هل كانت الشعوب جزءاً من المشكلة؟!
لمى خاطر
كان حجم الدهشة المرافق اندلاع أول شرارة للثورات العربية، التي كانت في تونس، من أسباب إغفال كثير من القضايا حين شخصت أنظار كثيرين تترقّب ذلك التحوّل السريع الذي كان مأمولاً أن يكتسح المنطقة العربية بمجرد سقوط الأنظمة في عدة بلدان.
وكان الاحتفاء المعنوي بالإنسان العربي مبالغاً فيه في أحيان كثيرة، من خلال تصويره عنصراً فاعلاً ضمن شعب ثائر يعرف طريقه ويقف كله في جانب واحد في مقابل الطاغية ونظامه وأزلامه، رغم أن حاملي لواء الثورة في جميع البلدان لم يشكّلوا النسبة الأكبر من الشعب إنما كانوا أقليته الطليعية، التي امتلكت جرأة استثنائية في ظرف زماني صعب لتهز عرش الاستبداد وتقدّم التضحيات اللازمة لأي مسار ثوري نظيف.
وحين تركّز الهجاء على دور الأنظمة في إفساد البلاد وتخريب مؤسسات الدولة وتجريف مقدرات الوطن ونهب خيراته، وإشاعة الخوف وإرساء دعائم ممالك القمع والتجبّر، كان التصوّر المقابل تزيين واقع جديد تصوّر غالبية المتابعين وحتى المنخرطين في الثورة أنه لن يلبث أن يحل ويضع حداً فورياً لكل إفرازات الاستبداد، ويحقق في المقابل نهضة شمولية منتظرة منذ عقود.
لكن أثر حكم الاستبداد والفساد على ثقافة الشعوب ووعيها العام، وعلى معالم شخصيتها وطرائق تفكيرها، ظلّ معزولاً عن التناول، لأن الشعوب ظلّت تُنعت بصفات الطهورية والأصالة والعبقرية، وكأنّ الشعب مكوّن واحد لا يحتمل التباين، ولا يطال بعضه ما طال حكامه من نزعات سلبية بمستويات معينة!
ربما كان من الصعب التوقّف عند مسؤولية الشعوب عمّا حلّ بها، أو تحليل أثر الهيمنة والسطوة على شخصيتها، أو تقبّل أن رداءة وفجور الخطاب الإعلامي الرسمي قد انسحب على وعي شريحة منها أو أثر فيها بدرجات متفاوتة، ولذلك أشكل عليها فهم ملامح المرحلة الجديدة، ووجدنا بعض النخب التي كانت تصنف ثورية تتورّط في تبني أبجديات الأنظمة نفسها ويتملّكها شره الإقصاء ذاته وهي تعادي خصومها السياسيين، خصوصاً الإسلاميين، لأنها لم تستوعب بعد رؤيتهم خارج السجون وفي مواقع الحكم لا الاستضعاف!
ولعل المشهد المصري وما جرى فيه من مفارقات صادمة ومدهشة ومضحكة أحياناً يتحدث بوضوح حول المعضلة التي صبغت وعي وثقافة مساحات لا بأس بها من الجمهور، مثلما أنه يبيّن كيف أن كثيراً من النخب التي علا صوتها في مهاجمة الاستبداد ليست في حقيقتها المجردة إلا صورة مصغرة عنه، ولا تمانع في استنساخ تجربة العهود السابقة نفسها، مع تعديلات فجة لا يقبلها عقل سوي ولا تجري على أي منطق، لأنها لم تستند إلى قوة السلاح وحسب، إنما أيضاً إلى تلك الفوضى الفكرية والسطحية المبتذلة لدى قطاعات غير قليلة من العوام.
ليس هناك شعب على وجه الأرض ينبغي تمجيده بالمطلق ووضعه في خانة تحفّها القداسة، أو تنزيهه عن النقد والتشريح، وإعفائه من المسؤولية. فكما أن فيه قطاعاً واعياً ومضحياً ومستعداً لحمل لواء التغيير ويحمل مناعة ضد عوامل الإفساد، هناك في المقابل قطاع أخرج حكم الاستبداد أسوأ ما فيه، من انتهازية ووصولية وتلوّن، أو ترسخت فيه السلبية واللامبالاة ففطن لحقوقه ولم يكترث بواجباته.
ولذلك تبدو قضية الوعي معركة تتطلب جهداً استثنائيا، فكما أن الخلاص من آثار وإفرازات العهود السابقة لا يتم بين يوم وليلة، فإن النهوض بوعي الناس وتخليصه من تجليات الهيمنة لا يحدث بمجرد سقوط عرش طاغية وأفول نجمه، ولا بمجرد ترديد موشّحات ثورية تقليدية، أو إقناع النفس بأن التحرر من الطغاة سيرافقه بالتوازي تحرر من الأوهام والاعتقادات الخادعة ومنتجات سياسة التضليل المختلفة!
لمى خاطر
كان حجم الدهشة المرافق اندلاع أول شرارة للثورات العربية، التي كانت في تونس، من أسباب إغفال كثير من القضايا حين شخصت أنظار كثيرين تترقّب ذلك التحوّل السريع الذي كان مأمولاً أن يكتسح المنطقة العربية بمجرد سقوط الأنظمة في عدة بلدان.
وكان الاحتفاء المعنوي بالإنسان العربي مبالغاً فيه في أحيان كثيرة، من خلال تصويره عنصراً فاعلاً ضمن شعب ثائر يعرف طريقه ويقف كله في جانب واحد في مقابل الطاغية ونظامه وأزلامه، رغم أن حاملي لواء الثورة في جميع البلدان لم يشكّلوا النسبة الأكبر من الشعب إنما كانوا أقليته الطليعية، التي امتلكت جرأة استثنائية في ظرف زماني صعب لتهز عرش الاستبداد وتقدّم التضحيات اللازمة لأي مسار ثوري نظيف.
وحين تركّز الهجاء على دور الأنظمة في إفساد البلاد وتخريب مؤسسات الدولة وتجريف مقدرات الوطن ونهب خيراته، وإشاعة الخوف وإرساء دعائم ممالك القمع والتجبّر، كان التصوّر المقابل تزيين واقع جديد تصوّر غالبية المتابعين وحتى المنخرطين في الثورة أنه لن يلبث أن يحل ويضع حداً فورياً لكل إفرازات الاستبداد، ويحقق في المقابل نهضة شمولية منتظرة منذ عقود.
لكن أثر حكم الاستبداد والفساد على ثقافة الشعوب ووعيها العام، وعلى معالم شخصيتها وطرائق تفكيرها، ظلّ معزولاً عن التناول، لأن الشعوب ظلّت تُنعت بصفات الطهورية والأصالة والعبقرية، وكأنّ الشعب مكوّن واحد لا يحتمل التباين، ولا يطال بعضه ما طال حكامه من نزعات سلبية بمستويات معينة!
ربما كان من الصعب التوقّف عند مسؤولية الشعوب عمّا حلّ بها، أو تحليل أثر الهيمنة والسطوة على شخصيتها، أو تقبّل أن رداءة وفجور الخطاب الإعلامي الرسمي قد انسحب على وعي شريحة منها أو أثر فيها بدرجات متفاوتة، ولذلك أشكل عليها فهم ملامح المرحلة الجديدة، ووجدنا بعض النخب التي كانت تصنف ثورية تتورّط في تبني أبجديات الأنظمة نفسها ويتملّكها شره الإقصاء ذاته وهي تعادي خصومها السياسيين، خصوصاً الإسلاميين، لأنها لم تستوعب بعد رؤيتهم خارج السجون وفي مواقع الحكم لا الاستضعاف!
ولعل المشهد المصري وما جرى فيه من مفارقات صادمة ومدهشة ومضحكة أحياناً يتحدث بوضوح حول المعضلة التي صبغت وعي وثقافة مساحات لا بأس بها من الجمهور، مثلما أنه يبيّن كيف أن كثيراً من النخب التي علا صوتها في مهاجمة الاستبداد ليست في حقيقتها المجردة إلا صورة مصغرة عنه، ولا تمانع في استنساخ تجربة العهود السابقة نفسها، مع تعديلات فجة لا يقبلها عقل سوي ولا تجري على أي منطق، لأنها لم تستند إلى قوة السلاح وحسب، إنما أيضاً إلى تلك الفوضى الفكرية والسطحية المبتذلة لدى قطاعات غير قليلة من العوام.
ليس هناك شعب على وجه الأرض ينبغي تمجيده بالمطلق ووضعه في خانة تحفّها القداسة، أو تنزيهه عن النقد والتشريح، وإعفائه من المسؤولية. فكما أن فيه قطاعاً واعياً ومضحياً ومستعداً لحمل لواء التغيير ويحمل مناعة ضد عوامل الإفساد، هناك في المقابل قطاع أخرج حكم الاستبداد أسوأ ما فيه، من انتهازية ووصولية وتلوّن، أو ترسخت فيه السلبية واللامبالاة ففطن لحقوقه ولم يكترث بواجباته.
ولذلك تبدو قضية الوعي معركة تتطلب جهداً استثنائيا، فكما أن الخلاص من آثار وإفرازات العهود السابقة لا يتم بين يوم وليلة، فإن النهوض بوعي الناس وتخليصه من تجليات الهيمنة لا يحدث بمجرد سقوط عرش طاغية وأفول نجمه، ولا بمجرد ترديد موشّحات ثورية تقليدية، أو إقناع النفس بأن التحرر من الطغاة سيرافقه بالتوازي تحرر من الأوهام والاعتقادات الخادعة ومنتجات سياسة التضليل المختلفة!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية