د.م. أسامة العيسوي
25يناير سيبقى راسخاً في أذهان الجميع، فقد أصبح تاريخاً فارقاً في حياة الأمة العربية، حيث بدأت معه الصحوة، صحوة الشعب المصري المظلوم والمقهور، بدأت معه رياح التغيير والانفجار، انفجار البركان. بدأت معه ثورة الشبان لتقطف ثمارها بعد ثمانية عشر يوماً من التضحيات والنضال والصمود، وليعلنوا بعدها أنهم جاهزون لبناء الوطن، الوطن الذي يحلمون أن يعيشوا به بحرية وكرامة، وهل هناك أغلى من الكرامة. الكرامة التي ادعى البعض هنا في غزة أنهم سيثورون من أجلها، ونسوا أو تناسوا أن غزة تعيش بعزة وكرامة، نسوا أو تناسوا أن رياح التغيير بدأت من غزة.
فغزة كانت البداية وهي كانت القدوة في الثورة على الظلم و الطغيان بكافة أشكاله.
كانت البداية في 14/6 /2007 عندما كان الحسم أو الانقلاب، سميه كما تشاء لن نختلف على العنوان، فالمضمون هو الأساس، فإن شئت فهو حسم عسكري على أجهزة أمنية باعت وطنها ومبادئها وقيمها، وحاربت شعبها ومجتمعها وقضيته، ونهبت أمواله فكان الحسم المبارك. وهو إن شئت انقلاب على الظلم وعلى الجلاد، وعلى النظام الفاسد الذي استباح كل شئ، واستهان بالبلاد والعباد، ونصب نفسه طاغية يرهب العباد فكان الانقلاب المحمود. وإن كنت أحبذ تسميته بالتصحيح الأمني أو التغيير المجتمعي. فكان 14/6 بداية التغيير، وخصوصاً إذا ما عرفنا أن التغيير هو الانتقال والتحول من واقع غير مرغوب به إلى واقع منشود أو مرغوب به. وهذا ما حدث في غزة، حيث انتهت حالة الفلتان الأمني التي عانى منها الجميع، وانتهت حالة الترهل الإداري الذي طال كل المرافق والمؤسسات، وانتهى واقع المحسوبية والواسطة والظلم والفساد، ليحل محله واقع جديد يحمل بصدق معنى الحرية والإصلاح والتغيير.
لقد ثارت غزة من أجل الكرامة والأمن والأمان والحرية، ولإيقاف الظلم بكافة أشكاله، لقد بدأت غزة برسم خارطة طريق جديدة في المجتمعات العربية، وبتحديد معالم الحياة الشريفة والكريمة التي تتناسب مع الإنسان العربي المسلم التواق للحرية، لتبدأ بعدها غزة ورغم الحصار والاحتلال والحرب والحدود المغلقة والجراح (وخصوصاً بعد معركة الفرقان) بتصدير معاني العزة والحرية والكرامة والإصلاح والتغيير.
وهذا ما لاحظه وأكد عليه جميع من زار غزة بعد الحرب، وهذا ما سمعناه من جميع الوفود التي أتت للتضامن مع غزة وشعبها، فكلهم ومع اختلاف توجهاتهم وأفكارهم والبلاد التي جاءوا منها، إلا أنهم اتفقوا على أنهم عرفوا في غزة معنى العزة، وتعرفوا على مسببات الحرية، ورأوا معالم الإصلاح، وعاشوا معاني الكرامة، وتنسموا رياح التغيير، فرجعوا محملين بكل هذه الخصال، لينقلوها إلى شعوبهم وليبثوها في أوطانهم بين مجتمعاتهم. وكلنا يقين أن كلماتهم لم تكن من باب المجاملة فلم يكونوا مجبورين على ذلك، ومن استمع إلى نبرات أصواتهم ، ومن رأى قسمات وجوههم وهم يعبرون عن ذلك يعلم علم اليقين حقيقة هذا الكلام.
لقد تربى قادة التغيير في غزة على منهج رباني متكامل، انشئوا المجتمع المسلم في أنفسهم بدأوا بها غيروها وأصلحوها وربوها على معاني الخير والعطاء والمبادرة والإصلاح، وكونوا البيت المسلم الذي ساهم في وضع لبنات التغيير الأولى؛ ولكنها قوية ومحصنة بالفكر والأخلاق والقيم والآداب، فهموا معني التغيير من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعملوا على تحرير ديارهم من المحتل بكل ما أوتوا من قوة ومن عتاد بعد أن تدبروا أمر الله (وأعدوا).
وبالرغم من أننا نحمد الله تعالى على حالة التغيير التي بدأتها غزة، وعلى هذا الواقع الذي آلت إليه الحياة فيها، رغم كل العوائق والتحديات ورغم كل الأشواك المحيطة بطريق الحرية الكاملة وطريق الإصلاح المنشود؛ إلا أننا نقول أنه ما زال أمامنا الكثير الكثير من العمل والإصلاح، ومن البناء والإعمار والتطوير، وبطبيعة المسلم الذي يتوق دائماً للأفضل، ولا يقبل بالحالة التي هو عليها مهما كانت إيجابية، لأنه دائماً ينظر للأعلى.
إن المرحلة المقبلة في حياة الشعب الفلسطيني بحاجة إلى تضافر جميع الجهود المخلصة، وتكامل وتكاتف أصحاب كل المشاريع البناءة، وتعاضد جميع الأيادي الفتية والعقول النيرة، وهذا كله لن يكون إلا إذا حصل الشباب على الفرصة الكاملة ليكونوا معاول للبناء والتطوير.
والتطوير لن يكون إلا بكم أيها الشباب، فان لم تتحركوا لهذه المقاصد بأفكاركم بمبادراتكم بأعمالكم بتواجدكم وبإصراركم على أن تكونوا جزءاً من المرحلة بل أنتم المرحلة، فماذا أنتم فاعلون؟؟؟
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية