هنا عباس
بقلم/الدكتور عطا الله أبو السبح
ما الذي اضطر عباس بأن يقاطع المفاوضات رغم فوائدها الكثيرة، ثم يعود إليها رغم أن الكثير يقولون : إنها فاشلة ، ولسان حاله يقول : هل انتهت حتى يُحكـَم بفشلها ؟ وما البديل ؟ أسئلة يثيرها المهتمون بمسيرة السلام ، ويبدو عباس حائراً في البحث عن إجابة ، و لهذا فإنه يتحرك بين أبعد نقطتين في الكرة الأرضية ، و لكن الشخص الوحيد الذي لا يسأله هو شعبه ؛ إذ لا يراه إلا من خلال الدائرة التي وجد فيها نفسه ، المليئة بالفساد المالي والأخلاقي والأمني ( حسب شبانة ) أو تلك الذي يحذر أن يقترب منها ، بعد أن أقسم أن يزيلها عن الوجود ، فليس فيها إلا الظلاميون والقتلة ، ولم يقتد بجيرانه الذين لا يجرؤ زعيمهم أن يتخذ قرارا يبدأ به المفاوضات أو يختمها إلا بالرجوع إليهم كافة ، أو من خلال نوابهم ، مع حرص زائد على بقاء النمط الديموقراطي هو الحكم ، في حين يعطل عباس وبطانته المجلس التشريعي منذ أول يوم جلس نواب الشعب تحت قبته.
والحقيقة أن عباس يريد حلا، و لو كان دولة، حتى وإن كانت بلا حدود ( حسب مشروع ساركوزي ) و حتى لو كانت بلا شعب بعد أن يشطب حق العودة ، حتى وإن كانت بلا سيادة ، فتكفي سيادة رجال الأمن الذين لا يعصون دايتون ما أمرهم ، و يفعلون ما يؤمرون ، حتى وإن كانت على شبر مقطع الأوصال بسبعمائة حاجز ، عباس يريد حلاً فعلاً ، و يصنع سلاما مع (إسرائيل)، رغم ما أكده المفكر اليهودي الفرنسي (ألان غريش ) : إن (إسرائيل) لا تريد سلاماً ، بل إن السلام هو عدوها الأكبر والأخطر ، وهو ما وافقه عليه المفكر الدبلوماسي الفرنسي اليهودي ( أريك رولو ) ... فالسلام لا يأتيها بمليارات الدولارات الأمريكية ، ولا ينفق سلعتها الإجرامية من طائرات التجسس وأقمار التجسس ، والسلام يحد من اغتصابها لأرض غيرها ، والسلام سيحرمها من دماء أطفال فلسطين الذي تصنع منه الفطير المقدس لتأكله في عيد العرش المجنون أو عيد المساخر ، وبالتالي فإن عباس لن يبلغ ما يريد من حل.
وما حل الدولتين إلا نكتة سمجة و سخيفة كنكتة ( سلام الشجعان ) الذي قتل عرفات و هو يحلم به ، ولم نسمع من الساسة الصهاينة من يتلفظ به ، مع فارق بسيط أن تسيفي أخذت تنادي بحل الدولتين رغم أنها لم تغسل يديها من دماء أطفال غزة ، ولم تنفض عن ثوبها غبار دمار عزبة عبدربه ، وبيت آل السموني والمجلس التشريعي ، يذهب عباس اليوم إلى ساركوزي عساه يجد عنده الجواب مع تقديم واجب الاعتذار من أن دبي كشفت عن بعض عصابة الموساد، فاتضح أنهم فرنسيون ولو بجواز السفر ( فالنتيجة واحدة ) ، ويعقد عباس العزم على أن يعود للتفاوض ولمَّا تجف دماء محمود المبحوح ، وكأن الشهيد ليس فلسطينيا وليس من رعايا عباس.
وليؤكد للعالم أن مقاطعته للمفاوضات كانت ( دلالا) أو ( دلعاً ) على نتنياهو ، و يربطها بشرط وقف الاستيطان وأخواته ، وإذا به يعود إليها دون أن يحقق شروطاً ، ولكن لفوائدها ، مع بعض ( الدلع ) أو ( الدلال) فيعود إليها على أن يجلس في غرفة أخرى ، و بينهما حاجز لا يبغيان أمام الكاميرات ، لتجري بشكل غير مباشر ، أي بلا اختلاط ، حتى لا يحنث في قسمه أو شبه القسم ، فيجني فوائدها ، ويتجنب الحنث بقسمه ... فهناك البساط الأحمر ، والموائد التي تضم أشهى المأكولات وأطايبها ، والسجاير والسيجار ، وهناك بـَدَلات السفر ، وهناك بـَذْلات السفر ، وهناك الحسان ، وهناك السبع نجوم و الموسيقى الهادئة ، وأفخم أنواع الخمور، وهناك الأفراح والليالي الملاح ( في غياب شبانة ) ، وهناك المؤتمرات الصحفية ومزيد من (البرافو) على اختطاف عناصر حماس ، وهناك القبل والأحضان ورضى السيد أوباما والدكتور رايس والسيدة ليفني ، وهناك المزيد من الخدمات للشركة الوطنية ، وهناك طي ملفات الفساد والسفالة والجاسوسية ، وهناك العمل على إطلاق حرية أنور شحيبر وأحمد حسنين ، وهناك مزيد من الحصار على غزة واغتيال بنيها ، وقصف أراضي المزارعين وهم فيها ، وهناك المشاريع التي ستمطر بها العواصم لتجعل من بقايا الوطن سنغافورة فيتحقق حلم عرفات على يدي سلام فياض ، وأما الخسارة الوحيدة أمام تلك الفوائد فهي ضياع الوطن وحق مواطنيه !! يعود عباس للمفاوضات و لكن غير المباشرة ، لتلك الفوائد العظيمة رغم رفض الذين لا يعرفون شيئا في السياسة أو القانون الدولي ، الذين هم الشعب الفلسطيني الذي لا يزال يرضى بعباس له لسانا.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية