إعلان دولة فلسطينية يتحكم بها الاحتلال!!
ياسر الزعاترة
الذين يرفضون أو يتحفظون على مشروع إعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد ، ومن ثم عرضها على مجلس الأمن الدولي ، لا يفعلون ذلك فقط لأن صاحب الإعلان أو المشروع هو سلام فياض الذي جيء به من البنك الدولي لكي يراقب حركة الأموال في عهد الراحل عرفات لكي يضمن المانحون عدم تدفق بعضها نحو "النشاطات الإرهابية" إبان انتفاضة الأقصى وحصار الأخير في مبنى المقاطعة في رام الله ، ولا لأن منسقيه والقائمين عليه هم أنفسهم الذين استولوا على حركة فتح بدعم أمريكي إسرائيلي ، بل أيضا لاعتبارات أخرى بالغة الأهمية.
معلوم أن الفيتو الأمريكي كان وسيبقى جاهزا لإفشال أي مشروع لا يصبّ في خدمة الدولة العبرية ، وهو ما ينطبق على المشروع الذي نحن بصدده ، لكن الخطورة هي تمريره من الولايات المتحدة تبعا لتفاهم ما مع الإسرائيليين ينطلق من واقع أنه سيصبّ في خدمتهم ، حتى لو واصلت الدوائر الإسرائيلية الحديث عن رفضه في العلن.
لو كانت المسارات الدبلوماسية هي الامتحان الحقيقي لنضال الفئة التي تتحكم بالقرار الفلسطيني لكان عليها أن تواصل النضال من أجل تفعيل قرار مهم وتاريخي صدر قبل سنوات بشأن الجدار الأمني العنصري في الضفة الغربية ، والذي لم يكتف في حينه باعتبار الجدار غير شرعي ومن ثم المطالبة بإزالته ، بل باعتبار كل الأراضي المحتلة عام 67 "أراضي محتلة" على الطرف الإسرائيلي الانسحاب منها دون شروط.
إن من يضع بيضه في السلة الأمريكية ، ويعيش في حله وترحاله ومعوناته ورواتبه واستثماراته على الإرادة الإسرائيلية لا يمكن أن يصاب بنوبة تحد لجبروته معلنا الشروع في برنامج ينتزع كامل الأراضي المحتلة عام 67 ، بما فيها القدس الشرقية من بين أسنانه.
مع ذلك ، دعونا نتجاهل لعبة النوايا هذه ونعتبر أن القوم قد أصيبوا بنوبة من الثورية تدفعهم بالفعل نحو تحدي جبروت الاحتلال ، ومن ثم الإعلان عن الدولة من جانب واحد ، ومن ثم الذهاب نحو المجتمع الدولي لكي يعترف بها ، ولنتساءل عن ماهية تلك الدولة في الواقع العملي.
لنتذكر ابتداء أن السيطرة الرسمية الفلسطينية (أمنيا) على مدن الضفة لا زالت تتم بالتدريج تحت سمع الاحتلال وبصره ، وبتنسيق كامل معه ، وبالطبع تحت إشراف الجنرال الأمريكي دايتون الذي يمارس عمله كالمعتاد مقدما إنجازاته بين الحين والآخر للدوائر الإسرائيلية ، ولمن يعنيهم أمرها في الخارج ، وهو يمارس تدريب الكتائب الفلسطينية الجديدة من "الفلسطينيين الجدد" الذي يعملون "بمهنية عالية" في ضبط الأمن في مناطق الضفة ومنع أية توجهات نحو مقاومة الاحتلال ، مجرد توجهات ، فضلا عن أن تكون محاولات عملية.
حتى الآن حصل الأمن الفلسطيني على حق ممارسة مهماته في أربع مدن فلسطينية ، هي رام الله وبيت لحم وجنين وأريحا ، مع بقاء حق الاحتلال في دخولها لاعتقال مطلوبين بتنسيق مع تلك القوى حتى لا يحدث الصدام ولو عن طريق الخطأ ، لاسيما أن فرق مستعربين هي التي غالبا ما تدخل تلك المناطق لاختطاف من تبقى من شباب المقاومة.
كل ذلك يعني أن بناء أجهزة الدولة العتيدة (الأمن من أهم عناصر بناء الدولة) يتم على عين الاحتلال ، ويمكن لهذا الأخير أن يعطل العملية في أي وقت يشاء ، والنتيجة أن الدولة العتيدة ستبقى هي ذاتها ، أي دولة على مناطق (أ) و (ب) بحسب تصنيفات أوسلو ، وتعيش نزاعا حدوديا مع جارتها العبرية ، تماما كما هو حال عشرات النزاعات الحدودية التي تزدحم بها أروقة الأمم المتحدة.
هذا هو بالضبط مشروع الحل الانتقالي بعيد المدى الذي اخترعه شارون وأسس على قاعدته حزب كاديما ، وهذا هو مشروع شاؤول موفاز وكاديما بطبعته الجديدة ، وهو ذاته السلام الاقتصادي الذي يطرحه نتنياهو.
من هنا ، فإن أية محاولة لتقديم المشروع بوصفه عملا نضاليا عظيما لا يبدو مقنعا ، لأنه في الواقع خدمة للاحتلال يكرس الصراع كنزاع حدودي بين جارتين ، وليس صراعا بين محتلين وشعب يقاومهم ويسعى إلى طردهم من أرضه.
بعد ذلك يراد لنا أن نصفق لهذا المشروع كبديل عن استئناف المفاوضات بشرط وقف الاستيطان ، مع أننا في الحالين أمام ذات البؤس السياسي الذي يتلخص في احتمالين ، إما دولة مؤقتة ذات نزاع حدودي مع جارتها ، يجري تأبيده بحكم الأمر الواقع ، أو حل مشوّه يعلم الجميع أنه لن يصل بحال حدود ما عرض على عرفات في كامب ديفيد صيف العام ,2000
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية