العد التنازلي لخلافة عباس
د. عدنان أبو عامر
حرب طاحنة تعيش فيها المقاطعة برام الله (مقر الرئاسة الفلسطينية)، في ظل التحضير لما بات يعرف بـ"اليوم التالي" لغياب الرئيس محمود عباس عن الساحة، بقرار سياسي من الاحتلال والإقليم، أو بسبب صحي يتعلق بتجاوز عامه الثمانين، ولذلك خرجت التسريبات بشأن استقالة وشيكة له، وثارت التكهنات حول الخليفة القادم له، وسط فتح بازار الترشيحات المزمعة للمواقع التي يشغلها الرجل.
لم يعد سرّاً أن هناك استقطابات حادة تجري خلف الكواليس لإنضاج تركيبة تحظى بموافقة عباس، وتتماشى مع خطه التنظيمي، وهو ما يفسح المجال لمشاكل داخلية طفت على السطح، تعلقت بتجاذبات مناطقية ومنافسات شخصية بين قادة فتح، ولذلك تصل كثير من التقديرات إلى أن المؤتمر السابع لفتح قد ينجم عنه زلزال تنظيمي سيؤدي إلى ثوران بركان داخلي في الحركة، ولذلك تكرر تحديد مواعيد لعقده، ثم ما يلبث أن يؤجل بعد ذلك.
وتتزايد التسريبات وتتكاثر عن اجتماعات مكثفة يعقدها عباس وطاقمه المصغر، لبت ملف خلافته في المواقع الثلاث التي يترأسها: السلطة، ومنظمة التحرير، ورئاسة فتح، مقابل حرمانه باقي السياسيين الفلسطينيين بالتطرق إلى هذا الملف الأخطر، ويتوعدهم بالإهمال والإبعاد عن مركز القيادة، إذ يضع بنفسه هو خطط خلافته.
ليس خافياً على أحد أن الساحة الفلسطينية تعد مشاعاً لكثير من الدول العربية والعواصم الإقليمية، تتدخل فيها طولاً وعرضاً، وسرّاً وعلانية، وشمل ذلك في المدة الأخيرة ملف خلافة عباس؛ *** يعد البت النهائي في هذا الموضوع المصيري للفلسطينيين يحسم في غزة أو الضفة الغربية، بل في الدول المجاورة.
مصر _على سبيل المثال_ لا تخفي مع دولة الإمارات تفضيلها لدحلان على عباس ومرشحيه، ودحلان بات يعد القاهرة وأبو ظبي مقر إقامته الدائمة، يلتقي فيهما صناع القرار على أعلى المستويات، ويتشاور معهم في مسائل مصيرية تخص القضية الفلسطينية، وهو ما يستفز عباس وفريقه، حتى لو كظموا غيظهم من هذا السلوك العربي، مع العلم أن الخلافات بين هذه العواصم وعباس ليست سياسية البتة، بل تتعلق بأجندات شخصية، ومصالح ذاتية بين فريقي دحلان وعباس.
الاحتلال من جهته ليس لديه مشكلة في أي مرشح يقود السلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير أو حركة فتح، مادام "يقدس" التنسيق الأمني" معه، كما عده عباس ذات مرة، ويحافظ على أمنه، ويلتزم بنهج ملاحقة المقاومة المسلحة، ويطارد حماس لاستئصالها في الضفة الغربية، وهو في هذا السياق لا يفرق بين دحلان وعريقات والرجوب، وأي مرشح آخر قد تفرزه المنظومة الفلسطينية.
الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي يبدوان ضالعين بصورة مباشرة في التغيير القادم للسلطة الفلسطينية؛ نظرًا إلى أن أي تغيير متوقع سيلقي بظلاله على مسيرة الصراع مع الاحتلال، وهذان الطرفان تحديدًا واشنطن وبروكسل حريصان كل الحرص على عدم وصول هذا الصراع إلى خط عدم الرجعة، باتجاه اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، أو إعلان فشل مسيرة التسوية، ويبدو أن جميع المرشحين الفلسطينيين حتى الآن مع بقاء هذه التسوية، ولو أنها باتت فارغة من أي مضمون.
أخيراً من اللافت أن ما تعيش فيه الساحة الفلسطينية من حالة إنضاج على نار هادئة للرئيس القادم يقتصر على حركة فتح فقط، دون إشراك باقي القوى الفلسطينية، لاسيما حماس، الشريك الأساسي لفتح في الساحة الفلسطينية، وكأن الأمر مسألة تنظيمية تخص فتح دون سواها من الفصائل والقوى، وهو ما يفسح المجال لعدم اعتراف تلك القوى بأي تغيير يطال رأس السلطة الفلسطينية دون إشراكها.
مع العلم أن أي غياب متوقع لعباس عن المشهد الفلسطيني يفترض قانونيّاً أن يفسح المجال لرئيس المجلس التشريعي عزيز الدويك لتسلم رئاسة السلطة، وهو أحد قيادات حماس البارزة في الضفة، لكن الرجل الذي قضى سنواته الأخيرة في سجون الاحتلال يبدو مغيباً من حسابات السلطة ورئيسها، وهو ما سيطعن بالضرورة في أي شرعية للرئيس القادم، مع أن جميع الشرعيات الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي ليس لها معنى، وهو ما أثبتته التجربة خلال أكثر من 20 عاماً من عمر السلطة الفلسطينية.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية