(181) المشئوم
د. أيمن أبو ناهية
في 29 سبتمبر من عام 1947م أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثانية القرار رقم (181)، الذي بموجبه أوصت بتقسيم فلسطين إلى دولتين واحدة عربية بنسبة (42.88%) من مساحة فلسطين وأخرى يهودية بنسبة (55.47%)، وأن تبقى مدينتا القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية بنسبة (0.65%) من المساحة.
يعد هذا القرار الأكثر خطورة من القرارات الدولية كافة من الناحية السياسية؛ لأنه يتناول موضوع الأرض والسكان في آن واحد، وقد فتح الباب نحو اكتساب الاحتلال شكلًا من أشكال السيادة القانونية والحقوق التاريخية في فلسطين، ما يتناقض مع كل حقائق التاريخ من جهة، ويعزز السيادة السياسية للاحتلال، التي حققها بوسائل القوة والإكراه بعيدًا عن كل مصادر الشرعية من جهة أخرى.
الكيان العبري لم ينفذ قرار التقسيم غير القانوني، وفي المقابل استمر في تنفيذه سياسة التطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني، بعمليات القتل الممنهج على أيدي العصابات الصهيونية، واستخدام سياسة "الهمس" وبث الشائعات لإخافة الفلسطينيين ودفعهم إلى الهجرة، والاستيلاء تدريجًا على ممتلكاتهم وأراضيهم، ولم يكتف الكيان بالسيطرة على 55.47% من مساحة فلسطين تطبيقًا لقرار التقسيم، إنما تعداه ليحتل أراضي فلسطينية أخرى لتصل المساحة الإجمالية للاحتلال مع انتهاء الانتداب البريطاني وإعلان إقامة "دولة (إسرائيل)" في 15/5/1948 إلى ما نسبته 78% من أرض فلسطين، ومنذ ذلك الوقت حتى الآن لم تستجب سلطات الاحتلال لأي من القرارات الأممية إلا بما يتوافق مع مصلحتها الإستراتيجية.
وفي محاولة للتكفير عن الذنب أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة التي كانت وراء إصدار قرار التقسيم 2/12/1977م يومًا للتضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني في ذكرى تقسيم فلسطين، وأيضًا في إجراء تقليدي من كل عام تعقد اللجنة المعنية بممارسة الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني اجتماعًا خاصًّا يشارك فيه الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن ورئيس الجمعية العامة، إلى جانب عدد من ممثلي الدول؛ للتعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، ويصدر الأمين العام رسالة خاصة بالمناسبة يتمنى فيها السلام العادل والدائم وفقًا لقرارات مجلس الأمن، دون ذكر لقرار حق عودة اللاجئين الفلسطينيين رقم (194)، فكيف لنا أن نتقبل _إن جاز التعبير_ هذا العزاء الذي لم يعترف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين؟!، هذا ليس تضامنًا معنا، وإنما تآمر علينا وعلى قضيتنا، حين تكيل الأمم المتحدة بمكيالين، وتعمل بموجب وعد بلفور "إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق"، هذا أوجد دولة تحتل كل فلسطين ولا تبقي ولا تزر؟!
التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني كان من المفترض أن يأخذ طابعًا عمليًّا ليشكل مفصلًا إستراتيجيًّا لضرورة الاهتمام وتفعيل التضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي بات مهددًا بالقتل والتهجير ومصادرة الأراضي والممتلكات، إلا أن حاجة التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني بلغت أوجها عند وقوع مسألتين: الأولى تسبب الكيان الصهيوني ومعه الأمم المتحدة بنشوء مشكلة لأكثر من مليون فلسطيني، وصل عددهم في الوقت الحالي إلى ما يزيد على سبعة ملايين تحولوا إلى لاجئين مشتتين في بقاع الدنيا، والثانية قبول الكيان العبري في هيئة الأمم المتحدة الذي كان بمنزلة اعتراف جماعي بـ"دولة الاحتلال".
يبدو أن محاولات الدول الأوروبية للتكفير عن ذنبها باضطهاد اليهود إبان الحرب العالمية الثانية بتسهيل هجرتهم إلى فلسطين، وتوفير مستلزمات الدعم المالي واللوجستي كافة، وتأمين الغطاء السياسي والقانوني للهجرة؛ لم تكن إلا لتوقع تلك الدول في مشكلة إستراتيجية، خاصة على مستوى احترامها وتطبيقها للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات والمواثيق الدولية ذات الصلة، إلا أن تلك الدول ومعها الكيان العبري آنذاك استطاعت أن توظف تلك المشكلة، وتعدها فرصة لتحقيق مخططاتها، لذلك وتحت تأثير التعاطف العالمي مع اللاجئين الفلسطينيين، وللتخلص من عبء تحمل المسؤولية الدولية، والتخفيف من الضغط الشعبي على صانعي القرار، ولتحقيق الرؤية الأمريكية والإسرائيلية بعدم عودة اللاجئين وتوطينهم في الدول المضيفة؛ اتخذت الجمعية العامة القرار رقم (212) في تاريخ 19/9/1948م بإنشاء صندوق خاص بإغاثة اللاجئين، ثم استبدلت به وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) وفقًا للقرار رقم (302) في 8/12/1949م، حينها بدا ينظر المجتمع الدولي إلى الشعب الفلسطيني أنه مجرد مجموعة من اللاجئين بحاجة إلى تأمين المسكن والملبس والغذاء والدواء، وهم عاجزون عن العودة، أي أن معالجة قضيتهم أصبحت من منطلق أنهم لاجئون أفراد، لا أنها قضية شعب بحاجة إلى تقرير مصيره بعد عودته إلى دياره.
فشلت مساعي (أونروا) في تحقيق الغاية المطلوبة منها، وتحولت إلى شاهد زور على جريمة نكبة فلسطين، وما السعي الإسرائيلي الدائم والغربي النسبي لشطب وكالة الغوث إلا لهذا الغرض.
د. أيمن أبو ناهية
في 29 سبتمبر من عام 1947م أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثانية القرار رقم (181)، الذي بموجبه أوصت بتقسيم فلسطين إلى دولتين واحدة عربية بنسبة (42.88%) من مساحة فلسطين وأخرى يهودية بنسبة (55.47%)، وأن تبقى مدينتا القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية بنسبة (0.65%) من المساحة.
يعد هذا القرار الأكثر خطورة من القرارات الدولية كافة من الناحية السياسية؛ لأنه يتناول موضوع الأرض والسكان في آن واحد، وقد فتح الباب نحو اكتساب الاحتلال شكلًا من أشكال السيادة القانونية والحقوق التاريخية في فلسطين، ما يتناقض مع كل حقائق التاريخ من جهة، ويعزز السيادة السياسية للاحتلال، التي حققها بوسائل القوة والإكراه بعيدًا عن كل مصادر الشرعية من جهة أخرى.
الكيان العبري لم ينفذ قرار التقسيم غير القانوني، وفي المقابل استمر في تنفيذه سياسة التطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني، بعمليات القتل الممنهج على أيدي العصابات الصهيونية، واستخدام سياسة "الهمس" وبث الشائعات لإخافة الفلسطينيين ودفعهم إلى الهجرة، والاستيلاء تدريجًا على ممتلكاتهم وأراضيهم، ولم يكتف الكيان بالسيطرة على 55.47% من مساحة فلسطين تطبيقًا لقرار التقسيم، إنما تعداه ليحتل أراضي فلسطينية أخرى لتصل المساحة الإجمالية للاحتلال مع انتهاء الانتداب البريطاني وإعلان إقامة "دولة (إسرائيل)" في 15/5/1948 إلى ما نسبته 78% من أرض فلسطين، ومنذ ذلك الوقت حتى الآن لم تستجب سلطات الاحتلال لأي من القرارات الأممية إلا بما يتوافق مع مصلحتها الإستراتيجية.
وفي محاولة للتكفير عن الذنب أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة التي كانت وراء إصدار قرار التقسيم 2/12/1977م يومًا للتضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني في ذكرى تقسيم فلسطين، وأيضًا في إجراء تقليدي من كل عام تعقد اللجنة المعنية بممارسة الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني اجتماعًا خاصًّا يشارك فيه الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن ورئيس الجمعية العامة، إلى جانب عدد من ممثلي الدول؛ للتعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، ويصدر الأمين العام رسالة خاصة بالمناسبة يتمنى فيها السلام العادل والدائم وفقًا لقرارات مجلس الأمن، دون ذكر لقرار حق عودة اللاجئين الفلسطينيين رقم (194)، فكيف لنا أن نتقبل _إن جاز التعبير_ هذا العزاء الذي لم يعترف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين؟!، هذا ليس تضامنًا معنا، وإنما تآمر علينا وعلى قضيتنا، حين تكيل الأمم المتحدة بمكيالين، وتعمل بموجب وعد بلفور "إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق"، هذا أوجد دولة تحتل كل فلسطين ولا تبقي ولا تزر؟!
التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني كان من المفترض أن يأخذ طابعًا عمليًّا ليشكل مفصلًا إستراتيجيًّا لضرورة الاهتمام وتفعيل التضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي بات مهددًا بالقتل والتهجير ومصادرة الأراضي والممتلكات، إلا أن حاجة التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني بلغت أوجها عند وقوع مسألتين: الأولى تسبب الكيان الصهيوني ومعه الأمم المتحدة بنشوء مشكلة لأكثر من مليون فلسطيني، وصل عددهم في الوقت الحالي إلى ما يزيد على سبعة ملايين تحولوا إلى لاجئين مشتتين في بقاع الدنيا، والثانية قبول الكيان العبري في هيئة الأمم المتحدة الذي كان بمنزلة اعتراف جماعي بـ"دولة الاحتلال".
يبدو أن محاولات الدول الأوروبية للتكفير عن ذنبها باضطهاد اليهود إبان الحرب العالمية الثانية بتسهيل هجرتهم إلى فلسطين، وتوفير مستلزمات الدعم المالي واللوجستي كافة، وتأمين الغطاء السياسي والقانوني للهجرة؛ لم تكن إلا لتوقع تلك الدول في مشكلة إستراتيجية، خاصة على مستوى احترامها وتطبيقها للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات والمواثيق الدولية ذات الصلة، إلا أن تلك الدول ومعها الكيان العبري آنذاك استطاعت أن توظف تلك المشكلة، وتعدها فرصة لتحقيق مخططاتها، لذلك وتحت تأثير التعاطف العالمي مع اللاجئين الفلسطينيين، وللتخلص من عبء تحمل المسؤولية الدولية، والتخفيف من الضغط الشعبي على صانعي القرار، ولتحقيق الرؤية الأمريكية والإسرائيلية بعدم عودة اللاجئين وتوطينهم في الدول المضيفة؛ اتخذت الجمعية العامة القرار رقم (212) في تاريخ 19/9/1948م بإنشاء صندوق خاص بإغاثة اللاجئين، ثم استبدلت به وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) وفقًا للقرار رقم (302) في 8/12/1949م، حينها بدا ينظر المجتمع الدولي إلى الشعب الفلسطيني أنه مجرد مجموعة من اللاجئين بحاجة إلى تأمين المسكن والملبس والغذاء والدواء، وهم عاجزون عن العودة، أي أن معالجة قضيتهم أصبحت من منطلق أنهم لاجئون أفراد، لا أنها قضية شعب بحاجة إلى تقرير مصيره بعد عودته إلى دياره.
فشلت مساعي (أونروا) في تحقيق الغاية المطلوبة منها، وتحولت إلى شاهد زور على جريمة نكبة فلسطين، وما السعي الإسرائيلي الدائم والغربي النسبي لشطب وكالة الغوث إلا لهذا الغرض.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية