أسباب خفوت الهمة وتراجع الحماسة لإقامة الدولة الإسلامية(1-5)
سري سمّور
حلم بل هدف استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الدولة الإسلامية التي تحكم بما أنزل الله في كافة شئونها، من طنجة إلى جاكرتا، ومن غانا إلى فرغانة، ومن الأرز إلى النخيل، ظل يراود كثيرا من المسلمين، خاصة بعد إلغاء الخلافة العثمانية في تركيا، وفقدان المسلمين لأي مرجعية جامعة، ولو رمزية، مثلما كان حال السلطنة العثمانية في خريف عمرها.
هذا الحلم/الهدف مثّل القاسم المشترك الأكبر بين الحركات الإسلامية جميعا، فمع اختلاف المناهج والمدارس والأساليب والأدوات بين هذه الحركات، إلا أن هدفها بقي واحدا:إقامة الدولة الإسلامية.
ومع أن بعض الحركات الإسلامية ما زالت تنادي لتحقيق هذا الهدف، وجعله في مقدمة الأهداف الأخرى، وأكثرها أولوية، بل شرطا للتقدم نحو أي هدف أو بغية أخرى، مثلما ينادي حزب التحرير بإقامة الخلافة مثلا؛ إلا أن عموم الإسلاميين وأنصارهم، بل السواد الأعظم منهم، قد فترت حماستهم، وخفتت همتهم، وتراجع اندفاعهم، وضعفت عزيمتهم نحو هذا الهدف، وأصبح لديهم أهداف أخرى تسبقه وتتقدم عليه، هذا لو فرضنا أنه ما زال من الأهداف المركزية، وبات حديثهم ينصبّ حول ماهية الدولة المدنية، ومكان الدين فيها، بل انغمس بعضهم في تأويل النصوص، ومحاولة تطويعها لنظرية الدولة «الإسلامية» التي لا تحكم بما أنزل الله، بعكس ما قام عليه التنظير الفكري سنين طويلة، ونلحظ تراجع الإقبال على الأدبيات الحركية والفكرية التي تمجّد هذا الهدف، وتشرح أبعاده، وتبين خطورة الحياد عنه، لا سيما ما قدمه سيد قطب وأبو الأعلى المودودي...فلماذا هذا الفتور يا ترى؟ ونحن نتحدث عن هدف نبيل، ونعيش عصر تساقط الطغاة؟ وقد كنا دوما نردد قول الله تعالى في سورة المائدة:-
{ومن لم يحكم بما أنزل الله فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ}،{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ}،{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ}
لا شك أن هناك العديد من الأسباب لهذا الفتور؛ وبرأيي فإن أبرز الأسباب وأكثرها تأثيرا على الفرد والجماعة، تتلخص فيما يلي:-
أولا:الإحباط من التجارب وما آلت إليه:-
أواخر سبعينيات القرن العشرين عاشت الأمة بداية الصحوة الإسلامية، وكان الشعور العام أن المارد الإسلامي قد بدأ بالتململ، ورأينا أن الإسلام الذي غيّب عن الساحة، وظل مستبعدا عن إدارة شؤون حياة الناس، بفعل سياسات الأنظمة التابعة للشرق أو الغرب، وحركات المد الماركسي التي انتشرت كالسرطان في جسد الأمة، في أوج تعبها وضعف مناعتها، وكذلك بفعل ما عرف بالمد القومي بشقيه الناصري والبعثي...فقد عاد الإسلاميون في تلك الفترة بمختلف مدارسهم إلى العمل بحيوية وجدّ ونشاط، يحذوهم الأمل الكبير، بل اليقين بقرب انتصار المشروع الإسلامي، وبدأت المحجبات يظهرن في الشوارع والجامعات، بعد أن كان هذا الأمر شبه مستحيل، ومحل استهجان وسخرية من مجتمعات طال بعدها عن دينها، وامتلأت المساجد بالمصلين، بعد أن كان روّادها فقط كبار السن، وعادت حلقات تعلم القرآن الكريم، وحضر الشريط الإسلامي بقوة بات ينافس بها الأشرطة الأخرى، في زمن كان للشريط(الكاسيت) تأثيره الكبير، وأعفى شباب ورجال لحاهم معلنين أن هذا اقتداء بالسنة المطهرة، وشارك الإسلاميون في العمل النقابي الذي كان حكرا على العلمانيين والماركسيين، وحققوا نتائج جيدة في الانتخابات الطلابية والنقابية، وشمّروا عن سواعدهم لإغاثة الناس خاصة الفقراء، عبر القيام بالأعمال التطوعية والتبرع للمعوزين، وكانت القلوب تخفق فرحة بالتقدم المستمر، وازدياد المنتسبين والمناصرين للصحوة الإسلامية.
ووقعت بالتزامن مع انطلاقة الصحوة(1978-1979م) أحداث أخرى زادتها دفعا، ومن أهمها حدثين كانا وما زالا أحد أهم المؤثرات على المشروع الإسلامي في العالم بأسره؛ وأعني الثورة الإيرانية، واجتياح الجيش الأحمر السوفياتي لأفغانستان وبدء الجهاد الإسلامي المسلح ضده......يتبع.
سري سمّور
حلم بل هدف استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الدولة الإسلامية التي تحكم بما أنزل الله في كافة شئونها، من طنجة إلى جاكرتا، ومن غانا إلى فرغانة، ومن الأرز إلى النخيل، ظل يراود كثيرا من المسلمين، خاصة بعد إلغاء الخلافة العثمانية في تركيا، وفقدان المسلمين لأي مرجعية جامعة، ولو رمزية، مثلما كان حال السلطنة العثمانية في خريف عمرها.
هذا الحلم/الهدف مثّل القاسم المشترك الأكبر بين الحركات الإسلامية جميعا، فمع اختلاف المناهج والمدارس والأساليب والأدوات بين هذه الحركات، إلا أن هدفها بقي واحدا:إقامة الدولة الإسلامية.
ومع أن بعض الحركات الإسلامية ما زالت تنادي لتحقيق هذا الهدف، وجعله في مقدمة الأهداف الأخرى، وأكثرها أولوية، بل شرطا للتقدم نحو أي هدف أو بغية أخرى، مثلما ينادي حزب التحرير بإقامة الخلافة مثلا؛ إلا أن عموم الإسلاميين وأنصارهم، بل السواد الأعظم منهم، قد فترت حماستهم، وخفتت همتهم، وتراجع اندفاعهم، وضعفت عزيمتهم نحو هذا الهدف، وأصبح لديهم أهداف أخرى تسبقه وتتقدم عليه، هذا لو فرضنا أنه ما زال من الأهداف المركزية، وبات حديثهم ينصبّ حول ماهية الدولة المدنية، ومكان الدين فيها، بل انغمس بعضهم في تأويل النصوص، ومحاولة تطويعها لنظرية الدولة «الإسلامية» التي لا تحكم بما أنزل الله، بعكس ما قام عليه التنظير الفكري سنين طويلة، ونلحظ تراجع الإقبال على الأدبيات الحركية والفكرية التي تمجّد هذا الهدف، وتشرح أبعاده، وتبين خطورة الحياد عنه، لا سيما ما قدمه سيد قطب وأبو الأعلى المودودي...فلماذا هذا الفتور يا ترى؟ ونحن نتحدث عن هدف نبيل، ونعيش عصر تساقط الطغاة؟ وقد كنا دوما نردد قول الله تعالى في سورة المائدة:-
{ومن لم يحكم بما أنزل الله فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ}،{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ}،{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ}
لا شك أن هناك العديد من الأسباب لهذا الفتور؛ وبرأيي فإن أبرز الأسباب وأكثرها تأثيرا على الفرد والجماعة، تتلخص فيما يلي:-
أولا:الإحباط من التجارب وما آلت إليه:-
أواخر سبعينيات القرن العشرين عاشت الأمة بداية الصحوة الإسلامية، وكان الشعور العام أن المارد الإسلامي قد بدأ بالتململ، ورأينا أن الإسلام الذي غيّب عن الساحة، وظل مستبعدا عن إدارة شؤون حياة الناس، بفعل سياسات الأنظمة التابعة للشرق أو الغرب، وحركات المد الماركسي التي انتشرت كالسرطان في جسد الأمة، في أوج تعبها وضعف مناعتها، وكذلك بفعل ما عرف بالمد القومي بشقيه الناصري والبعثي...فقد عاد الإسلاميون في تلك الفترة بمختلف مدارسهم إلى العمل بحيوية وجدّ ونشاط، يحذوهم الأمل الكبير، بل اليقين بقرب انتصار المشروع الإسلامي، وبدأت المحجبات يظهرن في الشوارع والجامعات، بعد أن كان هذا الأمر شبه مستحيل، ومحل استهجان وسخرية من مجتمعات طال بعدها عن دينها، وامتلأت المساجد بالمصلين، بعد أن كان روّادها فقط كبار السن، وعادت حلقات تعلم القرآن الكريم، وحضر الشريط الإسلامي بقوة بات ينافس بها الأشرطة الأخرى، في زمن كان للشريط(الكاسيت) تأثيره الكبير، وأعفى شباب ورجال لحاهم معلنين أن هذا اقتداء بالسنة المطهرة، وشارك الإسلاميون في العمل النقابي الذي كان حكرا على العلمانيين والماركسيين، وحققوا نتائج جيدة في الانتخابات الطلابية والنقابية، وشمّروا عن سواعدهم لإغاثة الناس خاصة الفقراء، عبر القيام بالأعمال التطوعية والتبرع للمعوزين، وكانت القلوب تخفق فرحة بالتقدم المستمر، وازدياد المنتسبين والمناصرين للصحوة الإسلامية.
ووقعت بالتزامن مع انطلاقة الصحوة(1978-1979م) أحداث أخرى زادتها دفعا، ومن أهمها حدثين كانا وما زالا أحد أهم المؤثرات على المشروع الإسلامي في العالم بأسره؛ وأعني الثورة الإيرانية، واجتياح الجيش الأحمر السوفياتي لأفغانستان وبدء الجهاد الإسلامي المسلح ضده......يتبع.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية