هل سنشهد مستقبلا اجتياح المقاومة للمغتصبات الصهيونية؟
عماد صلاح الدين
كمراقب عادي للحرب التي شنتها اسرائيل على قطاع غزة مؤخرا، لامست ضعف اسرائيل عموما وضعف جيشها بمختلف تشكيلاته العسكرية والامنية خصوصا. هو ضعف متدرج منذ سنوات طويلة، ينتقل من مرحلة الى اخرى في السوء والتراجع، تحديدا منذ الانتفاضة الاولى عام 1987، مرورا بالانتفاضة الثانية عام 2000، ومن ثم حرب 2008 – 2009 ثم اخيرا حرب الايام الثمانية الاخيرة على قطاع غزة عام 2012.
شنت اسرائيل حروبها المتتالية على الفلسطينيين بناء على خطط استراتيجية مدروسة ومعد لها جيدا، الهدف منها هو القضاء على المقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها واجنحتها العسكرية، ليتسنى دائما قيام واستمرار المشروع الصهيوني على فلسطين المحتلة بكاملها. هي لا تسمح بوجود مقاومة فلسطينية وبالاخص المقاومة العسكرية.
هذه هي معادلة اسرائيل تجاه الفلسطينيين ومقاومتهم، وبالتالي فان ربط أي هجوم اسرائيلي على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على انه لدواع متعلقة بالانتخابات الاسرائيلية او لمنع الرئيس محمود عباس من التوجه الى الامم المتحدة للحصول على عضوية دولة غير عضو في الامم المتحدة، كما صرح الاخير اثناء العدوان على غزة هو محض وهم وغير ذي علاقة.
الهدف الاسرائيلي الدائم والحاضر هو تركيع الفلسطينيين وفرض شروط الاستسلام عليهم من خلال السعي الحثيث للقضاء مقاومتهم.
في الحرب الاخيرة ارادت اسرائيل ان تتشجع قليلا في تنفيذ فكرة القضاء على المقاومة المسلحة في غزة، فقامت بضربة من العيار الثقيل فاغتالت نائب القائد العام لكتائب القسام احمد الجعبري، وكانت تتوقع ان ردود المقاومة هناك ستكون كلاسيكية معروفة باطلاق عشرات الصواريخ على المستوطنات المحاذية للقطاع او ابعد من ذلك بحدود مسافية متواضعة. وفي كل الاحوال كانت الخطة الاسرائيلية المستقرأة تذهب الى اجتياح غزة لأجل انهاء المقاومة باعتبار انه لا يمكن منطقيا قيام تشكيل عسكري قوي وعريض من الفصائل الفلسطينية في غزة له بنى اجتماعية وسياسية واقتصادية تحميه يزداد قوة يوما بعد يوم وبالتالي لا يمكن السكوت عنه وهو يقع في جغرافيا المشروع الصهيوني على ارض فلسطين المحتلة. المسألة هنا ليست حزب الله ولا ايران ولا غيرها من اعداء اسرائيل وحلفائها، لذلك وحسب هذا المنطق كنت من المصرين على ان أي حرب قادمة ستكون على المقاومة الفلسطينية في غزة قبل أي جبهة اخرى، انظر مقال "الحرب على غزة اولا "بتاريخ 29-12-2011، وانظر مقال "حتمية الهجوم على غزة" الذي توقعت فيه الحرب على غزة 2008-2009 بتاريخ 24-7-2007.
لكن اسرائيل تفاجأت من حجم ونوع المقاومة في غزة، حين قصفتها في القدس المحتلة و"تل ابيب" ومناطق اخرى بعيدة في الجنوب، وتفاجأت اكثر بوجود سلاح البحرية المضاد وسلاح الجو المحيد والمعيق للطيران الاسرائيلي في اجواء القطاع، بالاضافة الى سلاح المضاد للدبابات والدروع(الكورنيت). تفاجأت اسرائيل واهتزت اهتزازا معنويا مخيفا ومعطلا لها حين اكتشفت ان كثيرا من السلاح الصاروخي المتطور الذي ضرب في العمق هو من صناعة محلية، هذا اذا اضفت الى كل ذلك عجز قبتها الحديدية عن اعتراض الصواريخ الفلسطينية.
لم تكن اسرائيل هذه المرة اكثر انسانية ليكون بالتالي دمارها وحجم جرائمها متواضعا بالنسبة لحربها على غزة 2008-2009، وانما مرد ذلك الى المفاجآت التي اسلفنا عنها حديثا، والى مفاجأة واقع التغيير المحسوس في مصر تجاه قضية فلسطين باعتبارها قضية الامة الاولى.
نعم تفاجأت اسرائيل من كل ذلك، وصار الاجتياح البري اكثر تعقيدا وخطورة عما سبق، فحذرت هي نفسها علنا، وحذرها الامريكان والاروبيون جهارا نهارا من خطورة الاقدام على خطوة الاجتياح البري.
من الناحية السياسية والاستراتيجية لم يكن –بتقديري- امام اسرائيل من سبيل الا الاجتياح البري، للسير ضمن احتمالات تحقيق الاهداف وبالتالي النصر الذي طلبته منذ الصاروخ الاول الذي اطلقته على رئيس اركان حماس الفعلي الشهيد احمد الجعبري.
ولاعتبارات التعقيد والصعوبة التي تفاقمت وازدادت بعد هذه المفاجآت النوعية من المقاومة الفلسطينية في مسألة الاجتياح البري، اعلنت اسرائيل هزيمتها من خلال استجدائها التهدئة من فصائل الممقاومة الفلسطينية عبر الحليف الامريكي وطلب الاخير الوساطة المصرية في تحقيق التهدئة.
لم يكن اعلان القاهرة رسميا التهدئة بين اسرائيل والمقاومة الفلسطينية بشروطها المتعلقة بوقف اطلاق النار المتبادل والمتزامن، والذي كان الكلمة الاخيرة فيه للمقاومة باطلاق رشقات من الصواريخ على لفيف المستوطنات الاسرائيلية ورفع الحصار من خلال فتح المعابر، سوى الاعلان الرسمي عن هزيمة اسرائيل التي حاول التلفزيون الاسرائيلي تسميتها بالتعادل بين حماس واسرائيل، و بوضوح شديد صرح شاؤول موفاز بأن حماس هي الرابح الاكبر من هذه المعركة واسرائيل هي الخاسر الاكبر.
هنا أتساءل: اذا كانت المقاومة الفلسطينية تنتقل من قوة الى قوة نوعية اخرى مفاجأة لاسرائيل، ومصعبة عليها الهجوم الجوي والبحري ومصعبة اكثر الى درجة التعقيد مسألة الاجتياح البري، واضطرار اسرائيل الى طلب التهدئة رسميا واعلانها شبه الرسمي هزيمتها في المعركة، من جديد اتساءل وبنفس عنوان هذا المقال: هل سنشهد مستقبلا اجتياح المقاومة للمغتصبات الصهيونية؟
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية