من قناعاته لا من سياساته
د. يوسف رزقة
ماذا أراد محمود عباس من تنازلاته الأخيرة في موضوع حق العودة. هل أراد من خلالها أن يعبر عن موقف وطني، والوطن كله في الداخل وفي الخارج يقف ضد تصريحاته، ويرى أن من حقه الثابت والمؤبد أن يعود إلى صفد وإلى فلسطين المحتلة. إذا لم يرد بها التعبير عن موقف وطني فهل أراد بها التعبير عن موقف سياسي إبداعي يعطيه فرصة المراوغة والمناورة؟! إن كان هذا ما يريد فالشعب الفلسطيني له موقف سياسي آخر عبرت عنه التظاهرات والانتقادات التي ملأت الوطن ووسائل الإعلام؟! وإن كان يريد أن يرسل من خلال تصريحاته تطمينات للطرف الصهيوني لكي يرضى عنه ويهتم به؟! فإن الرسالة لم تصل، وواصل بل وما وصل العدو رسالة معاكسة جسدتها الهبة الشعبية الرافضة لعباس ولتصريحاته، والتي تلخَّصت في عنوان: عباس لا يمثلني!!
وإن كان يريد بها تحقيق صدمة قوية للشعب الفلسطيني، بما يسمح له بتهيئته لقبول تنازلات مؤلمة في جوهر القضية الفلسطينية وهو حق العودة، فالشعب الفلسطيني أوعى من أن يدار بالصدمات، ولن تحدث هذه التهيئة لأن الشعب مهيأ لرفض وإسقاط من يتاجر بحق العودة، أو يقزِّمه. وإن أراد بتصريحاته أن يستجلب مالاً لميزانية السلطة في رام الله، فإن الزنا بحق العودة ليس مصدرًا حلالاً للمال، واللاجئ الفلسطيني لا يقبل الزنا بحقه!!
لست أدري ماذا أراد، ولا ماذا يريد؟! وقد جاءت الرياح على غير ما اشتهى، فالشعب بات أكثر تمسكًا بحق العودة، وأكثر حذرًا من عباس ومن عريقات ومن المفاوضين الآخرين بعد هذه التصريحات، وبعد أن أكد مفاوض مُقال أن عباس كان يدفع إلى التنازل عن حق العودة في مباحثات كامب ديفيد. الرسالة التي يتبناها الشعب الآن هي أن من يتنازل عن حقه الشخصي أو حق شعبه العام بالعودة لا يمثل الشعب ولا الوطن، وهو فاسد الضمير وليست له شرعية قيادةٍ أو تمثيلٍ.
لم تعد السياسة في عصر الديمقراطية طلاسم لا يدري الشعب فيها ماذا يريد القادة والساسة. السياسة اليوم أوضح من واضحة، ويقررها الشعب قبل أن ينفذها الحاكم والقائد، وحين يمارس عباس لغة الطلاسم ليفك شفرتها قارئ الفنجان نمر حماد أو عريقات، يقول الشعب: (زهقناكم)!! (حلّوا عنا)، فنحن نقرأ بلا فنجان وبلا ودع.
عباس يغرف من قناعاته، ومن ضميره، لا من موقف سياسي ولا من مناورة سياسية، وهو جاهز لقبول حل بدون حق العودة، ولكن العقبة عند نتنياهو لأن عباس في نظره فرد وصوت شاذ لا يمثل شعبه ولا قناعات شعبه في مسألة حق العودة، ونتنياهو الآن يتسلى على تصريحات عباس وعلى ردود الأفعال عليها، ويعمق أيديولوجيته الرافضة للثوابت الفلسطينية.
عباس أساء ولا شك لحق العودة، وقدم خدمات لنتنياهو، وأشعل معركة التمثيل والشرعية من جديد. وأحرق ما أُنْجز من أعمال المصالحة، وأحبط جهودًا مصرية متوقعة، وخلط الأوراق الفلسطينية، ولم يحقق للشعب مصلحة واحدة من وراء كلمات العار التي أضرت ولم تنفع.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية