في الضفة الغربية
عماد صلاح الدين
خطورة مشروع التسوية القائم على قرار دولي متمثل باتفاقات اوسلو عام 1993 وما تلاه من اتفاقات هو انه يدخل الفلسطينيين في متاهة التفاصيل وتفاصيل التفاصيل حتى ربما دون نهاية محددة؛ فهو أي مشروع التسوية بدأ في الحديث عن تقسيمات عديدة للقضية الفلسطينية ضمن عنواين رئيسية عن اللاجئين والحدود والمياه والقدس والدولة وما الى ذلك، ثم ادخلنا في متاهات العناوين ذاتها مرة عن ماهية العودة وطبيعتها وحدودها ومن هم اللاجئون والنازحون وغير ذلك من تقسيمات في العناوين وحتى في الفروع والابواب ومتعلقات تتعلق باجراءات تفصيلية لا تذكر.
وهكذا دخلنا في دوامة التفاوض من اجل التفاوض حتى امتدت لاكثر من تسعة عشر عاما دون طائل؛ وقد تبين منذ اكثر من اثني عشر عاما تحديدا منذ اتفاقيات كامب ديفيد الثانية سنة 2000 ان الغرض من هذا التفاوض هو تثبيت ومن ثم تهويد ما تبقى من الضفة الغربية والقدس.
كان الرئيس الراحل ياسر عرفات يدرك انه لا اقتصاد - ولو متواضع للفلسطينيين- في ظل اتفاقات اوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي لسنة 1994، وكان الرجل يعول على ما تنتهي اليه المرحلة الانتقالية من سنة 1993-1999 من اقامة الدولة الموعودة، وبهذا كان يعتبر اوسلو كلها مرحلة انتقالية.
اما وان المفاوضات قد تبين حقيقتها في عام 2000، وحقيقة نوايا الاحتلال، فمسالة المآلات ستكون واضحة في سياقين اما الاستمرار في اوسلو – وهذا الذي حدث- وسينتج عن ذلك الازمة السياسية للكل الفلسطيني كما حدث في الانقسام بين فتح وحماس، واما العودة لطبيعة الامور في سياق العلاقة المعروفة بين احتلال وشعب واقع تحت الاحتلال الخيار الاساس فيه هو المواجهة بكل السبل بما فيها خيار الكفاح المسلح.
من المعروف في بديهيات الاقتصاد ان الذي يقرر في السياسة يقرر تبعا لذلك في الاقتصاد والمال.
المشكلة في الساحة الفلسطينية الرسمية انه لا يوجد قرار سياسي مستقل وانما يجري تنفيذ سياسيات مرسومة سلفا سواء في السياسة والامن او في الاقتصاد والاجتماع السياسي.
الاوضاع الاقتصادية في فلسطين مخطط لها بحيث تكون متناغمة جدا مع ثقافة نبذ العنف والارهاب(المقاومة) وبالتالي لابد من تحويل معظم قطاعات الشعب الفلسطيني الى قطعان مستهلكة وبافراط للاحتياجات الاساسية وغير الاساسية ضمن سوق استهلاكية مفتوحة تحديدا لاسرائيل وتاليا للبضائع التي تأتي من الصين وغيرها طبعا دون ان يكون هناك أي انتاج حقيقي على مستوى الانتاجيات الصغيرة التي تم تدميرها وانهاؤها في نابلس والخليل وبيت لحم.
مطلوب وفقا للسياسات الدولية المهيمنة على القضية الفلسطينية ان ينفق الفلسطينيون اكثر مما يدخرون، ولذلك انتشرت في السنوات الاخيرة القروض الربوية البنكية وغير البنكية التي تفتح الباب على مصراعيه امام موظفي القطاع العام بما فيهم اصحاب الدخول المتوسطة والمتدنية للحصول على هذه القروض التي يكون تسديدها على عشرات السنين وبفوائد ربوية عالية جدا.
وبالمناسبة هناك مشاريع قوانين توضع لاجل هذه الغاية المتمثلة باحكام القبضة على المدينين وتوفير مزيد من الضمانات للدائنين( اصحاب البنوك والمؤسسات الربوية) حتى بامكانية وضع اليد ومصادرة الالات والعدد التي يتم شراؤها باموال تللك القروض.
وبالتالي مطلوب جدا من الفلسطيني الجديد ان يبقى طوال الوقت شغله الشاغل التفكير في تسديد القروض والاقساط التي لا تنتهي خصوصا بعد ما تم تدجين الناس على ثقافة الاستهلاك غير الطبيعي وغير المتناسب اساسا مع واقع شعب يرزح تحت الاحتلال منذ اكثر من ستة عقود.
اذا، يمكن القول للذين يقولون بان سبب الازمة هي سياسة الدكتور سلام فياض او الرئيس محمود عباس، نقول لهؤلاء لا الدكتور فياض ولا الرئيس عباس لديهم سياسات مالية واقتصادية، انما هما ينفذان سياسات دولية مفروضة تتناسب جدا مع خيار التفاوض الذي يقود الى مزيد من الاستيطان والانقسام على الساحة الفلسطينية.
ربما تفاقمت الازمة المالية وخرجت عن السيطرة كثيرا بسبب ان بعض الاضافات في السياسة المالية التي اتبعتها الحكومة الحالية في الضفة الغربية تقوم على دعم القطاع الخاص واعفائه من الضرائب وهم طبعا من الاثرياء في مقابل فرض الضرائب على الشرائح الضعيفة والفقيرة في المجتمع الفلسطيني تحت عنوان تحقيق الاعتماد على الذات بطريقة غريبة تتنافى مع فكرة الاقتصاد المقاوم الذي يقوم على توفير ودعم بعض القطاعات التشغيلية الانتاجية المتوسطة الحجم التي تحقق فعلا نوعا من الاكتفاء او الاعتماد على الذات الوطنية المناضلة في غير سياق.
الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية بحاجة الى حل سياسي قبل ان يكون حلا اقتصاديا او ماليا؛ فهو بحاجة الى ترتيب البيت الفلسطيني من خلال وحدة القرار السياسي الفلسطيني القائم على انهاء الانقسام واعادة العلاقة الى طبيعتها مع الاحتلال، ومن ثم ترتيب الاوضاع المالية والمعيشية للشعب الفلسطيني ضمن ثقافة وواقع شعب محتل يريد التحرر والاستقلال كبقية الشعوب الحرة
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية