الصراع الإلكتروني العربي - الإسرائيلي
خليل حسين
ثمة رأي شائع مفاده أن "إسرائيل" تقدّمت على العرب بأشواط لافتة في مجالات التكنولوجيا، كما تمكّنت من الوصول إلى الجيل الرابع لأهم الصناعات الإلكترونية الحساسة وبالتحديد العسكرية منها. وثمة تقارير استخبارية تركز على الصورة السوداوية للوضع العلمي التكنولوجي العربي، بحيث إن ثمة فجوة واسعة بين الطرفين من الصعب التمييز أو المقاربة بينها.
ربما هذا الكلام فيه الكثير من الصحة، انطلاقاً من مقاربة بسيطة لجهة احتساب ما تنفقه "إسرائيل" في موازناتها السنوية على البحث العلمي، وما ينفقه العرب في هذا النوع بالتحديد. وفي أقل التقديرات أن "إسرائيل" تنفق سنوياً أكثر مما ينفقه العرب مجتمعين في هذا المضمار. لكن الغريب والعجيب في مجال التسلح، يمكن رصد الصورة المعاكسة تماماً؛ فيكاد يكون العرب من بين الأوائل عالمياً في شراء الأسلحة، ورغم ذلك فإن نوعيتها لا تلبي ولا تحاكي متطلبات الصراع الحقيقي مع أعدائهم المفترضين ومن بينهم "إسرائيل".
اليوم ثمة قراءة مختلفة للصراع العربي - "الإسرائيلي"، انطلاقاً من إمكانية استعمال التكنولوجيا المتقدمة وسيلة من وسائل الصراع القادرة على حسم جوانب كثيرة إذا استعملت بشكل مثالي. فمؤخراً، انطلقت حرب باردة "إسرائيلية" عربية بوسائل مبتكرة، وتعدّ سابقة لجهة البناء عليها مستقبلاً؛ عندما تعرّضت مواقع مالية واقتصادية حساسة في "إسرائيل" لهجومات إلكترونية نوعية. وبصرف النظر عن نوعيتها وقيمتها ومآلاتها المستقبلية، فثمة مسار آخر من الصعب صرف النظر عنه في عالم ممتلئ حتى التخمة بالوسائل الإلكترونية المتعددة الاستخدامات ومن بينها العسكرية.
صحيح أن ما جرى يشكل ظاهرة لحالات عربية فردية، وربما تكون تداعياتها محدودة جداً، ويمكن السيطرة عليها بسهولة، لكن ينبغي أن تحاكي العقل الجماعي العربي لقدرته وقدراته على استثمار هذا النوع من الصراع، لاسيما أن لدى الشباب العربي الكثير من الطاقات والإبداعات في هذا المجال التي يمكن استخدامها بسهولة وبكلفة متواضعة لا تماثل أو تضاهي شراء قطعة سلاح فردية خفيفة.
لقد استخدم الشباب العربي هذه الوسائل لقلب أنظمة، إذ كانت الوسائل الإلكترونية بمنزلة الأسلحة غير التقليدية لمواجهة أنظمة سياسية، شاب فيها الكثير من شبابها كبتاً وقمعاً بذريعة هموم الأخطار الخارجية ومنها "الإسرائيلية" وغيرها. فهل بالإمكان التعويل على هذه الشرائح العلمية المتخصصة وعلى هذه الوسائل لدمجها في وسائل "المقاومة والممانعة" المعهودة؟ بالتأكيد ستكون أقل كلفة وأكثر نفعاً.
العبرة في الموضوع، لا تعدو كونها تحريض العرب على صرف المزيد من الموازنات في سبيل البحث العلمي، باعتباره المقياس لنهوض الأمم والشعوب والمجتمعات. فالعرب وصلوا قديماً إلى أصقاع مختلفة من العالم بفضل العلم الذي حملهم وحملوه لغيرهم، والعرب اليوم متقوقعون في أماكنهم بفضل تأخرهم عن ركب العلم والمعرفة.
ففي مختلف الاستراتيجيات العسكرية الحديثة، تسود نظريات الجيوش الذكية القائمة على النوع لا الكم، وبكلام أكثر دقة النوع المتخصص القائم على دعامات هضم التكنولوجيا المتقدمة التي باتت العصب المدبر لسر البقاء والوجود بين المجتمعات البشرية التي تتسابق اليوم على امتلاك العلم القادر على جلب الثروات لا العكس.
فالولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، انتقلت أيضاً في استراتيجيتها للأمن القومي خلال السنوات المقبلة، من التركيز على محاربة أعداء تقليديين بالنسبة إليها، كالإرهاب التقليدي مثلاً، إلى وضع خطط استيعابية لمواجهة أعداء إلكترونيين مفترضين، ومن بينهم البرامج الصينية الإلكترونية التي تمثل عدواً حقيقياً للولايات المتحدة في الفترة المقبلة، حيث قامت نظريات واسعة الانتشار لمدى الضرر الذي يمكن أن تتعرض له الولايات المتحدة في حرب إلكترونية قادمة، وصلت بمخيلة البعض إلى مستوى القضاء على أمريكا في غضون ربع ساعة فقط.
إن مجموعة الهاكرز العرب الذين أطلقوا صواريخهم الإلكترونية على مواقع "إسرائيلية" ذات دلالات خاصة في الاقتصاد "الإسرائيلي"، ينبغي اعتبارها من فئة الرسائل المتعددة الطابع، الأولى موجهة إلى عناية أنظمتنا العربية بوجوب إيلاء البحث العلمي الأهمية الكافية والملائمة لطبيعة المخاطر المحدقة بوطننا العربي. والثانية إلى العقل الجماعي العربي بهدف إيقاظه وإعادة الاعتبار إليه ولقدراته المغيبة عنوة، والثالثة إلى العقل الباطني للمجتمع "الإسرائيلي" الذي يعدّ نفسه شعب الله المختار حتى في المجالات التكنولوجية، بهدف تنبيهه إلى أن ثمة شعوباً أخرى لا تقل إبداعاً وكفاءة عنه.
إن تمكّن الشباب العربي من إسقاط أنظمة كانت أشد خطراً عليهم من أعدائهم الخارجيين ومن بينهم "إسرائيل"، بوسائل إلكترونية بدائية، هي أكثر من إشارة ورسالة. إن بينهم أشخاصاً قادرين على إعطاء ما عجز عنه الكثيرون غيرهم، فهل نقتنع، نحن العرب، بإدخال العلم والتكنولوجيا طرفاً في الصراع مع "إسرائيل"، بعدما بات من مخلفات الماضي في الاستراتيجيات العالمية عامة و"الإسرائيلية" خاصة؟ سؤال كبير الإجابة عنه مرهونة بالعديد من العوامل، ومن بينها الاقتناع أولاً، بأن العلم والعلم وحده هو القادر على نقل أمة من ضفة إلى أخرى.
* أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
صحيفة الخليج الإماراتية
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية