يوم في المجدل
د.عصام عدوان
وصل لواء من المقاومة الفلسطينية من غزة إلى مدينة المجدل المحتلة. لم يكن أحد يتوقع ذلك، ولم يخطر ببال جيش العدو اليهودي أن المقاومة تفكر مجرد تفكير في أمر كهذا. انتشر أفراد اللواء في أحياء وشوارع مدينة المجدل كأنهم يعرفونها حق المعرفة. صدرت لهم الأوامر بالسيطرة على كل البنايات العالية والتعامل مع سكانها كرهائن. وما هي إلا دقائق لم تتجاوز ربع الساعة حتى أصبحت كتائب المقاومة تسيطر على كل البنايات الشاهقة وتتمترس فيها وتنصب بنادق القنص والصواريخ المطورة محلياً من فوق أسطحها، بعضها موجه ضد الطائرات المحتمل أن تنزل قوات المظلات، وبعضها موجه نحو شوارع المدينة تحسباً من مرور مدرعات ودبابات وقوات مشاة إسرائيلية. بعض الصواريخ وُجِّه نحو المنشآت الاستراتيجية في المدينة لتدميرها إذا صدرت الأوامر بذلك.
المقاومة الفلسطينية لم تكن يوماً بمثل قوة العدو اليهودي المدعوم عربياً ودولياً. وهي تحصل على سلاحها بشق الأنفس وبتبرعات بعض المحسنين هنا وهناك، ويتم تهريبها عبر الحدود مع مصر. وقد تعرض تسليحها لأزمة كبيرة منذ أن دمرت مصر الأنفاق التي تربطها بقطاع غزة في عام 2013م. منذ ذلك الحين والمقاومة تتجه لتطوير قدراتها القتالية والتسليحية ذاتياً، فاستطاعت أن تطور صاروخ (م75) ليصبح أطول مدىً وأكثر دقة وأكبر تفجيراً. وطورت أجهزة اتصالاتها بحيث لا يمكن للعدو اختراقها أو رصد إشاراتها. وطورت استحكامات ووسائل رصد وأدوات قتالية ودفاعية. ووضعت المقاومة نظاماً جديداً للتدريب يعتمد العقيدة الهجومية بجانب الدفاعية وعدم الاقتصار على العقيدة الدفاعية. لقد حفز الحصار المصري المقاومة على تحدي الظروف وابتكار وسائل لا يتقنها ولا يجاريها العدو رغم تفوقه العسكري.
لقد أحسن العدو وسلطة أوسلو والنظام العربي والدولي أن فرض حصاراً مشدداً على قطاع غزة وحكومة المقاومة، ولم يفتح أمامها العالم لتتلوث أفكارها بمنطق الهزيمة والخضوع والتعايش السائد في معظم الدول، فاحتفظت بكرامتها وبهمة المقاومة وبمنطق العداء وعدم التعايش مع العدو المحتل. لقد كان الحصار الخطوة الأولى نحو بناء مشروع تحرير فلسطين. وأدت سياسات سلطة أوسلو واتفاقها المعترف بيهودية (إسرائيل) وتصفية الثوابت الفلسطينية إلى تعزيز مكانة حكومة المقاومة في غزة حيث مثَّلت رأس الحربة في مواجهة المشروع الصهيوني برمته. وفي الوقت الذي ظن فيه العدو وحلفاؤه في المنطقة بأن الخناق قد أطبق على غزة بعد وصول النظام الانقلابي للحكم في مصر وشرعنته، كانت المقاومة تحضِّر لعملية تاريخية وغير مسبوقة على الإطلاق.
جاءت سيطرة المقاومة على مدينة المجدل المحتلة في محاولة لإفهام العدو أنه ما من شيء يقف في طريق المقاومة، وأن التحرير قادم، وأن المقاومة لن تسمح بخنقها. لقد كانت شروط المقاومة للانسحاب من المجدل: رفع الحصار البري والجوي والبحري نهائياً عن غزة، وتعهد مصر بعدم إغلاق معبر رفح للبضائع والأفراد نهائياً، وتركه يعمل على مدار الساعة وطوال أيام السنة دون توقف أو اعتراض على سفر أحد، وتنظيم ذلك مع حكومة غزة باتفاقية ثنائية. ووقف أي تعديات صهيونية على قطاع غزة وعدم الطيران في أجوائه أو الوصول إلى مياهه على مدى عشرين ميلاً لمدة عامين. وتأمين انسحاب لواء المجدل بضمانات دولية، وبتهديدها بتفجير مدينة المجدل إذا ما اعترضت (إسرائيل) طريق انسحابهم. وقد كانت المقاومة قد نشرت قنابل قابلة للتفجير عبر اتصال هاتفي في مناطق كثيرة من المجدل، بحيث تستخدمها إذا مست (إسرائيل) بلواء المجدل أو أحد أفراده.
نجحت المقاومة في لي ذراع العدو، وفرضت شروطها، وحررت القطاع نهائياً من حصار لازمه لثماني سنوات عجاف، وأثبتت قدراتها الهجومية التي استخدمت بعضها، ورفعت منسوب الأمل لدى الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية بعد سنوات طويلة من الخضوع والتراجع، فكان لخطوة المقاومة هذه ما بعدها، حيث أججت مشاعر الأمة العربية وهبّت مجدداً تنشد الحرية والكرامة في جولة ربيع عربي أكثر أملاً بمستقبل مشرق مع مقاومة تتحدى صلف العدو وتمرغ أنفه في التراب. إن شاء الله.
د.عصام عدوان
وصل لواء من المقاومة الفلسطينية من غزة إلى مدينة المجدل المحتلة. لم يكن أحد يتوقع ذلك، ولم يخطر ببال جيش العدو اليهودي أن المقاومة تفكر مجرد تفكير في أمر كهذا. انتشر أفراد اللواء في أحياء وشوارع مدينة المجدل كأنهم يعرفونها حق المعرفة. صدرت لهم الأوامر بالسيطرة على كل البنايات العالية والتعامل مع سكانها كرهائن. وما هي إلا دقائق لم تتجاوز ربع الساعة حتى أصبحت كتائب المقاومة تسيطر على كل البنايات الشاهقة وتتمترس فيها وتنصب بنادق القنص والصواريخ المطورة محلياً من فوق أسطحها، بعضها موجه ضد الطائرات المحتمل أن تنزل قوات المظلات، وبعضها موجه نحو شوارع المدينة تحسباً من مرور مدرعات ودبابات وقوات مشاة إسرائيلية. بعض الصواريخ وُجِّه نحو المنشآت الاستراتيجية في المدينة لتدميرها إذا صدرت الأوامر بذلك.
المقاومة الفلسطينية لم تكن يوماً بمثل قوة العدو اليهودي المدعوم عربياً ودولياً. وهي تحصل على سلاحها بشق الأنفس وبتبرعات بعض المحسنين هنا وهناك، ويتم تهريبها عبر الحدود مع مصر. وقد تعرض تسليحها لأزمة كبيرة منذ أن دمرت مصر الأنفاق التي تربطها بقطاع غزة في عام 2013م. منذ ذلك الحين والمقاومة تتجه لتطوير قدراتها القتالية والتسليحية ذاتياً، فاستطاعت أن تطور صاروخ (م75) ليصبح أطول مدىً وأكثر دقة وأكبر تفجيراً. وطورت أجهزة اتصالاتها بحيث لا يمكن للعدو اختراقها أو رصد إشاراتها. وطورت استحكامات ووسائل رصد وأدوات قتالية ودفاعية. ووضعت المقاومة نظاماً جديداً للتدريب يعتمد العقيدة الهجومية بجانب الدفاعية وعدم الاقتصار على العقيدة الدفاعية. لقد حفز الحصار المصري المقاومة على تحدي الظروف وابتكار وسائل لا يتقنها ولا يجاريها العدو رغم تفوقه العسكري.
لقد أحسن العدو وسلطة أوسلو والنظام العربي والدولي أن فرض حصاراً مشدداً على قطاع غزة وحكومة المقاومة، ولم يفتح أمامها العالم لتتلوث أفكارها بمنطق الهزيمة والخضوع والتعايش السائد في معظم الدول، فاحتفظت بكرامتها وبهمة المقاومة وبمنطق العداء وعدم التعايش مع العدو المحتل. لقد كان الحصار الخطوة الأولى نحو بناء مشروع تحرير فلسطين. وأدت سياسات سلطة أوسلو واتفاقها المعترف بيهودية (إسرائيل) وتصفية الثوابت الفلسطينية إلى تعزيز مكانة حكومة المقاومة في غزة حيث مثَّلت رأس الحربة في مواجهة المشروع الصهيوني برمته. وفي الوقت الذي ظن فيه العدو وحلفاؤه في المنطقة بأن الخناق قد أطبق على غزة بعد وصول النظام الانقلابي للحكم في مصر وشرعنته، كانت المقاومة تحضِّر لعملية تاريخية وغير مسبوقة على الإطلاق.
جاءت سيطرة المقاومة على مدينة المجدل المحتلة في محاولة لإفهام العدو أنه ما من شيء يقف في طريق المقاومة، وأن التحرير قادم، وأن المقاومة لن تسمح بخنقها. لقد كانت شروط المقاومة للانسحاب من المجدل: رفع الحصار البري والجوي والبحري نهائياً عن غزة، وتعهد مصر بعدم إغلاق معبر رفح للبضائع والأفراد نهائياً، وتركه يعمل على مدار الساعة وطوال أيام السنة دون توقف أو اعتراض على سفر أحد، وتنظيم ذلك مع حكومة غزة باتفاقية ثنائية. ووقف أي تعديات صهيونية على قطاع غزة وعدم الطيران في أجوائه أو الوصول إلى مياهه على مدى عشرين ميلاً لمدة عامين. وتأمين انسحاب لواء المجدل بضمانات دولية، وبتهديدها بتفجير مدينة المجدل إذا ما اعترضت (إسرائيل) طريق انسحابهم. وقد كانت المقاومة قد نشرت قنابل قابلة للتفجير عبر اتصال هاتفي في مناطق كثيرة من المجدل، بحيث تستخدمها إذا مست (إسرائيل) بلواء المجدل أو أحد أفراده.
نجحت المقاومة في لي ذراع العدو، وفرضت شروطها، وحررت القطاع نهائياً من حصار لازمه لثماني سنوات عجاف، وأثبتت قدراتها الهجومية التي استخدمت بعضها، ورفعت منسوب الأمل لدى الشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية بعد سنوات طويلة من الخضوع والتراجع، فكان لخطوة المقاومة هذه ما بعدها، حيث أججت مشاعر الأمة العربية وهبّت مجدداً تنشد الحرية والكرامة في جولة ربيع عربي أكثر أملاً بمستقبل مشرق مع مقاومة تتحدى صلف العدو وتمرغ أنفه في التراب. إن شاء الله.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية