هكذا تتجلى انتهازية اليسار!
بقلم: لمى خاطر
خلال الأيام الفائتة صدرت تصريحات عن الجبهة الشعبية وبعض قيادات اليسار الفلسطيني تعلن عن رفضها تأجيل الانتخابات وتصر على المطالبة بعقدها في موعدها الدستوري مطلع العام القادم.
وقبل كل شيء فليس ثمة مشكلة في المطالبة بإجراء الانتخابات من ناحية مبدئية، فمختلف الأطراف الفلسطينية يفترض أنها قبلت نظرياً الاحتكام لمبدأ الانتخابات والتداول السلمي للسلطة، رغم أن سلوك بعضها وعلى رأسها فتح يطعن بهذا المبدأ بشكل مباشر ويؤكد أن النزعة الاستئصالية ما زالت مسيطرة على فتح حتى بمعزل عن تبعيتها وارتهان قرارها وتحولها لكيان وظيفي مأجور لا يجاوز حدود تنفيذ الالتزامات الأمنية للاحتلال.
أما اليسار فهناك جملة من مواقفه النظرية والعملية تؤكد أنه يتنكر لنتائج الانتخابات في حال لم تكن موافقة لمزاجه، وبكل تأكيد فإن فوز حركة إسلامية كحماس في الانتخابات وبذلك الحجم لم يكن يسرّ قيادة اليسار التي تغلّب دائماً خلافها الأيديولوجي مع الحركات الإسلامية على أي مساحة سياسية للتوافق.
الارتياب من مواقف اليسار الفلسطيني فيما يخص قضية الانتخابات لم يأت اعتباطاً أو خشية من الانتخابات بحد ذاتها، لكن استقراء دقيقاً لمواقف هذا اليسار واستجلاء تصريحات قادته يشي بأن الانتهازية السياسية هي التي تتحكم باتجاهات تلك المواقف، وهذا شأن الحركات الصغيرة محدودة الأثر والحضور التي تحاول استغلال أزمات الآخرين لتحسين وضعها السياسي والجماهيري.
فاليسار يرى أن طرفي الاستقطاب الرئيسين حماس وفتح على الساحة يمران بأزمة ويرى أن ثمة فراغا ناشئاً عن ذلك ويتطلع لملئه، مع العلم أن أزمة حماس (إن افترضا جدلاً وجود أزمة لديها) ليست ذاتية، ولم تأت كنتيجة لترهلها التنظيمي وعوامل (النحت والتعرية) السياسية التي طرأت عليها، وهي لم تنتج إفلاساً جماهيرياً أو خواءً فكرياً على مستوى الكوادر وتبدلاً في دوافع ومعايير الانتماء كما هو حال فتح.
وإذا كان يستقيم غض الطرف عن هذا السلوك المتمثل بمحاولة استغلال الأزمات على اعتبار أنه ليس طارئاً على السلوك السياسي لأي فصيل، فإنه لا يمكن التغاضي عن جملة المغالطات التي يقع فيها اليسار وهو يقدم تبريراته لإصراره على رفض تأجيل الانتخابات ودعوته إلى تحريك الشارع للضغط باتجاه إجرائها في موعدها وتأكيده أن الانتخابات ستتكفل بإنهاء الانقسام وتوفير مخرج من الأزمة الحالية.
فهل المقصود مثلاً أن إخراج حماس من النظام السياسي عبر بوابة الانتخابات هو مفتاح الحل للأزمة السياسية الحالية أم أن اليسار يريد ضمان عدم تكرار النتيجة السابقة بإصراره على رفض أي صيغة توافقية للنظام الانتخابي القادم إلا إذا كانت تتبنى التمثيل النسبي الكامل؟.
فبالعودة لنتيجة الانتخابات الأخيرة نجد أن اليسار اكتفى بموقف المتفرج السلبي إزاء تداعياتها ولم يحاول التصدي ولو كلامياً لمحاولات اغتصاب حق حماس الدستوري وعقاب الشعب الفلسطيني على خياراته الانتخابية، رغم أن من تجند لحصار حماس بعيد فوزها كانت القوى العالمية كلها وليس فتح وحدها، فهل قال اليسار كلمة حق واحدة حينها تستنكر هذا الرفض العالمي للتعاطي مع حماس بعد فوزها؟ ألم يكن عامل ضغط إضافي على حماس عبر تمييعه مفاصل خلافها مع فتح وانتقاده غير الموضوعي ولا المنطقي لممارسة حماس حقها في رئاسة المجلس التشريعي ثم تشكيل الحكومة؟ هل راعى اليسار وهو يدعي بأن حماس – كما فتح – فشلت في الحكم ظروف الحصار التي واجهتها الحركة والحرب التي فتحت عليها من جميع الجبهات وآخرها العدوان على غزة الذي كانت من أبرز أهدافه إسقاط حكم حماس لصالح فتح؟ لماذا وجدنا مثلاً فصائل وطنية كالجهاد الإسلامي والقيادة العامة تعلن في ظل اشتداد الحرب على حماس وقوفها إلى جانب الشرعية الحقيقية ومناصرتها ودعمها، بينما ظلت فصائل اليسار متمسكة بمواقفها العائمة التي تأبى الانحياز ولو مؤقتاً إلى صف الفصيل الأكثر استهدافاً ونزفاً؟!
والأهم من كل هذا كيف يمكن تفهم إغفال اليسار جملة الظروف التي تكتنف المشهد الفلسطيني الحالي وخصوصاً في الضفة وتؤكد أن إجراء انتخابات نزيهة خلالها يعد ضرباً من الخيال؟! كيف يمكن القفز عن حقيقة الملاحقة الشرسة لحماس في الضفة وتغييبها الكامل حتى على مستوى أبسط المظاهر وما يفرزه ذلك من بيئة موبوءة لا تصلح للممارسة الديموقراطية، وسيحتاج التعافي منها مدة زمنية كافية، يسبقها في الأصل توقف كامل عن هذه الملاحقة الإجرامية وإبطال لمشروع التنسيق الأمني الذي يفترض أن تكون المطالبة بإزاحته أولوية سابقة لأي خطوات إجرائية لاحقة.
أما إن كان اليسار معنياً بإجراء انتخابات كيفما اتفق وسط هذه الأجواء لغاية في نفسه فهذا شيء آخر، ولكن عليه أن يتخلى عن لهجة الحرص المصطنعة على المصلحة الوطنية التي يقحمها بمناسبة وبدون مناسبة في تبريره لمختلف مواقفه حتى صار الخطاب اليساري أسير قوالب جامدة محفوظة عن ظهر قلب وغير قابلة للتجدد أو للتعاطي البناء مع تطورات مختلف الأحداث، وأرجو بناء على ذلك ألا نتهم بالتجني حين نقول إن اليسار بحكم علاقته العضوية بفتح ما زال وسيبقى يفضل حكمها وسيطرتها على مقاليد السياسة الفلسطينية ومعارضة سياساتها شكلياً بالبيانات والخطب على حكم حماس واستحقاقاته وما يفرزه من عداء وتكالب عالمي يتطلب مواجهة عملية دامية يستنكف اليسار عن المشاركة في تحمل بعض أعبائها عجزاً وقصوراً ومراعاة لجملة المصالح التي تربطه بالطرف الآخر المتمثل بفتح والتي لن يكون موقعها إلا في الخندق المعادي لحماس والمساهم في حصارها حتى لو أفرزت الانتخابات القادمة فوزاً ساحقا جديداً للحركة
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية