أكاديميون عرب في هرتزليا ...بقلم : أمينة أبو شهاب

الأربعاء 08 فبراير 2012

أكاديميون عرب في هرتزليا


أمينة أبو شهاب

ما الذي تعنيه مشاركة شخصيات عربية ذات صفة أكاديمية وثقافية ودبلوماسية وقيادية مجتمعية في مؤتمر "إسرائيلي" مركزي وشديد التأثير في صناعة السياسات والتوجيهات العامة الداخلية، وهو مؤتمر هرتزليا؟

بالمناسبة الاسم يعود إلى مؤسس الصهيونية ثيودور هرتزل الذي أطلق على ما كان القرية العربية التي اسمها "سيدي علي"، وهي تستضيف هذا المؤتمر السنوي الذي هو اسم على مسمى بالفعل، حيث يسعى إلى تكريس الفكر الصهيوني وتسويق طروحات متطرفة في السياسة "الإسرائيلية".

عقد هذا المؤتمر بحضوره العربي، في الأسبوع الماضي مكملاً سنته الثانية عشرة حيث بدأ عام 2000. توجد على صفحة المؤتمر في شبكة الإنترنت الأسماء العربية ضمن قائمة المتحدثين الرئيسين، مما يعني أنهم صريحون في مشاركتهم في المؤتمر، وأنهم لا يمانعون في علانية حضورهم وما قد يثيره من نقاش ورد فعل في بلدانهم، هناك أيضاً الحضور الذي لا تتضمنه القائمة الرئيسة للمتحدثين بطبيعة الحال.

وهذا الحضور تم من "وراء ظهور" الشعوب والمنظمات ومختلف الانتماءات المجتمعية والشعبية، كما عبرت أصوات فلسطينية عدة أخيراً وهي تتحدث عن الجزء الفلسطيني من الحضور العربي في المؤتمر "الذين يحضرون المؤتمر يتبوأون مناصب عليا في حكومة السلطة الفلسطينية وفي منظمات غير حكومية وجامعات فلسطينية، منهم السياسيون والأكاديميون والأدباء، يساهمون كل سنة في هذا المؤتمر نبلاً منهم تجاه "إسرائيل" وأمنها وقدرتها على الاستمرار في احتلال الأرض وتشريد الشعب وتصفية القضية الوطنية"، هذه كلمات عبدالستار قاسم تعليقاً على المشاركة الفلسطينية من وراء الستار الإعلامي. أما المشاركة العربية فهي تتضمن أفراداً من سوريا ولبنان والأردن ومصر وغيرها.

الحضور والمشاركة العربية لا يمكن وصفهما إلا أنهما مشاركة في الهمّ الأمني والاستراتيجي "الإسرائيلي"، وذلك انطلاقاً من حقيقة اختصاص المؤتمر ودوره الذي يحدد السياسات كما لا يحددها الكنيست أو مجلس الوزراء "الإسرائيلي"، كما يقول العارفون بالشأن "الإسرائيلي"، فهو تجمع "إسرائيلي" أكاديمي سياسي مغلق على العقول "الإسرائيلية" وامتدادها في الغرب فقط. وهو لا يشبه في شيء المؤتمرات العربية الباذخة والقائمة على الحديث الشفاهي والبعد التام عن صياغة المستقبل والسياسات والقرارات. طريقة تنظيم المؤتمر تقوم على إعداد أوراق عمل تعتمد على دراسات وبحوث تندرج تحت قيادية لجان تنفيذية حسب مجالات هذه البحوث، حيث تتحول إلى شراكة علمية وأكاديمية مندمجة مع العامل التنفيذي على أرض الواقع.

أما عن انشغال مؤتمر هرتزليا فهو إدارة أزمة الوجود "الإسرائيلي" ووسائل سيطرته واستمراريته في محيطه السكاني الفلسطيني وإنذارات "قنبلته" التكاثرية، وكذلك في محيطه العربي العام، العنوان الذي يعمل في إطاره المؤتمر بشكل دائم هو: "ميزان المناعة والأمن القومي"، وقضاياه الأساسية هي قضية الوجود السكاني الفلسطيني، وكذلك الاستراتيجية السياسية المستقبلية وقضايا التعليم والهوية والبحث العلمي.

إن أكثر التوصيات والقرارات تأثيراً في السياسة الصهيونية كانت تخرج من الاجتماعات المغلقة للمؤتمر، أفكار مثل يهودية "إسرائيل" والترويج لترحيل الفلسطينيين وتحويلهم إلى لاجئين، ومثل إزالة الفروق بين اليمين واليسار "الإسرائيليين" والتوجه نحو الأصولية المتطرفة والحلول الأكثر جذرية مما لا يدع فرصة لأي تسوية سلمية.

المشاركة العربية في مؤتمر هرتزليا، إذاً، تفسر نفسها بنفسها، فهي مشاركة على مستوى العقول والفكر وتوظيف الأفهام وقدرات التحليل وتبادل المعلومات، وبما أنها كذلك فهي أولاً مشاركة في الخطوط العامة للتفكير وفي استيعاب المسائل كما هي "إسرائيلياً"، وهي في النهاية الوقوف على أرضية مشتركة من حيث الهم والأهداف البعيدة حتى إن اختلفت زاوية الطرح، كما يجري الزعم.

ظاهرة الحضور العربي في مؤتمر هرتزليا هي أبعد من أن تكون ظاهرة "تطبيع" كما تبدو للوهلة الأولى، وكما توصف، وهي بالتأكيد ليست "انفتاحاً" على "إسرائيل" كما وصفها رئيس الوزراء اللبناني السابق سليم الحص أخيراً وهو يحتج مقدماً استقالته من إحدى المؤسسات العربية حتى لا يلحق الضرر باسمه ونصاعته.

تبدو كلمة "التطبيع" محايدة وخفيفة إزاء موقف الأكاديميين والمثقفين العرب في مؤتمر هرتزليا، ربما لأن واضعي هذه المفردة في الزمن الأول لكامب ديفيد كانوا يفكرون في أشكال وأطر بعينها لا تتجاوزها العلاقة المحرمة عربياً ب "إسرائيل". ولم يصل أفق تصورهم إلى أنه سيكون هنالك تفكير جماعي مشترك مع العقول اليهودية حول طاولة واحدة في مؤتمر أمني استراتيجي.

وهكذا، إذاً، يمكننا القول إن أعلى مستوى للعلاقة يمكن الوصول إليه مع "إسرائيل" العدوة هو ما ظهر في هرتزليا حيث يتعانق العقل مع العقل ويتحدان في التفكير وحيث تذوب "عربياً وليس "إسرائيلياً" الفواصل والموانع النفسية والأخلاقية والقيمية المبدئية، ناهيك عن السياسية وغيرها. إنها علاقة داخلية عضوية تهون وتصغر دونها ربما التبادلات التجارية والدبلوماسية السرية، ذلك أن الأخيرة تبدو خارجية، بينما الأولى داخلية ونسيجية بالفعل. كما أنها تبدو صادرة عن قناعات ذاتية.

وعلى أية حال، فليست هذه العلاقة بين الأكاديمي والمثقف وبين المعتدي والمتحكم كما تجسدت في هرتزليا، إلا صورة حادة لامتدادات أخرى من العلاقات الشبيهة كشفتها معلومات ما بعد الثورات الملونة الديمقراطية العربية، حيث العبور نفسه إلى الضفة الأخرى وحيث توظيف العقل والمعلومات لمصلحة الأجنبي.

لقد ذكّرني موقف المثقفين والأكاديميين العرب الذين يشغلون عقولهم لمصلحة "إسرائيل" بالسسيولوجي العربي الأشهر "بحكم علاقته بالدوائر الغربية ليس إلا"، سعد الدين إبراهيم صاحب مركز ابن خلدون للدراسات في مصر، فهذا الأكاديمي تفاخر ولم يخف أبداً أنه كان في غرفة الاجتماعات، أو بالأحرى غرفة العمليات في البيت الأبيض في وقت المراحل الحرجة والحساسة في الثورة المصرية. لقد صرح للصحافة منها صحيفة تصدر في لندن بأنه كان إلى جانب باراك أوباما وهيلاري كلينتون وبايدن وغيرهم، شارحاً وناصحاً حول كيفية التدخل الأمريكي الذي يجب أن يكون لتوجيه مسار الثورة، وهذا ما جرى وما فعله باراك أوباما، وطوال عمره الأكاديمي كان سعد الدين إبراهيم ناصحاً ومقترحاً للأمريكي للتدخل في بلده مبرزاً نقاط الضعف الاجتماعي وقابضاً للدولارات، كما لا يخفي وكما لا تخفي الوثائق الأمريكية نفسها.

إنه نمط سيرة شخصي ينتمي إلى ممارسة عامة وصورة أكبر حيث المفكرون والكتّاب وقادة المجتمع المدني يجتازون الضفاف ويقفون في صف الآخر.

فهل نحن العرب في هذا جزء من ظاهرة كونية، أو أننا ظاهرة بارزة، بل ناتئة في هذا؟

صحيفة الخليج الإماراتية
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية