منظمة التحرير على خطى حركة فتح!
بقلم: عماد صلاح الدين
كما أنه من الصعب إصلاح حركة فتح ، وهو ما تأكد في مؤتمرها السادس الذي عقد بمدينة بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة، والذي أدى في نهاية المطاف إلى إفراز تشكيلة قيادية متساوقة ومتواطئة مع خيار التسليم المطلق لنهج المفاوضات مع (إسرائيل)، على اعتباره بالنسبة للرئيس الفلسطيني محمود عباس خيارا استراتيجيا بل وتاريخيا ، في إضافة نوعية منذ لقاء أنابوليس، وربما قبله.
فإنني أرى أيضا أن الرؤية التقييمية السياسية لمنظمة التحرير في حاضرها ومستقبلها ، لا تختلف عن حالة التقييم بالنسبة لحركة فتح ، فالذين يسيطرون على فتح هم أنفسهم الذين يسيطرون على منظمة التحرير الفلسطينية ، والعكس صحيح بكل تأكيد .
وإذا نجح الرئيس محمود عباس ضمن تأثيرات إقليمية ودولية لصالحه ، إضافة إلى فاعلية تأثير المال السياسي ، وأوضاع حركة فتح المتردية ، بعقد مؤتمرها السادس في بيت لحم تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي ، ليخرج المؤتمر تماما كما يشتهيه الرئيس عباس ومن معه من حلفاء السياسة والأمن والمال، بنتيجة مسيطرة لمجاميع حمائم الدبلوماسية التفاوضية الفلسطينية ، الصقرية المتناقضة أساساً مع الحراك المقاوم ومع حركة المقاومة الإسلامية حماس القائمة فعليا في قطاع غزة ، ومع كل من المجلس الثوري لحركة فتح واللجنة المركزية الهيئة القيادية العليا لحركة فتح .
وإذا كان كل هذا قد جرى مع حركة فتح ، التي ربما فيها رغم التشتيت والتفتيت، حالة من الحراك الفيزيائي المقطع الأوصال هنا وهناك في أطر فتح المعروفة ، وقد جاء المآل متوافقا مع التوافقية التاريخية الإيجابية أو السلبية ، لطبيعة الضابط الفلسفي والروحي للحراك الإنساني ، خصوصا ما يتعلق ببدهية مجرى المعاملة بين شعب واقع تحت الاحتلال والقوة المحتلة .
وبالفعل لأن حركة فتح قد كان مسارها التحريكي لواقع الديناميكية فيها ، خصوصا الجانب الكفاحي العسكري فيه ، متذبذبا أحيانا ومتراجعا خطوات في أحايين كثيرة ، منذ قبول فكرة الدولة العلمانية الديمقراطية والتحول إلى الدولة الفلسطينية المستقلة ، وما قبلهما وما بينهما من أفكار أخرى ، فإن مسيرتها بالحتمية الفارضة طبيعيا وتاريخيا ، كان لابد أن تتجه من سيئ إلى أسوأ على مستوى تماسك الحركة ، وعلى مستوى نهجها السياسي .
وعلى مستوى البرنامج السياسي ، فالملاحظة والمفارقة قائمتان مثلا بين منهج الرئيس الراحل ياسر عرفات و منهج الرئيس محمود عباس ، رغم أن المفاوضات الدبلوماسية مع (إسرائيل) ضمن المعطيات الفلسطينية والإقليمية والعربية والدولية ومتغيراتها الحثيثة ، هي مسار هابط في الرؤية السياسية بالنظر إلى طبيعة (إسرائيل) وأهدافها، وما يجري على أرض الواقع على وجه ملموس .
وبالتالي كانت السيطرة للفريق الذي تحدّر أكثر وأكثر في مسيرة تقديم التنازلات المتتالية لـ(إسرائيل) من الاعتراف بشرعيتها كدولة إلى الاعتراف بشرعيتها كديانة ( الدولة اليهودية) ومن تجريم المقاومة إلى اعتبار فصائلها وجماعاتها مليشيات غير شرعية وخارجة عن نطاق القانون بموجب مراسيم رئاسية .
وعلى هذا فإن منظمة التحرير الفلسطينية ستكون شكليا وممارسيا على خطى حركة فتح ، حيث سيتم تعيين قيادات فتحاوية وغير فتحاوية ممالئة لمنهج الرئيس عباس وتصوره السياسي ،وسيكون إضفاء الشكلية الديمقراطية حاضرة من خلال مباركة المجلس الوطني التزكوية لمنظمة التحرير الفلسطينية .
الرئيس عباس عطل الإجراءات التحضيرية والديمقراطية التي اتخذتها اللجنة التحضيرية للمؤتمر في العاصمة الأردنية عمان في تموز الفائت، المنبثقة أساسا عن اللجنة المركزية باعتبارها( الهيئة التحضيرية للمؤتمر) الهيئة الوسيطة بين المجلس الثوري و المجلس المركزي ، من خلال إلغاء اللجنة وما قامت به ، وإيكال الأمر إلى لجنة شكلها أعضاء المجلس الثوري الموجودون في الضفة الغربية ، كل ذلك لعقد مؤتمر حركة فتح السادس في بيت لحم ، لتكون نتائجه متوافقة سلفا مع ما يريده الخط التفاوضي والأمني مع (إسرائيل)، وهو ما جرى بالفعل بعقد المؤتمر وما أسفر عنه من نتائج .
وهو الأمر الذي سيكون مع طريقة تعيين أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ، بدلا من الذين شغرت مواقعهم بحكم الوفاة والاستقالة ، علما بأن المجلس الوطني فاقد للصلاحية والأهلية القانونية والديمقراطية بموجب النظام الداخلي الحاكم للمنظمة ، لأنه لم تجر له انتخابات وعملية تجديد منذ أكثر من عشرين عاما ، ولم تعقد له إلا جلستان في عامي 1989 ، 1996 ، لأسباب صارت معروفة للجميع ، إضافة إلى حالة التضخم في عدد أعضائه الذين يقربون من الـ 700 عضو، وهو ما يقرب من عدد أعضاء الدوما في الاتحاد السوفييتي سابقا قبل انهياره وانحلاله، وبالتالي لا يحق للمجلس الوطني ، والحالة هذه، أن يقوم بأي عمل ديمقراطي أو انتخابي تمثيلي ، كأمر دعوته في 26- 8- 2009 ، من قبل الرئيس محمود عباس، لانتخاب لجنة تنفيذية لمنظمة التحرير .
ولنكن صريحين أكثر، إن إصلاح منظمة التحرير وإعادة بنائها وهيكلتها على أسس ديمقراطية، هو أمر يقترب من الوهم و الخيال، رغم الحديث المتكرر عن اتفاق القاهر عام 2005 وغيره من التوافقات الفصائلية في هذا الشأن ، تماما كما هو الحال مع حركة فتح ، فكلاهما وصلا إلى مرحلة من الانحدار قيادة ومؤسسات وأطرا ، بحيث لا يمكن الالتقاء معهما في رؤية سياسية ، والتجربة شاهدة على ذلك( اتفاق وثيقة الوفاق الوطني أو وثيقة الأسرى حزيران 2006، واتفاق مكة شباط 2007) ، والدخول لا يكون ممكنا في منظمة التحرير في ظل أطر وهياكل ولجان تم تدميرها والقضاء على روحها وفاعليتها ، إضافة إلى السيطرة عليها من قيادات لها خط غريب عن خيار الشعب الفلسطيني الحقيقي.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية