في ذكراه السادسة
"الياسين" قائد حركي في عيون المؤسسين
"الياسين" قائد حركي في عيون المؤسسين
الحسنات: قوة شخصية أحمد ياسين أتت من قوة ضعفه
طه: أولوياته كانت تربية الجيل وتحرير الوطن
شمعة: اعتمد سيرة الرسول كمرجعية للتعامل وتنظيم حماس
كل ما أصبو إليه أن أعبث بزهور مارس في حديقته فتتنسموا عبير قيادته ورحيق دربه الذي أفنى معه عقودا من الزمن مجاهدا دون كلل .اسمحوا لي أن أذكركم بالشيخ الشهيد أحمد ياسين كقائد "حركي" في ذكرى استشهاده عبر حديث القادة المؤسسين الذين عايشوه .
أحمل لكم شهادات عتيقة عن ذلك الشاب قليل الحركة حاد الذكاء أو قل ذلك الرجل المقعد صاحب النظرة الثاقبة الذي أسس جيلا وحركة عرفت به وعرف بها حتى رحل ليزداد وإياها شهرة وشكيمة في مواجهة الاحتلال.
صفات قيادية
يسند الشيخ أبو أيمن طه مرفقيه إلى مكتبه في بلدية البريج التي يرأسها مفتتحا الحديث عن معرفته بالشيخ حين كانا تلاميذ في مدرسة فلسطين عام 1955 فيقول:"كان حاد الذكاء وجمّ التواضع مشهود له بالفهم العميق وهو مع ذكائه وتواضعه يقبل الرأي الآخر بلا استعلاء ولا تحقير ولا إساءة فهو حقا من القلة التي تعتبرها رجلا بأمّة" .وشهد الشيخ طه احمد ياسين خلال زياراته كواعظ متطوّع في المساجد وهو أمر مستغرب حينها حيث كانت الإدارة المصرية تحكم قطاع غزة وتنفرد بتعيين الوعّاظ .
وأكد طه أن الشهيد كان يعاني وضعا صحيا يتحرك معه بصعوبة ومع ذلك لا تمنعه المعاناة من مواصلة الدروس مسمعا من حوله ما يقول .
يضع طه كفه على وجهه متابعا:"مشهود له بالكفاءة والتأثير القوي وهو متعاون مع الكل والآن وإن فارقنا بجسده فتأثيره لازال قويا ونحن نذكره بصبره وثباته وعزيمته ولا أنسى مواقفه التي نعجز عن وصفها!" .
وفي الجمعية الإسلامية بمخيم النصيرات يجلس الشيخ حمّاد الحسنات حاملا في جعبته قسطا وافرا من حياة الشيخ الشهيد .
يحرّك الحسنات منظاره الطبي وهو يقول:"ياسين إنسان صاحب شخصية قوية وقوة شخصيته من قوة ضعفه فهو يظهر بخلاف شخصيته ورغم أن حركته قليلة ليست كبقية الناس إلا أن صوته مسموع وهو شديد الإصرار إن اقتنع بأمر وذلك منذ ان عرفته" .وأشار الحسنات أنه تعرّف على ياسين عام 61 حين كان لازال يستطيع المشي منفردا مع اعتلال واضح في صحته التي رافقت شخصية جذّابة التف من حولها الشباب وكبار السن .
وقال إن الناس بدؤوا بأخذ إرشادات الياسين في حين بدأ يظهر كثيرا في رحلات تربوية كان يقيمها الشباب الإسلامي على شاطئ غزة, فأضاف:"هناك كنت أراه محدثا والأغلب مستمعا فله قدرة نشر الدعوة بشكل ملفت للنظر ولم نتصور في البداية أن يصبح رأس الحركة الإسلامية إلا أن أثره حينها أعطى مؤشرات للمستقبل ومع مرور الأيام برزت شخصيته " .
اعتقل الشيخ الحسنات والشيخ ياسين سويا عام 1965 أيام الحكم المصري وقد لاحظ الحسنات في شخصية ياسين التأثير الكبير على من حوله فنقلت إدارة المعتقل ياسين لحجرة انفرادية رغم اعتلال صحته خوفا من تأثيره على الآخرين.
وفي مكتبه بمدرسة الأرقم شمال غزة يحمل الشيخ أبو حسن شمعة أحد مؤسسي حركة حماس الكثير من أخبار الشيخ ياسين كقائد ومؤسس حركي .ينظر الشيخ شمعة لمكتبه محركا قلم في يده ويقول:"أهم صفاته القيادية أن شخصيته استيعابية ولديه قدرة على تحمل المواقف دون انفعال فهو يقابل الأزمات بهدوء ولديه احترام لإخوانه ويسمع منهم قبل أن يقول رأيه ويجامل جلساءه " .
ويرى الشيخ شمعة أن ياسين امتاز بشمولية الرأي في كل موضوع وأنه كان قائدا لا يقلل من آراء الآخرين مؤمن بالشورى ويتنازل كثيرا أمام رأي الأغلبية.
*فكره الحركي
يغمض الشيخ أبو أيمن طه جفنيه لاستحضار شخصية ياسين الحركية فيؤكد أن ما كان يشغله أمران يشدد عليهما بأعماله قبل أقواله الأول هو تربية الجيل تربية صالحة والثاني تحرير البلاد ولم يترك مقاما إلا وتحدث عن ذلك .
وأشار طه الى أن ياسين لم يؤهله وضعه الصحي على الكتابة فحرص على توجيه من حوله باستمرار فكان على اتصال دائم بقادة حماس حتى في سجنه وكأنه موجود بينهم وقد امتاز معهم بالقيادة الجماعية رافضا الانفراد برأيه دائما .
وأضاف:"في البداية كان أشد المتحمسين للعمل الجهادي وحمل السلاح ورأى ضرورة تفعيل المقاومة المسلحة فسجل دورا كبيرا في البداية" .
كما تحدث الشيخ حماد الحسنات عن شخصية الياسين الحركية بعد حرب 1967 , فأضاف:"بدأنا بعد احتلال القطاع عام 67 في إعادة تنظيم الحركة وقبل ذلك كانت الاتصالات منقطعة فبدأنا نلتقي واجتمعنا للمرة الأولى في الشجاعية لاختيار هيئة إدارية للقطاع وانتخبنا الشيخ أحمد ياسين على رأسها وقد تمتع بثقة إخوانه وبقي على رأس حماس في كل الهيئات حتى اعتقل" .
ويفسّر الحسنات قوة تأثيره كقائد حركي صوته ضعيف إلا أن تأثيره في ذلك الجسد النحيل كان يتحلى بشخصية مؤثرة على الشباب وقد كان يصرّ على تفعيل المقاومة والعمل الجهادي منذ البدايات .
وأضاف:"أذكر موقفه من المقاومة وكنا جميعا نعارض ذلك لأننا نعلم عدم وجود إمكانية لذلك لكنه كان مصرا حتى علمنا بأنه عمل مع إخواننا في الأردن بالعمل السري العسكري الذي لم يعلم عنه أحد ".
ويصف الحسنات الشيخ ياسين قائلا:"ياسين هبة ربانية وليس نتاج عمل تربوي أنجز الشيخ احمد ياسين" فشخصية القائد كما يرى الحسنات هي بقدر ما يتمكن من التأثير في المجتمع من حوله .
وبرز تأثير الياسين الحركي كما يقول الحسنات في البداية في مخيم الشاطئ الشمالي حيث التف من حوله الشباب الذين أصبح منهم الآن القادة الكبار .
وأوضح الحسنات أن العمل الجهادي والحركي كان في الستينات حلما خاصة عامي 65-67 مضيفا:"لم نكن أصلا نتمكن من الالتقاء فقد كان يرافق كل منا مخبر كظله حتى انتهت حرب 67 وبدأ اليهود يتعاملوا مع الكل ونحن منهم إلى حين أننا فقط عدو وبعدها بدأنا نتحرك" .
ويتمتع الياسين كما يقول الشيخ أبو حسن شمعة بتأثير يشعر معه كل من يجالسه للمرة الأولى انه يعرفه منذ فترة طويلة فأضاف:"المرة الأولى التي قابلته فيها كانت عام 67 خرجت من عنده وكأني أعرفه فهو يمازح جلسائه لرفع الكلفة ويناديهم بأحب الأسماء لهم وذاكرته قوية وإن غبت عنه سنوات طويلة " .
وفي فكره الحركي أولويات لاحظها الشيخ شمعة فالشهيد الياسين يعتمد الرسول قدوة ويرى في سيرته العطرة مرجعية للتعامل وقد استمد من سيرته همته العالية فلم يقتصر رغم مرضه على الوعظ في المسجد القريب منه بل تعدى ذلك ليصل يوما إلى اجتماع للمعلمين في رام الله حين سمع بلقائهم في دورة فألقى فيهم درسا تربويا .
كما آمن بضرورة العمل المؤسساتي فأسس الجمعية الإسلامية والمجمع الإسلامي وشدد على تفعيل المقاومة وقد تنبأ بهزيمة وانسحاب الاحتلال من غزة .
وأضاف:"كرر كثيرا قول أن شارون قال إن نتساريم كتل أبيب حتى انسحب منها ثم تحدث كثيرا عن أراضي 67 كنقطة انطلاق" .
وخاطب الياسين من حوله كثيرا فقال إن الضعف الحالي في ظل قوة العدو سينقلب لأن الأيام دول بين الناس وأن عداء الفلسطينيين مع اليهود ليس لأنهم يهود بل لأنهم اغتصبوا الأرض .
*مواقف
ويذكر الشيخ أبو أيمن طه كيف منع الشباب من حوله من تأديب مشرف احد الأنشطة في مسجد ما حين حاول التطاول على الشيخ قائلا:"ألقى الشيخ درسا وعندما علم مشرف النشاط في ذلك المسجد قال سأمنع الشيخ من إلقاء الدروس إلا بإذن مني فأراد الشباب ضربه فمنعهم متوقعا تغير حال ذلك الرجل بعد حين وبالفعل حاد ذلك الرجل عن الطريق وساءت أحواله ولو أذن يومها بضربه لحدثت مشكلة يتشدق بها الكثير" .
ويذكر الشيخ الحسنات اجتماع ضم قيادة حماس في إحدى الليالي ولما حمي وطيس الخلاف بينهم ولم يتمكن الشيخ من إسكاتهم وسط نقاشهم واختلافهم أطفأ النور فسكت جميعهم وأدركوا ما يرمي له الشيخ, فأضاف:"أطفأ النور فصمت الجميع ثم أعاد النور للحجرة وذلك له مدلول تربوي كما أفهم وعمل محبب دون غلظة حيث أعاد النور وبدأ الحديث فينا من جديد" .
ويرى الشيخ أبو حسن شمعة أن الياسين كقائد حركي كان يؤمن بالعمل الدعوي ويعتمد الأسلوب العملي مستطردا:"مثلا مطلع الثمانينات أراد بعض الشباب محاربة الأفراح الماجنة وردعها بالقوة فرض وأكد أن علاجها يكون بإيجاد البديل الإسلامي فكان هو وراء الفرح الإسلامي المجاني كهدية لكل فرح" .
يضع الشيخ شمعة خطوطا بقلمه على ورقة أمامه مستذكرا درسا دينيا للشيخ ياسين في مسجد العباس حذر فيه يومها من مركز تبشيري ودعا الناس لجمع الكتب الإسلامية فأسس من حينها مكتبة مسجد العباس .
الاغتيال
واجمع القادة الثلاثة أن اغتيال الياسين وغياب المؤسس الحركي الأول في حماس لم يضعف حركتهم بل زادها قوة وتأثير في من حولها .
وأكد الشيخ طه أن اغتيال الياسين رغم ما أحدثه من ألم منح حماس دفعة للأمام وزادها إصرارا وقدرة على التحمل, قائلا:"حماس ليست مقرونة بوجود شخص رغم ألمنا باستشهاده وفقداننا قائد السفينة وهناك كفاءات ستكمل الطريق واليهود ندموا باغتياله فقد خابت حساباتهم " .
أما الشيخ الحسنات فيفسر عملية اغتيال الياسين رغم اعتلال صحته بأن الاغتيال كإجراء من صميم بروتوكولات الصهاينة وسياسة القضاء على الشخصيات المؤثرة, مضيفا:"بعد استشهاده أصبح كقائد حركي عنوانا وهم لم يفهموا أن الإسلام هو الذي يتحرك وليس الأشخاص" .
ووصف الحسنات نظرة الاحتلال باغتيال القادة والمؤسسين بأنها ضعيفة وقاصرة.
وترك الشيخ ياسين بعد رحيله جيلا من الشباب والقادة يديرون دفة السياسة والمقاومة في مرحلة تاريخية توقع هو نفسه أن تشهد تحولا كبيرا في القضية الفلسطينية وزوال الاحتلال الوشيك .
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية