(إسرائيل) ودمقرطة العنصرية
د. أيمن أبو ناهية
شرعنت المحكمة العليا الإسرائيلية قانونا عنصريا جديد بما يسمى بـ"قانون المواطنة" الذي يجيز لسلطات الاحتلال منع لم الشمل العائلات والأسر العربية داخل الأراضي المحتلة 1948بزوجاتهم وأزواجهم من سكان قطاع غزة والضفة الغربية وسكان الدول الأربع التي تعتبرهم سلطات الاحتلال عدو وهي: إيران، العراق، سورية ولبنان، إضافة إلى السكان الذين يعيشون في "مناطق تجري فيها عمليات تشكل خطرًا على أمن مواطنيها، الأمر الذي يؤدي إلى تشتيت العائلات العربية إما بالطرد أو بالانفصال، متجاهلة بذلك حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وجميع القيم والقيم الإنسانية والأخلاقية ذات الصلة. والجدير بالذكر أن هذا القانون قد سن في بادئ الأمر من قبل جهات أمنية محضة في العام 2002 وتم عرضة على الكنيست وبقي بين التداول والتأجيل حتى تم إقراره بشكل رسمي ليضاف هذا القانون إلى باقي القوانين العنصرية التي تطبقها سلطات لاحتلال الإسرائيلية ضد المواطنين العرب حيث سبقه بأيام قليلة قانونا قد أقرته المحكمة العليا وهو "منع إحياء النكبة".
والحقيقة أن هذا القانون كان ساري المفعول منذ فترة طويلة تطبقه سلطات الاحتلال فعليا على المواطنين العرب بغض النظر عن الحالة الأمنية أو غير الأمنية بهدف إبعاد آلاف المواطنين العرب الذين لم يحصلوا على تصريح إقامة من الداخل ومن القدس تجمعهم مع عائلاتهم، ورغم أن القانون تم تعديله قبل ستة أشهر وأضيف عليه بند نص على إقامة لجنة حالات إنسانية استثنائية، لكن هذه اللجنة بقيت سرية لا يعرف أحد عنوانها وكيف يتوجه إليها، وهي لم تسعف أحداً ممن يعانون من هذا القانون العنصري اللا إنساني الذي مزق العائلات وفصل الزوج عن الزوج والأهل عن أبنائهم وبناتهم، كما منعهم من ممارسة حقهم في بناء عائلة والحفاظ على الروابط الأسرية والاجتماعية والثقافية مع أبناء شعبهم.
فهذا القانون هو قانون أثر رجعي انفصالي عنصري بامتياز فلا يرحم أبدًا، فماذا يفعل الفلسطينيون الذين تزوجوا قبل إقرار القانون، ولم يعلموا أن قواعد اللعبة قد تغيرت؟. إذن جاء هذا القانون ليقلب القاعدة، فبدلا من أن تكون للمواطن العربي داخل (إسرائيل) الحرية في اختيار شرك حياته وبيني أسرة في موطنه، يعاقبه هذا القانون بتجريده من هذا الحرية الاجتماعية ويلزمه بالذهاب إلى من يختاره شريكا حياته ، وهنا تبدأ عملية الترانسفير في حال اختار المواطن الذهاب للعيش مع شريكه في مكان آخر قد يتسبب ذلك بسحب مواطنته وبطاقة هويته، وهذا الأمر قد فصل فيه القانون الدولي الإنساني على انه مساس بكرامة الإنسان وحريته وحقه بالمساواة وحقه بالعيش بكرامة مع أسرته في بيت واحد.
وكعادتها تتذرع سلطات الاحتلال الإسرائيلية بحجج عنصرية انفصالية تلمودية لا حقيقة لها، حيث تعتبر أن الأنظمة الخاصة بلم الشمل هو إجراء امني، معتبرة أن لم شمل العائلات العربية سيقود إلى العودة إلى العمليات التفجيرية في (إسرائيل) وهذا الاعتقاد متناقض تماما مع الواقع، لان الزواج والزوجات الذين تزوجوا من عرب الداخل لم تصدر ضدهم أي لائحة اتهام أو مجرد شك 1% بارتكاب أعمال مخلة بالأمن، وفي الحقيقة سن هذا القانون بهدف تطبيق علمية ترانسفير جديد ضد العرب لتقليص أعدادهم أو انجاز التعبير التخلص منهم بأي شكل وتطبيق نظرية يهودية الدولة الخالية من الجنس العربي، وهذا يعد مثال صارخ على العنصرية والكذب لدولة تدعي لنفسا الديمقراطية، لأن الدوافع والأهداف الرئيسية من سن هذا القانون هي في حد ذاتها دوافع وأهداف ديمغرافية وليس له أي صلة بأي حال من الأحوال بالدوافع الأمنية كما تدعي السلطات الإسرائيلية.
إن هذا القانون ما هو إلا إجراء لاستكمال جدار الفصل العنصري الذي أنشأته سلطات الاحتلال وكلاهما يدرجان تحت بند يهودية الدولة بهدف التطهير العرقي بين اليهود والعرب وهي أيضا خطوة جديدة بطريقة فنية لتضيق الخناق على المواطنين العرب الفلسطينيين كي يسلموا بالأمر الواقع بتجريدهم من حقوقهم وممتلكاتهم وأراضيهم ومقدساتهم استعدادا لتهجيرهم كما فعلت في الماضي كي تحل محلهم يهود وتبني مستوطنات إضافية لهم على حساب ممتلكات العرب، بل هي خطوة سباقة تهدف من خلالها سلطات الاحتلال إلى حرمان الشعب الفلسطيني من حقه في قيام دولته على أرضة.
اختم قولي أن الديمقراطية الصحيحة تعني المساواة بين المواطنين وضمان حرياتهم والعيش بكرامة بغض النظر عن الجنس والعرق والدين واللغة واللون والعادات والتقاليد، لكن الديمقراطية من وجهة نظر (إسرائيل) المارقة على القانون الدولي لها مفهومها المختلف لا يصح أن نسميها بالدولة الديمقراطية لأنها لا تطبقها ولا تعمل بها حين تفرق بين مواطنيها وفي الحقيقة أنها تعمل على دمقرطة العنصرية. فلو نظرنا إلى الدول الديمقراطية الغربية نجد أنها تقر بجمع شمل العائلات والأسر الأجنبية لديها، وتقوم بتسهيل الإجراءات القانونية لمواطنيها بجلب زوجاتهم وأزواجهم الأجانب وتمنحهم الجنسية الوطنية كي يصبحوا مواطنين رسميين وتكفل لهم كافة الضمانات والحريات المطلوبة لتمكنهم من الاندماج في مجتمعاتهم، متخذة بعين الاعتبار الحفاظ على حقوق المواطنة وصون حقوق الإنسان التي أقرتها الأمم المتحدة.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية