الطابع المقاوم في مشاركة حماس السياسية
د. أسامة الأشقر
لم يكن قرار حماس بالمشاركة السياسية في مؤسسات السلطة الفلسطينية منتصف العشرية الأولى للقرن الواحد والعشرين سهلاً، فإن ذلك كان يبدو اعترافاً بأحد نواتج اتفاق أوسلو الذي ترفضه حماس، وهو ما قد يجعل حماس تنخرط في العمل السياسي وتعقيداته ومعاركه التي لا تنتهي على حساب الكفاح المسلح؛ وأبدى كثيرون شفقتهم من عدم قدرة حماس على المزج بين الفعل السياسي من مؤسسات السلطة التي ترفض العمل المقاوِم وبين الفعل العسكري المباشر؛ وانتظر الجميع وعد رئيس المكتب السياسي لحماس الأستاذ خالد مشعل بما وصفه "الإبداع في الجمع بين المشاركة السياسية والعمل العسكري".كانت الفرصة مواتية للخصوم السياسيين الذين أزاحهم فوز حماس الكاسح في انتخابات 2006 للانقضاض على حماس واتهامها بترك الكفاح المسلح، وأنها تسير في ركاب فصائل أخرى ركبت متن العمل العسكري وشعارات التحرير لكامل الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948 حتى وصلت بتنازلاتها إلى الاعتراف بدولة العدو، والمطالبة بدولة فلسطينية عبر مؤسسات الأمم المتحدة والتخلي تماماً عن الخيار العسكري بل الانخراط في التنسيق الأمني مع العدو الذي كان واحداً من أبرز صور العمالة من قبل.
لكنهم فوجئوا بقيام الجناح العسكري لحماس بأسر جندي صهيوني من على متن دبابته بعد شهور من فوز حماس وتشكيلها للحكومة، وانتظر هؤلاء أن يندّد الجناح السياسي لحماس بهذه العملية لكن الذي حصل أن الجناح السياسي بارك هذه العملية، لأنها في سياق عمل وطني يمارس أحد الخيارات المتاحة في مواجهة العدو، فبدأت مواجهة شرسة بين تيار التسوية السياسية مدعوماً بمظلة عربية وغربية وصهيونية وتيار المقاومة الوطنية لم تتوقف إلى يومنا هذا.
ظنّ كثيرون أن حماس أخطأت كثيراً بمشاركتها السياسية في المجلس التشريعي وفي الحكومة، وأنها بذلك تعرّضت لفخ محكم نُصِب لها، وربما كان الأمر يحتمل هذا التوجيه في النظر لكن التوجيه الأشمل في مستوى النظر بات يؤشِّر إلى إنجاز سياسي في مؤشرات الصعود السياسي؛ فقد تحولت عقيدة السلطة الفلسطينية بدخول حماس القوي فيها من أنها سلطة حكم ذاتي محدود منزوعة السلاح وليس لها دور وطني في المواجهة إلا عبر بوابة التفاوض، وتمارس القمع باسم المشروع الوطني الفلسطيني الذي لا ملامح متوقعة له، إلى عقيدة جديدة تعني خدمة الشعب الفلسطيني وحماية خياراته الوطنية بما فيها خياره العسكري.
كما أن هذه المشاركة عطّلت مسيرة التسوية السياسية في نهجها الانبطاحي الذي يقدم التنازلات الدائمة مع كل ضغطة صغيرة، وساعدت على إعادة تصويب نهج التفاوض بصورة غير مباشرة نحو عناوين ومطالب يجب التمسك بها باعتبارها خطوطاً حمراء لا يجوز تجاوزها بحجة أن مجرد الاتفاق بين الأطراف المتنازعة لا يؤدي إلى السلام المنشود.
كما أمّنت هذه المشاركة الحماية الأمنية والسياسية لبرنامج المقاومة وإعداداته على الأرض ولاسيما في قطاع غزة التي حوّلت السلطة بالكامل إلى برنامج سياسي وعسكري مندمج تماماً.
في المقابل كان تيار التسوية يفقد زخم برنامجه الخطير، فاستخدم نفوذه والتغطية الغربية والعربية له لنقل الشرعية من السلطة إلى منظمة التحرير دون وجه قانوني أو توافق سياسي ليمارس نشاطه السياسي دون اعتراض حماس وقوتها في مؤسسات السلطة المختلفة، وهو ما تسبب بأكبر عملية تحطيم للقوة السياسية الفلسطينية التي توافقت مراراً على برنامج الحد الأدنى في السياق السياسي الوطني منذ 2005؛ وهذا كله تسبب في ضعف الموقف الفلسطيني الرسمي الذي انحاز إلى الغطاء الأجنبي المعادي لطموحات الشعب الفلسطيني ومطالبه الوطنية التي ثار من أجلها.
وبالجملة فإن المشاركة السياسية لحماس في مؤسسات السلطة في ناتجها العام لم تعطِ الشرعية لأوسلو، وأعادت صياغة وظيفة السلطة باتجاهات وطنية، وعطّلت المسار السياسي التفريطي الذي انتهجته القيادة المنتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية