د. م. يوسف محمود المنسي

لكِ الله يا ضفة الصمود ...د. م. يوسف محمود المنسي

السبت 20 يونيو 2009

لكِ الله يا ضفة الصمود ...

          د. م. يوسف محمود المنسي
               
في ظلام "أوسلو" وبعيداً عن ضوء النهار تحرك نفرٌ من المحسوبين على فلسطين وبِصَمتٍ يملؤه المكر والخداع وبعيداً عن عيون وسائل الإعلام، أبرموا ما سُمّيَ بعد ذلك بـ "اتفاقية أوسلو" وقالوا فيها إن دولة فلسطينية مستقلة ستُقام في حدود الرابع من يونيو 1967م وعاصمتها القدس الشريف وسيرتبط قطاع غزة بالضفة الغربية بطريقٍ آمن (كما أسموه) وبحدودٍ ومعابر مستقلة، ومطارات وميناء و.. و..، وقالوا إنها ستكون "سنغافورة الشرق الأوسط" حيث سَتُفتَح عليها أبواب الدنيا،وتتسابق إليها رؤوس الأموال و.. و.. هكذا قالوا وروجوا وهكذا كانت كذبتهم الكبرى،

فبعد مضي هذه السنين ما الذي حدث ؟؟ لقد كانت البداية الخبيثة لشق الصف الفلسطيني بين مُصَدقٍ لتلك الوعود وبين مُكَذبٍ لها، وتبع ذلك الفصل الكامل "تدريجيا" بين قطاع غزة والضفة الغربية، حتى أصبح حلماً بعيد المنال أن يتواصل أبناء قطاع غزة جغرافياً مع إخوانهم من أبناء الضفة الغربية، حتى بدى واضحاً أن ما أسموه في وعدهم المكذوب بالطريق الآمن بين الضفة والقطاع إنما هو "الحلم المفقود"، كما أن الوصول للقدس الشريف من غزة ، أو قل من الضفة الغربية نفسها أمراً بعيد المحال،

فانظر إلى قطاع غزة الذي أصبح نموذجاً فريداً من السجون الجماعية الكبرى، يُسجن فيه أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني، حصارٌ محكم وإغلاقٌ للمعابر حتى أمام الظروف الإنسانية والتي يمكن تسميتها بالكوارث، لم تشفع لأهل قطاع غزة بفتح معابرهم ورفع الحصار عنهم، بل وزاد الأمر عن ذلك بالاجتياحات المتكررة والتدمير الممنهج لكل مقومات الحياة الإنسانية في القطاع، والتي أعقبتها الحرب اللا أخلاقية ، الحرب الإسرائيلية المدمرة التي أهلكت الحرث والنسل ودمرت البيوت والأحياء السكنية، وانهار الاقتصاد الفلسطيني وتفشّت البطالة واتسعت رقعة الفقر، وعاد اللاجئون  من لجوءٍ إلى لجوءٍ جديد أكثر مرارة في مخيمات وحصار.

أما الضفة الغربية وما أدراك ما الضفة الغربية، فقد انتهت إلى تعدد الاحتلالات، احتلال للجيش الصهيوني الذي يستبيح كل مكان في ضفتنا الصامدة صباح مساء، حتى بلغت عدد مرات التوغل والاجتياحات الصهيونية في أقل الأسابيع ما يزيد عن 20 توغلاً، وزادت وانتشرت الحواجز ونقاط التفتيش الثابتة والمتحركة والطيارة و.. و.. بين مدن وقرى الضفة الغربية، وتمدد جدار الفصل العنصري وتلوى في كل الضفة الغربية ليلتهم آلاف الدونمات، ويفصل المناطق عن بعضها، ويجعل من المستحيل تخيل أن الضفة الغربية يمكن أن تعيش ككيان مترابط في ظل ما فعله هذا الجدار من تقطيع لأراضي  الضفة وتقسيمها لكانتونات ومعازل متفرقة،

واحتلال آخر إنه الاستيطان وانتشاره وتوسعه بطريقة سرطانية في كل الضفة الغربية، فقد تضاعف الاستيطان عشرات المرات، واختل التكوين الديموغرافي لمعظم مناطق الضفة وخاصةً في مدينة القدس، حيث أصبح التواجد العربي فيها أقلية نسبة للتواجد اليهودى، المستوطنات تنمو بسرعة، واستقدام المهاجرين اليهود من كل أصقاع الدنيا يسير على قدمٍ وساق، بينما يُطرَد المقدسيون من دورهم وتُهدّم بيوتهم وتُصادر أراضيهم، ويُحرَمون من ترميم وصيانة بيوتهم فضلاً عن التوسع فيها، هذه هي حال قدسنا الشريف، وهذه هي حال ضفتنا الأبيّة الصامدة.

ويزداد الأمر سوءاً حين تحولت الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية لذراعٍ جديد للجيش الإسرائيلي، إنه نوع جديد من الاحتلال أصبح همه الأساسي والوحيد هو ملاحقة المقاومة واستئصالها من جذورها وحماية المحتل الصهيوني، إنها تعليمات صريحة وواضحة يتلقونها من الحاكم الحقيقي للضفة الغربية، إنه الجنرال الأمريكي "كيث دايتون" والذي تمكّن بمعونة عملاء الصهيونية من السيطرة على كل مفاصل الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، إنه التعاون المطلق بين الأجهزة الأمنية "الفلسطينية" بقيادة دايتون وبين جيش الاحتلال الإسرائيلي تحت مسمى "التنسيق الأمني" وهو الاسم البديل للخيانة العظمى" والأعجب من ذلك هو وجود تأييد دولي وإقليمي واسع لهذا التعاون، وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية ومعها ما تسمى بالرباعية الدولية، وآخرين ليسوا سوى أدوات طيّعة في أيدي الصهيونية العالمية تُحركهم فقط مصالح لا تمتُّ للوطنيةِ بِصِلة.

أما أولئك النفر الذين دبروا اتفاقية "أوسلو" وهم الذين يسعون بين فترة وأخرى لبث روح الحياة فيها كلما انكشفت سَوُءاتها أمام الشعوب، وهم يظنون بذلك أنهم قد رسموا المستقبل لهذه المنطقة، بل ذهب بعضهم لاعتبار أن ذلك أصبح قدراً يجب أن نتعايش معه، وانطلق يحلِّق بفكره الخبيث ليمتد بنفس الطريق للأمتين العربية والإسلامية محاولاً التغلغل فيها بفكره المسموم، ولكنه يخادع نفسه حين لا ينظر إلا للاتجاه الذي رسمه له أسياده في الغرب، ولو نظر حوله لرأى التغيير الحادث في المنطقة بأسرِها، إنها الصحوة الحقيقية والوعي السياسي لكل الشعوب، فلا يمكن أن يرضى أطفال اليوم فضلاً عن كبارهم بـ "أوسلو جديدة".

وأنت يا ضفة المقاومة والصمود يا ضفة الأحرار لكِ الله يا صابرة، فبرغم سواد هذا الليل الحزين والأفق المظلم، سيبزغ فجرك حتماً من جديد، فأبشري بالعزة والتمكين وسينهار عرش الطغاة وسيزول العملاء ولو تسلحوا بألف "أوسلو" من جديد.
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية