التطرف العلماني يوشك أن يقضي على فرص التعايش؟!(1/8)
سري سمّور
((إفشال الإسلاميين في الحكم استراتيجية حياة أو موت للقوى العلمانية حتى لو غرقت سفينة الوطن.)) } د.رفيق حبيب-مفكر قبطي مصري{
القوى العلمانية واليسارية والقومية والليبرالية –إلا من رحم ربي- تهدد السلم الأهلي، وتصرفاتها تكاد تعصف بالدول العربية التي فاز الإسلاميون في انتخاباتها العامة، وهي تمارس ديكتاتورية الأقلية، وترفض قبول نتائج العملية الانتخابية التي لطالما تغنت بقدسيتها، وتطالب بإعادة الانتخابات، ولو أن الانتخابات أعيدت ألف مرة ولم تـفز هذه القوى لطالبت بإعادتها مرة ثم مرات بعد الألف، بل عملت ما بوسعها، ومارست ما يجوز، وما هو منكر بهدف تأجيل أو إلغاء الاستحقاقات الانتخابية!
وبتنا نرى التوتر ومظاهر العنف في غير مكان، وأخذت هذه القوى تنادي علنا بضرورة الانقلابات العسكرية، وهي التي كانت تتهم الإسلاميين بمهادنة الحكم العسكري، واستخدم أتباعها وأنصارها بلطجية لتخريب مؤسسات الدولة ومقرات أحزاب إسلامية، بل وصل الأمر إلى مهاجمة المساجد والاعتداء على المصلين، فإلى أين ستصل الأمور، ونحن نرى صوت العقل يغيب، ومنطق الحوار يذوي ويتلاشى، لصالح أصوات التطرف والتطرف المضاد، والاحتكام إلى السنان بدل اللسان؟ الحديث هنا عن حالة التطرف العلماني السائدة عموما، وإن كان الغالب في هذا المقال المجزّأ هو إشارات واضحة أو ضمنية للحالة المصرية، نظرا لأن مصر يتجلى فيها الأمر بوضوح ولأن ميزان نهضة العرب مصري بامتياز.
(1) اختلاف التعريف..أفكار مستوردة
هناك علمانيون ينفضون أيديهم من القوى و الأحزاب والشخصيات التي تـقدم نـفسها على أنها علمانية، ويقدمون تعريفات وشرحا لمفهوم مصطلح العلمانية؛ وأنا أدرك تمام الإدراك أن المصطلح حمّال أوجه، ومختلف على تعريفه، ومختلف على دلالاته وتصنيف وفرز المنتسبين إليه؛ بل حتى أشهر نمطين للعلمانية في العالم، وهما النمط الأوروبي، والنمط الأمريكي، بينهما اختلاف لا يستهان بحجمه؛ ففي حين رفض كاتبو الدستور الأوربي مجرد إشارة ولو كانت عابرة إلى الجذور المسيحية لأوروبا ضاربين بدعوات الفاتيكان العلنية عرض الحائط، نجد أمريكا تضع على عملتها عبارة «نثق بالرب» ونسمع من مسئوليها -خاصة الرئيس- عبارات مشبعة بمصطلحات مأخوذة من الدين المسيحي، وهذا ينطبق على الرئيس الديموقراطي والجمهوري، وإن كان الجمهوريون أكثر استخداما لهذه المصطلحات...هذا في حين حاربت فرنسا النقاب ثم الحجاب، معتبرة إياها رموزا دينية، وسنّت القوانين وشرعت بإجراءات عملية في هذا الاتجاه، وقد استنكرت الولايات المتحدة الأمريكية هذا الفعل الفرنسي، ولم تـقم أمريكا بإجراءات مشابهة...والأمثلة كثيرة حول اختلاف تـفسير العلمانية وقيمها، حتى في المواطن التي أتتنا منها.
وهذا ينسحب على الماركسية، فالصين الشعبية دمجت بين مبادئ كونفوشيوس والأفكار الاشتراكية، وفي أمريكا اللاتينية وازنت فنزويلا تشافيز، ومثلها بوليفيا، بين الكنيسة وبين الاشتراكية، في حين اختط السوفييت سابقا نهجا متطرفا للماركسية يقوم على التنكر للأديان والقيم الموروثة والقوميات...بل إن الحزب الشيوعي الإيطالي أحد أكبر الأحزاب الشيوعية في القارة الأوروبية استنكر صراحة الغزو السوفياتي للأراضي الأفغانية، وهو ما لم تجرؤ عليه الأحزاب الشيوعية العربية التي عرف عنها رفع المظلة في الخرطوم أو القاهرة أو دمشق إذا أمطرت السماء في موسكو...والمنتسبون للماركسية في بلاد العرب، بعضهم بل كثير منهم لم يقرأ ولو سطرا واحد من مؤلفات كارل ماركس، وهم –غالبا- يتحالفون مع البورجوازية الوطنية، التي اعتبرها ماركس نقيضا بل عدوا، بل يجسد معظم الماركسيين في أنماط معيشتهم كل ما يخطر في البال من المظاهر الرأسمالية التي تتغنى الماركسية والماركسيون بالطعن فيها والتعييب على أصحابها!
أما الليبرالية، فهي مفهوم آخر ينتسب له أدعياء لهم فكر سياسي، وربما نمط اجتماعي، يمارسون أشد وأقبح أنواع الديكتاتورية، بل يدعمون كل ما يفترض أنه مناف ومناقض للمبادئ الليبرالية المعلنة، أو المتعارف أكاديميا عليها، وذلك في سياق خصومتهم السياسية مع الإسلاميين، وأهمها حرية معتقدات الأفراد، واحترام خياراتهم.
حسنا، والحال كذلك والالتباس قائم في تعريف المصطلحات، ولصعوبة الاتـفاق على من هم فعلا يمثلون المرجعيات الفكرية محل النقاش من أحزاب أو شخصيات، وحتى لا نتيه في تصنيف أو فرز من هو العلماني أو الليبرالي أو الماركسي أو القومي أو أو...فلنتفق، على الأقل لأغراض هذه المقالة، على اعتبار الذين يسمون أنـفسهم بهذه الأسماء ويصفون أنفسهم وأحزابهم وتجمعاتهم بهذه الأوصاف، وفي ذات الوقت يناصبون الحركات والقوى الإسلامية العداء أو يعتبرونها خصما فكريا وسياسيا، تحت عنوان التصدي لتيار «الإسلام السياسي» هم من تشير لهم هذه المقالة بإصبع الاتهام، بعيدا عن الجدل أو الخلاف حول صحة انتسابهم الحقيقي لهذه التيارات أو المدارس الفكرية والسياسية من عدمه.
والأمر الأكيد أن هذه الأفكار مستوردة أو غازية لمجتمعاتنا؛ ففكرة القومية غزت العالم الإسلامي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الذي كان قرن القوميات في أوروبا، والماركسية دخلت إلينا من بوابة الحرب الباردة، وكل هذه الأفكار المستوردة أو الغازية تمكنت من تجنيد متقبلين لها، حكم بعضهم باسمها أو بشعاراتها، بسبب الضعف والهزيمة والجمود الذي ساد مجتمعنا...وليس كل مستورد يصلح لنا، مهما زينه المستوردون والمصدرون، وحسنوا صورته، وأظهروا أنه الحل السحري، واستهوته بعض النفوس....ولكن ألا يوجد تطرف إسلامي مثلما هناك تطرف علماني؟وهل أخذ العلمانيون فرصتهم في الحكم... هذا ما سأناقشه في الجزء الثاني بمشيئة الله.....يتبع.
سري سمّور
((إفشال الإسلاميين في الحكم استراتيجية حياة أو موت للقوى العلمانية حتى لو غرقت سفينة الوطن.)) } د.رفيق حبيب-مفكر قبطي مصري{
القوى العلمانية واليسارية والقومية والليبرالية –إلا من رحم ربي- تهدد السلم الأهلي، وتصرفاتها تكاد تعصف بالدول العربية التي فاز الإسلاميون في انتخاباتها العامة، وهي تمارس ديكتاتورية الأقلية، وترفض قبول نتائج العملية الانتخابية التي لطالما تغنت بقدسيتها، وتطالب بإعادة الانتخابات، ولو أن الانتخابات أعيدت ألف مرة ولم تـفز هذه القوى لطالبت بإعادتها مرة ثم مرات بعد الألف، بل عملت ما بوسعها، ومارست ما يجوز، وما هو منكر بهدف تأجيل أو إلغاء الاستحقاقات الانتخابية!
وبتنا نرى التوتر ومظاهر العنف في غير مكان، وأخذت هذه القوى تنادي علنا بضرورة الانقلابات العسكرية، وهي التي كانت تتهم الإسلاميين بمهادنة الحكم العسكري، واستخدم أتباعها وأنصارها بلطجية لتخريب مؤسسات الدولة ومقرات أحزاب إسلامية، بل وصل الأمر إلى مهاجمة المساجد والاعتداء على المصلين، فإلى أين ستصل الأمور، ونحن نرى صوت العقل يغيب، ومنطق الحوار يذوي ويتلاشى، لصالح أصوات التطرف والتطرف المضاد، والاحتكام إلى السنان بدل اللسان؟ الحديث هنا عن حالة التطرف العلماني السائدة عموما، وإن كان الغالب في هذا المقال المجزّأ هو إشارات واضحة أو ضمنية للحالة المصرية، نظرا لأن مصر يتجلى فيها الأمر بوضوح ولأن ميزان نهضة العرب مصري بامتياز.
(1) اختلاف التعريف..أفكار مستوردة
هناك علمانيون ينفضون أيديهم من القوى و الأحزاب والشخصيات التي تـقدم نـفسها على أنها علمانية، ويقدمون تعريفات وشرحا لمفهوم مصطلح العلمانية؛ وأنا أدرك تمام الإدراك أن المصطلح حمّال أوجه، ومختلف على تعريفه، ومختلف على دلالاته وتصنيف وفرز المنتسبين إليه؛ بل حتى أشهر نمطين للعلمانية في العالم، وهما النمط الأوروبي، والنمط الأمريكي، بينهما اختلاف لا يستهان بحجمه؛ ففي حين رفض كاتبو الدستور الأوربي مجرد إشارة ولو كانت عابرة إلى الجذور المسيحية لأوروبا ضاربين بدعوات الفاتيكان العلنية عرض الحائط، نجد أمريكا تضع على عملتها عبارة «نثق بالرب» ونسمع من مسئوليها -خاصة الرئيس- عبارات مشبعة بمصطلحات مأخوذة من الدين المسيحي، وهذا ينطبق على الرئيس الديموقراطي والجمهوري، وإن كان الجمهوريون أكثر استخداما لهذه المصطلحات...هذا في حين حاربت فرنسا النقاب ثم الحجاب، معتبرة إياها رموزا دينية، وسنّت القوانين وشرعت بإجراءات عملية في هذا الاتجاه، وقد استنكرت الولايات المتحدة الأمريكية هذا الفعل الفرنسي، ولم تـقم أمريكا بإجراءات مشابهة...والأمثلة كثيرة حول اختلاف تـفسير العلمانية وقيمها، حتى في المواطن التي أتتنا منها.
وهذا ينسحب على الماركسية، فالصين الشعبية دمجت بين مبادئ كونفوشيوس والأفكار الاشتراكية، وفي أمريكا اللاتينية وازنت فنزويلا تشافيز، ومثلها بوليفيا، بين الكنيسة وبين الاشتراكية، في حين اختط السوفييت سابقا نهجا متطرفا للماركسية يقوم على التنكر للأديان والقيم الموروثة والقوميات...بل إن الحزب الشيوعي الإيطالي أحد أكبر الأحزاب الشيوعية في القارة الأوروبية استنكر صراحة الغزو السوفياتي للأراضي الأفغانية، وهو ما لم تجرؤ عليه الأحزاب الشيوعية العربية التي عرف عنها رفع المظلة في الخرطوم أو القاهرة أو دمشق إذا أمطرت السماء في موسكو...والمنتسبون للماركسية في بلاد العرب، بعضهم بل كثير منهم لم يقرأ ولو سطرا واحد من مؤلفات كارل ماركس، وهم –غالبا- يتحالفون مع البورجوازية الوطنية، التي اعتبرها ماركس نقيضا بل عدوا، بل يجسد معظم الماركسيين في أنماط معيشتهم كل ما يخطر في البال من المظاهر الرأسمالية التي تتغنى الماركسية والماركسيون بالطعن فيها والتعييب على أصحابها!
أما الليبرالية، فهي مفهوم آخر ينتسب له أدعياء لهم فكر سياسي، وربما نمط اجتماعي، يمارسون أشد وأقبح أنواع الديكتاتورية، بل يدعمون كل ما يفترض أنه مناف ومناقض للمبادئ الليبرالية المعلنة، أو المتعارف أكاديميا عليها، وذلك في سياق خصومتهم السياسية مع الإسلاميين، وأهمها حرية معتقدات الأفراد، واحترام خياراتهم.
حسنا، والحال كذلك والالتباس قائم في تعريف المصطلحات، ولصعوبة الاتـفاق على من هم فعلا يمثلون المرجعيات الفكرية محل النقاش من أحزاب أو شخصيات، وحتى لا نتيه في تصنيف أو فرز من هو العلماني أو الليبرالي أو الماركسي أو القومي أو أو...فلنتفق، على الأقل لأغراض هذه المقالة، على اعتبار الذين يسمون أنـفسهم بهذه الأسماء ويصفون أنفسهم وأحزابهم وتجمعاتهم بهذه الأوصاف، وفي ذات الوقت يناصبون الحركات والقوى الإسلامية العداء أو يعتبرونها خصما فكريا وسياسيا، تحت عنوان التصدي لتيار «الإسلام السياسي» هم من تشير لهم هذه المقالة بإصبع الاتهام، بعيدا عن الجدل أو الخلاف حول صحة انتسابهم الحقيقي لهذه التيارات أو المدارس الفكرية والسياسية من عدمه.
والأمر الأكيد أن هذه الأفكار مستوردة أو غازية لمجتمعاتنا؛ ففكرة القومية غزت العالم الإسلامي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الذي كان قرن القوميات في أوروبا، والماركسية دخلت إلينا من بوابة الحرب الباردة، وكل هذه الأفكار المستوردة أو الغازية تمكنت من تجنيد متقبلين لها، حكم بعضهم باسمها أو بشعاراتها، بسبب الضعف والهزيمة والجمود الذي ساد مجتمعنا...وليس كل مستورد يصلح لنا، مهما زينه المستوردون والمصدرون، وحسنوا صورته، وأظهروا أنه الحل السحري، واستهوته بعض النفوس....ولكن ألا يوجد تطرف إسلامي مثلما هناك تطرف علماني؟وهل أخذ العلمانيون فرصتهم في الحكم... هذا ما سأناقشه في الجزء الثاني بمشيئة الله.....يتبع.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية