المقاومة السلمية في ضوء فعاليات التضامن مع الأسرى
لمى خاطر
جدل كثير ثار ويثار في الشارع الفلسطيني حول المطلوب شعبياً لنصرة الأسرى، وحول جدوى آليات التضامن الحالية معهم، والتي ما زالت في غالبيتها فعاليات في مراكز المدن، وداخل خيم الاعتصام التضامنية.
يعلّل بعض الممتنعين حتى الآن عن الانخراط في الفعاليات التضامنية الشعبية موقفه بأنه ينطلق من قناعته بعدم جدوى هذه الفعاليات وانعدام تأثيرها في إجبار الاحتلال على الرضوخ لمطالب الأسرى، لكن أصحاب هذا الرأي لا يقدمون بديلاً شعبياً آخر للتضامن ولا يبدون استعدادهم للانخراط فيه أيضا.
وهنا؛ علينا أن نفرّق بين مغزى وجدوى كلّ فعالية، فالتضامن الشعبي بمختلف أشكاله لا يهدف بالأساس لتحرير الأسرى أو الضغط على السجان للاستجابة لمطالبهم، ولا ينتظر منه ذلك، لكنّه عامل مهم لإشاعة ثقافة التضامن مع الأسرى، ولرفع معنوياتهم والوقوف إلى جانب ذويهم، وإشعارهم بأنهم ليسوا وحدهم في محنتهم أو في معركة الكرامة التي يخوضها المضربون من بنيهم.
غير أن هذه الأشكال الشعبية يفترض ألا تكون بديلاً عن أشكال أخرى مطلوبة وضرورية لنصرة الأسرى، وهي تلك التي تشكل ضغطاً على الاحتلال، أي التظاهر قرب مناطق التماس معه، وخصوصاً في الضفة الغربية ذات نقاط الاحتكاك الكثيرة، والتي لم يخرج منها الاحتلال عملياً ولم يلتزم بالامتناع عن دخول أية منطقة تسيطر عليها السلطة، وما يحدث يومياً قرب معتقل عوفر ويوم الجمعة عند حاجز قلنديا من مظاهرات ضد الاحتلال وفي غيرهما من المناطق ولكن بشكل محدود ينبغي أن تتسع دائرته، ويجب على أجهزة السلطة ألا تفرض عليه القيود إذا ما كانت فعلاً مع المقاومة السلمية، إلا إذا كان لهذه المقاومة مفهوم آخر لدى حركة فتح غير المتعارف عليه.
من جانب آخر، وفي ساحة الضفة تحديداً فلم يعد يفيد الاكتفاء بالتباكي على ضعف التفاعل مع قضية الأسرى، لأن هذا البرود تجاه القضايا الوطنية بشكل عام، وحالة اللامبالاة إزاءها وليد لغياب ثقافة المقاومة عموماً ونتيجة طبيعية لحصاد سنوات من سياسات تجفيف منابع الوطنية والمقاومة، والتي طالت المساجد والمؤسسات التعليمية والواقع الميداني، ولا بدّ من لحظة صدق مع النفس قبل أن يتم تشخيص الواقع بشكل سليم، وقبل إطلاق اتهامات التقصير في كلّ اتجاه.
ما نحتاجه اليوم هو أن تعود إلينا تلك الروح الباعثة على التفاعل والإحساس بالهمّ الوطني العام، وهذا يتطلب قبل كلّ شيء أن يتم رفع القبضة الأمنية عن مفردات الواقع المختلفة، وألا تُفرض الحدود والمعايير الصارمة على أي نشاط ميداني، وألا يتم إلزامه بأن يكون مفصّلا على المقاسات السياسية الملائمة للسلطة في الضفة، لأنه لن يكون في هذه الحال فعلاً له أثر وبصمة، أو حاملاً لمضمون إيجابي، بل مجرد إجراء شكلي لرفع العتب وتسجيل موقف باهت.
من يتغنى بالمقاومة السلمية عليه أن يطلق يدها في كلّ اتجاه يندرج تحت هذا الإطار، وألا يجتهد في تقنين البؤر التي تنطلق منها، وألا يظلّ مسكوناً بهاجس الخوف من انفلات الأمور مبيحاً لنفسه تعطيل ما يشاء من آليات الحراك تحت هذه الحجة. عندها فقط سيكون الميدان قادراً على الإنجاز وعلى تشكيل الجزء الآخر من معادلة التحدي التي يخوضها الأسرى ويكابدون في سبيلها المرّ والأهوال
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية