وليد خالد... عذرا حين تغيب الضمائر
علاء الريماوي
في ذكريات العمر تظل بعض المواقف راسخة تؤثر فيك، تشدك، وترفع همتك في ساعة الانتكاسة والاحباط. في مساحات العمر تختلف الابتلاءات في النوع لكن يشترك الناس في قيمة الوجع الذي يصاحب النفوس، فينقسم الناس معها بين صابر يواري دمعه تجملا واحتسابا وصنف تأخذه هواجس الانهيار الى هاوية قاتمة ومعتمة.
في حكايتي مع الأيام شاءت اقدار الله اللقاء في السجن مع رجل بليغ الصمت، راسخ الخطى، حكيما في المواقف، رائعا في الشدائد، مليئا حين مكابدة الأيام بالعزيمة الدافقة التي عرفناها في دهاليز الزنازين الكئيبة.
الرجل هذا.. وليد خالد : اعلامي فلسطيني مجاهد، عارك الحياة من خلال حفظه المتقن لكتاب الله، شق طريقه شابا على موائد التربية والتنقية حتى غدا قدوة الشباب في الفعل الإنساني الذي تحول معه إلى رسالة في جامعات الوطن وهو يرسي وصحبه رواية فلسطينية رائعة كبرت معه حتى تحولت الى فعل مقاوم واجه المحتل فدفع ضريبته أكثر من خمسة عشر عاما، ما كسرت روحه، ولا هزمت عزيمته التي عرفناها في مواجهة السجان.
تعرفت عليه في العام 94 في سجن مجدو كان حينها شابا وكنت شبلا، لكن ذاع سيطه بين أقرانه حتى شهدنا له توفقا على شيوخه في الخطابة، والكتابة، والاهم في حركة التأثير ونمط والقيادة.
مضت الأيام وزاد معها وليد تقدما وتميزا، فعاقبته سلطات السجن بالعزل الانفرادي ومنعته الاختلاط بالمعتقلين فاستغل وقته كاتبا، وباحثا، ومساندا لإخوانه الذين صحبوه في رحلة العزل الطويلة حتى عرفه صحبه من الفصائل رائد الفعل في المفاصل الصعبه.
الريادة هذه وضعته في درجة الاستهداف القصوى بداية الانتفاضة الثانية بعد اغتيال مجموعة من أصحاب قيده الذين قضى معهم زهرة شبابه فتعرض أيامها لتحقيق عسكري قاس زاده إيمانا بعدالة قضيته ثم انتقل بعدها للاعتقال الإداري فأضحى مع السنوات أحد أهم عمدائه.
في رحلة الأيام تلك لا زلت أذكر وقوفه بين جموع الأسرى خطيبا، محاضرا، مربيا يقلب دفات القلوب يأخذها الى المعاني الايمانية حتى بات في سجن النقب الصحراوي مرجع الوحدة ومنبر الالتقاء ساعة خلاف السياسة الذي أفسد فطرة القلوب المتحابة.
في متابعة الإعلام العبري هذه الايام أهتمت وسائله تكريم جنودها الذين شاركوا في حرب أكتوبر على الجبهة المصرية والسورية، من بين من تم تكريمهم مجموعة من القتلى الذين يجهل هويتهم الجيل الجديد في دولة الكيان، لكن حرصت المؤسسات الثقافية إبراز دورهم، واحياء ذاكرة الجيل الجديد ( ببطولاتهم تجاه العرب ) فألفت بذلك الكتب، وعقدت لأجل ذلك الندوات، كما أنه يمكن للباحث الرجوع الى مئات الاصدارات المهمة التي تحكي عن ذلك.
في المقابل ينجح الفلسطيني في الرد على الكيان بمخالفته، ومقاومته في هذا الجانب فيكون نصيب وليد بعد إطلاق سراحه من المعتقل الإسرائيلي بأسبوعين السجن على يد السلطة الفلسطينية المبجلة، حارمين إياه لقاء أسرته، بل ممعنين في محاسبته على حب الناس له وتاريخيه الوطني المشرف.
وليد حين هممت بالكتابة عنه توقفت طويلا كي لا أزيد حديث السوء الذي نعيشه في الضفة الغربية وانقلاب الثقافة الوطنية التي يعيشها بعض فلسطيني أقسم تغييب كل منبر جامع.
في السنة الماضية كتبنا عن اعتقال عمر البرغوثي لدى الأمن الفلسطيني وقلت حينها أجرمت فتح التي تعرف عمر وعقليته التي منعت نزيف دم في الضفة الغربية وهو يتنقل بين مدن الضفة زائرا للشباب المعذب قائلا لهم وجهة الفلسطيني الاحتلال، والعلاقة مع الفلسطيني الذي ضل الطريق سؤال الله بالهداية.
وليد من هذا الصنف، الذي ظل منبرا رائدا في الدفاع عن الوحدة، ونبذ التطرف، والدعوة إلى الاحتمال. فتح اليوم تعيد مجزرتها مع شخص وازن في الضفة على هذا المنهج.
هذا الحديث يدفعني ل توجيه أسئلة مهمة الى مركزية فتح... ما الذي تريده من رسالة اعتقال هذه الشخصيات الوطنية؟ الى أين تتجه في بناء الضفة الغربية؟
إخواني... هذه التصرفات ستنهي الفرصة التي يمكنها إعادة اللحمة، وستحول دعاة الحب الى منظرين يتحدثون عن ضرورة الانتقام وهذا ما نخشاه.
اليوم بات من الضروري على راسم السياسة في السلطة الفلسطينية الادراك أن الظلم ظلمات، وأن المناضل الفلسطيني مكانه قلوب الناس لا قتامة الزنازين، وأن التاريخ المشرف الذي صنعه الشهداء فتح... حماس... الجهاد...هو البوصلة الوحيدة القادرة على تصحيح المسار.... وفي الختام الحرية لأخي وليد... وسؤال الهداية لمن فسدت فطرتهم وأمعنوا في أذية الشرفاء.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية