في الليلة الظلماء يفتقد البدر
مصطفى الصواف
سنوات ست مرت على غياب بدر فلسطين الشيخ أحمد ياسين ، والذي اغتالته قوات الاحتلال الصهيوني في الثاني والعشرين من فجر يوم الاثنين في شهر مارس 2004 عندما استهدفته طائرات الأباتشي الصهيونية أثناء خروجه من مسجد المجمع الإسلامي بعد أن أدى صلاة الفجر عقب اعتكافه ليلة الاستشهاد داخل المسجد، خاتماً حياته قائماً مصلياً صائماً ليومه الذي استشهد فيه، واستشهد معه العديد من محبيه وجيرانه.
انتصر الشيخ للحق وللدين ولفلسطين ، وعاش حياته مجاهداً داعياً بين المساجد، والبيوت، وفي المدارس، وفي كافة المحافل التي حل بها ضيفاً، حمل الهم رغم أنه مثقل بالهموم، حيث الشلل الذي أصابه كان يمكن له أن يتخذه مبرراً للقعود، ولكن وقف في الوقت الذي قعد فيه الأصحاء عن نصرة الدين والحق، ولم يقتصر دوره على الدعوة إلى الله ولو بقي عليها لكفته، وكانت له أمام الله حجة يحتج بها؛ ولكنه حمل ما يجب أن يحمل من هم الوطن فدافع عنه، ودعا إلى حمل السلاح، وجمعه وأشرف على جمعه، ودرب حامليه، فكان الحامل، والخازن، والمنظم، والموجه، وحامل التوقيت.
الحديث عن الشيخ الشهيد لا تتسعه الكلمات، حيث حياته حافلة بالجهاد، والمقاومة، والإصلاح والمرض، والقيادة، والاعتقال، ربما لا نجد في حياة إنسان من العبر، والحكم، والذكريات ما حوتها سيرة الشيخ (رحمه الله)، كنت أتمنى أن أعايشه منذ ما وعيت على معنى المعايشة، والمعرفة، والإدراك، لربما سجلت الوقائع والأحداث دقيقها، وكبيرها، عظيمها، وصغيرها وجمعت ذلك ، لا شهرة ، ولكن حتى تكون دقائق حياته بين يدي الناس يتعلمون منها ففيها دروس يستفاد منها، وتدرس للأجيال القادمة.
عايشت الشيخ في سنوات عمره الأخيرة أدركت أنه فاتني الكثير من الخير، رغم أنني فكرت بزيارته في الثمانينيات، ولكنني لم أكن املك الشجاعة، ومرت السنوات، وبدأت علاقتي به تتوطد خاصة بعد الإفراج عنه عقب الصفقة التي عقدها الملك الأردني الراحل حسين بن طلال في أعقاب فشل محاولة اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخامس والعشرين من سبتمبر من عام ألف وتسعمائة وسبعة تسعين، عندها كنت أعمل في الصحافة، وشخصية مثل شخصية الشيخ أحمد ياسين، شخصية إعلامية كونه يقود حركة المقاومة الإسلامية حماس التي وقف العالم أمامها وقفة طويلة ولازال، فكنت دائم الزيارة له واستضفته في مكتب الجيل للصحافة لعمل حوارات مباشرة لموقع إسلام أون لاين.
لم يكن رحمه الله يرفض طلباً رغم المشقة التي يعانيها في الانتقال والتحرك، ولكنه كان يدرك أهمية الإعلام ودوره وأهمية الانتشار عبر وسائله المتعددة فكان رحمه الله صديقاً للإعلام وصديقاً للإعلاميين، يسمع ويُسمع، ويداعب ويمازح بما هو خير، لو كان لديه مساحة من الوقت لم يكن ليعتذر، كان يدرك أن نهم الإعلام كبير، وحاجة حماس وفلسطين للإعلام أكبر.
كان في الفترة الأخيرة من حياته كثير المرض، وخاصة التهابات الصدر، والتي تأتيه فجأة، فلو كان رحمه الله قد أعطى وعداً لا يخلفه ويصر على تنفيذه رغم محاولات من كان حوله في منع من يأتي إليه بموعد مسبق، محقون هم، خائفون على صحة الشيخ مدركون مرضه؛ ولكنه كان وفياً إذا وعد صدق، قد يختصر؛ ولكن يعطي الصحفي وقته وما يريد.
كان رحمه الله صديق الصحفيين بل ربما شيخ الصحفيين، يجيز، ولكنه إيجاز العالم المُعلم، لا يكذب أو يلون في السياسة، أو يحور المواقف السياسية كما يُفعل في زماننا، فلم يكن مراوغاً، متبدلاً، أو متغيراً في خطابه السياسي، فالموقف الواحد لو غاب عنه سنوات، أو شهور، وإذا استدعى الأمر أن يعبر عن نفس الموقف تجد موقفه ثابتاً بل متطابقاً معنى وقولاً، فالثوابت لديه لا تتغير بتغير الأزمان، أو تغيُّر المصالح وتبدلها، هو كذلك كان واضحاً صريحاً سياسياً محنكاً، عندما يتحدث يحرك الإعلام والسياسة، ليس في فلسطين، بل في المنطقة وفي العالم.
رحمك الله شيخي ، وسأذكرك ما دمت حياً، وأدعو الجميع أن يتعلموا منك ما يجهلونه، لأنك مدرسة في الخلق، والسياسة، والاجتماع، والصدق، والإدارة، وحب الناس، أرجو أن نجد طريقاً نحو فهم الشيخ فهما حقيقياً لا عاطفياً؛ لأننا بحاجة إلى مدرسة الصدق التي بناها وطبقها في حياته.
ما أحوجنا اليوم إليك شيخنا، نفتقدك في حلكة الظلام الذي نعيش، وحالة التيه التي نحيا، وهذا التخبط الذي تمر به القضية، نحن بحاجة إلى قادة مثلك ذوي نظر بعيد، وحكمة بليغة، وقيادة واعية بالمرحلة ومتطلباتها.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية