المياه والغاز.. آمال مفقودة للفلسطينيين
د. أيمن أبو ناهية
أبدأ مقالي هذا بسؤال يبدو غريباً طرحه في هذا الزمان وهو: لماذا يتمادى الاحتلال الإسرائيلي في الاستيلاء على المصادر الطبيعية الفلسطينية؟ فالاحتلال يحاصر شعبا بأكمله دون رحمة ولا إنسانية وبدون أي وجه حق، فهو "مفرعن" ومعربد ولا يعترف بكل مفاهيم وقيم ومبادئ حقوق الإنسان، ويتلمس الديمقراطية وهو مستبد، ويدعي الحرية وهو في قمة العنصرية والاضطهاد والإجرام، يقتل ويعتقل ويأسر ويرحل ويهجر الشعب الفلسطيني، مستخفا بالجميع، وهاهو الآن يقدم على جريمة سرقة آبار الغاز الفلسطيني القريبة من ساحل قطاع غزة بما يعرف بحقل "تامار" الذي يحوي احتياطيا مؤكدا قدره 238 مليار متر مكعب، في حين يمنعه عنه، الذي يعتمد عليه المواطنون الغزيون في طهي الطعام، ومعظم المخابز التي توفر الخبز للسكان، والاحتياج الضروري للغاز بالنسبة للمطاعم والفنادق والمستشفيات، وتربية الدواجن وفقاسات البيض وكثير من المصانع التي تحتاجه كاحتياجها للكهرباء، وقد سبب عدم توفر الغاز حالة تُنذِر بكارثة مجتمعية لا مثيل لها في التاريخ البشري، وسؤالي؛ أليس في ذلك عنصرية واستخفاف بحقوق الإنسان؟
أجيب بنفسي على هذا التساؤل أن هذا العمل هو جريمة من جبل الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني. ولعل جبل جرائم الاحتلال يزداد يوما بعد يوم حتى أصبحت سلسلة جبال، تمتد على طول وعرض البلاد، فماذا يعني تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي فرض حصارها على الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما شددت من حصارها بالذات على قطاع غزة، وعزلته بالكامل عن محيطة الخارجي منذ 6 سنوات على التوالي، بحرمان سكان القطاع من إعادة إعمار ما دمرته الآلة العسكرية الإسرائيلية في حروبها الإجرامية السابقة، وعدم السماح بدخول المواد الأولية الخاصة بالبناء و الإعمار مثل مواد الأسمنت، الحديد المسلح والحصمة، والأسوأ من كل هذا قلة الحصول على الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والدواء، ومنع الوقود والمحروقات، الأمر الذي وضع نحو 1,5 مليون مواطن فلسطيني في قطاع غزة داخل سجن جماعي، وأدى إلى شلل في كافة مناحي الحياة، ناهيك عن الأوضاع الكارثية لبنية الخدمات الأساسية في القطاع، كالطرق، الشوارع، والصرف الصحي، وشبكات إمداد السكان بخدمات المياه التي أصبحت غير صالحة للشرب وللاستخدام الآدمي لتلوثها أو سحبها من البحر دون تنقيتها وتكريرها لعدم وجود المعدات اللازمة، كذلك الحال بالنسبة لأزمة انقطاع التيار الكهربائي بسبب عدم تزويد محطة الكهرباء بالوقود، بالإضافة لإهمال الصرف الصحي، والتلوث البيئي، فحدث ولا حرج.
وبالرجوع إلى الإجابة عن تساؤل مطلع المقال، أقول إن تمادي الاحتلال الإسرائيلي في سرقة ونهب مصادر الشعب الفلسطيني، وحرمانه منها، نابع من كرم السلطة "الزائد"، بأنها تهتم كثيرا بالاحتلال ومستوطنيه، وتحرص كل الحرص على إمداده بكل ما يحتاجه، وتضمن له الأمن والأمان، وتحرس مستوطناته وتحمي مستوطنيه، ولو كان هذا على حساب الشعب الفلسطيني، كي تثبت بالقول والفعل تواطؤها الكامل مع الاحتلال.
فالاحتلال يستولي بشتى الطرق على مصادر المياه الفلسطينية، ضاربا بالحائط كل القوانين والمواثيق الدولية، التي تجرم سرقة مقدرات الشعب المحتل، حيث سرق ولا يزال الاحتلال يسرق ويشفط مخزون المياه الجوفي من باطن الأرض ويحرم أصحابها الفلسطينيين منها، بل يضع غرامات باهظة على كل من يحاول استخراج المياه من باطن الأرض بما يعرف بـ"آبار المياه"، وإنشاء جدار الفصل العنصري كي يؤدي نفس الغرض بالتفافه حول آبار ومصادر المياه الفلسطينية وبذلك يكون قد عزل المناطق الفلسطينية عنها وحرمها منها.
فما المانع من ازدياد وتوسع المستوطنات التي زادت بنسبة 200% منذ اتفاقية أوسلو؟ وما المانع من تضاعف أعداد المستوطنين حتى وصلت أيضا إلى 200%، لطالما موفر لهم كل سبل العيش والراحة؟ ويجد من يعينه على مواصلة عربدته، فحسب الصحافية الإسرائيلية، عميره هاس، في مقال جديد نشرته صحيفة "هآرتس" على موقعها الالكتروني أن السلطة الفلسطينية وافقت على تزويد المستوطنات بكل ما تحظى به من مشاريع مياه. وهذا ليس بجديد بل إن أغلب المشاريع الكبرى لتوسعة شبكة البنى التحتية للمياه في المستوطنات، التي تم تطويرها خلال الفترة الممتدة ما بين 1995 و2008 قد حظيت بمصادقة من السلطة الفلسطينية.
ألا يخجل من نفسه رئيس سلطة المياه الفلسطينية، شداد العتيلي، بتعليله السبب "بأن خطوط مياه المناطق الفلسطينية هي نفس الخطوط التي تمد المستوطنات بالمياه، وأي توسيع لزيادة حصة المياه للمناطق الفلسطينية يحتاج إلى موافقة إسرائيلية". والسؤال الذي يطرح نفسه، أين هي المياه الوفيرة عندنا والتي نحن في غنى عنها؟ كي نثبت "كرمنا الزائد" للمستوطنين ونروي ظمأهم وعطشهم، بلا من مقاومة ومحاربة الاستيطان ومقاطعة منتجاته وعزله، كما تفعل كثير من دول العالم.
اعتقد أن المشكلة ليست في حصص المياه ولا في شبكة المياه المشتركة، بل المشكلة في عدم تحديدنا للمشكلة ذاتها، هل المشكلة في الاستيطان أم في المياه، أم هي اتفاقية أوسلو بعينها، التي أهملت قضية المياه وعملت على تأجيلها كباقي القضايا الرئيسية الأخرى إلى الحل النهائي، مثل قضية القدس، وقضية اللاجئين، وقضية الأسرى، وقضية الحدود والاستيطان وهما أساس مشكلة المياه، بالإضافة إلى ذلك مأزق الاقتصاد الفلسطيني الذي ربط أيضا باقتصاد الاحتلال بفعل اتفاقية باريس الاقتصادية التي خرجت من رحم اتفاقية أوسلو.
فعلى العتيلي أن يقول اليوم بأن اتفاقية أوسلو انكشف حسبها، ولا يزال مهندسها ماضيا في إتمامها حتى النهاية، و يقول أيضا إن اتفاقية أوسلو كانت أكبر نكبات الشعب الفلسطيني، وأنها عبارة عن موت سريري للقضية الفلسطينية تربطه من عنقه كالمشنقة، وتكبل يديه بالأصفاد.
د. أيمن أبو ناهية
أبدأ مقالي هذا بسؤال يبدو غريباً طرحه في هذا الزمان وهو: لماذا يتمادى الاحتلال الإسرائيلي في الاستيلاء على المصادر الطبيعية الفلسطينية؟ فالاحتلال يحاصر شعبا بأكمله دون رحمة ولا إنسانية وبدون أي وجه حق، فهو "مفرعن" ومعربد ولا يعترف بكل مفاهيم وقيم ومبادئ حقوق الإنسان، ويتلمس الديمقراطية وهو مستبد، ويدعي الحرية وهو في قمة العنصرية والاضطهاد والإجرام، يقتل ويعتقل ويأسر ويرحل ويهجر الشعب الفلسطيني، مستخفا بالجميع، وهاهو الآن يقدم على جريمة سرقة آبار الغاز الفلسطيني القريبة من ساحل قطاع غزة بما يعرف بحقل "تامار" الذي يحوي احتياطيا مؤكدا قدره 238 مليار متر مكعب، في حين يمنعه عنه، الذي يعتمد عليه المواطنون الغزيون في طهي الطعام، ومعظم المخابز التي توفر الخبز للسكان، والاحتياج الضروري للغاز بالنسبة للمطاعم والفنادق والمستشفيات، وتربية الدواجن وفقاسات البيض وكثير من المصانع التي تحتاجه كاحتياجها للكهرباء، وقد سبب عدم توفر الغاز حالة تُنذِر بكارثة مجتمعية لا مثيل لها في التاريخ البشري، وسؤالي؛ أليس في ذلك عنصرية واستخفاف بحقوق الإنسان؟
أجيب بنفسي على هذا التساؤل أن هذا العمل هو جريمة من جبل الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني. ولعل جبل جرائم الاحتلال يزداد يوما بعد يوم حتى أصبحت سلسلة جبال، تمتد على طول وعرض البلاد، فماذا يعني تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي فرض حصارها على الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما شددت من حصارها بالذات على قطاع غزة، وعزلته بالكامل عن محيطة الخارجي منذ 6 سنوات على التوالي، بحرمان سكان القطاع من إعادة إعمار ما دمرته الآلة العسكرية الإسرائيلية في حروبها الإجرامية السابقة، وعدم السماح بدخول المواد الأولية الخاصة بالبناء و الإعمار مثل مواد الأسمنت، الحديد المسلح والحصمة، والأسوأ من كل هذا قلة الحصول على الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والدواء، ومنع الوقود والمحروقات، الأمر الذي وضع نحو 1,5 مليون مواطن فلسطيني في قطاع غزة داخل سجن جماعي، وأدى إلى شلل في كافة مناحي الحياة، ناهيك عن الأوضاع الكارثية لبنية الخدمات الأساسية في القطاع، كالطرق، الشوارع، والصرف الصحي، وشبكات إمداد السكان بخدمات المياه التي أصبحت غير صالحة للشرب وللاستخدام الآدمي لتلوثها أو سحبها من البحر دون تنقيتها وتكريرها لعدم وجود المعدات اللازمة، كذلك الحال بالنسبة لأزمة انقطاع التيار الكهربائي بسبب عدم تزويد محطة الكهرباء بالوقود، بالإضافة لإهمال الصرف الصحي، والتلوث البيئي، فحدث ولا حرج.
وبالرجوع إلى الإجابة عن تساؤل مطلع المقال، أقول إن تمادي الاحتلال الإسرائيلي في سرقة ونهب مصادر الشعب الفلسطيني، وحرمانه منها، نابع من كرم السلطة "الزائد"، بأنها تهتم كثيرا بالاحتلال ومستوطنيه، وتحرص كل الحرص على إمداده بكل ما يحتاجه، وتضمن له الأمن والأمان، وتحرس مستوطناته وتحمي مستوطنيه، ولو كان هذا على حساب الشعب الفلسطيني، كي تثبت بالقول والفعل تواطؤها الكامل مع الاحتلال.
فالاحتلال يستولي بشتى الطرق على مصادر المياه الفلسطينية، ضاربا بالحائط كل القوانين والمواثيق الدولية، التي تجرم سرقة مقدرات الشعب المحتل، حيث سرق ولا يزال الاحتلال يسرق ويشفط مخزون المياه الجوفي من باطن الأرض ويحرم أصحابها الفلسطينيين منها، بل يضع غرامات باهظة على كل من يحاول استخراج المياه من باطن الأرض بما يعرف بـ"آبار المياه"، وإنشاء جدار الفصل العنصري كي يؤدي نفس الغرض بالتفافه حول آبار ومصادر المياه الفلسطينية وبذلك يكون قد عزل المناطق الفلسطينية عنها وحرمها منها.
فما المانع من ازدياد وتوسع المستوطنات التي زادت بنسبة 200% منذ اتفاقية أوسلو؟ وما المانع من تضاعف أعداد المستوطنين حتى وصلت أيضا إلى 200%، لطالما موفر لهم كل سبل العيش والراحة؟ ويجد من يعينه على مواصلة عربدته، فحسب الصحافية الإسرائيلية، عميره هاس، في مقال جديد نشرته صحيفة "هآرتس" على موقعها الالكتروني أن السلطة الفلسطينية وافقت على تزويد المستوطنات بكل ما تحظى به من مشاريع مياه. وهذا ليس بجديد بل إن أغلب المشاريع الكبرى لتوسعة شبكة البنى التحتية للمياه في المستوطنات، التي تم تطويرها خلال الفترة الممتدة ما بين 1995 و2008 قد حظيت بمصادقة من السلطة الفلسطينية.
ألا يخجل من نفسه رئيس سلطة المياه الفلسطينية، شداد العتيلي، بتعليله السبب "بأن خطوط مياه المناطق الفلسطينية هي نفس الخطوط التي تمد المستوطنات بالمياه، وأي توسيع لزيادة حصة المياه للمناطق الفلسطينية يحتاج إلى موافقة إسرائيلية". والسؤال الذي يطرح نفسه، أين هي المياه الوفيرة عندنا والتي نحن في غنى عنها؟ كي نثبت "كرمنا الزائد" للمستوطنين ونروي ظمأهم وعطشهم، بلا من مقاومة ومحاربة الاستيطان ومقاطعة منتجاته وعزله، كما تفعل كثير من دول العالم.
اعتقد أن المشكلة ليست في حصص المياه ولا في شبكة المياه المشتركة، بل المشكلة في عدم تحديدنا للمشكلة ذاتها، هل المشكلة في الاستيطان أم في المياه، أم هي اتفاقية أوسلو بعينها، التي أهملت قضية المياه وعملت على تأجيلها كباقي القضايا الرئيسية الأخرى إلى الحل النهائي، مثل قضية القدس، وقضية اللاجئين، وقضية الأسرى، وقضية الحدود والاستيطان وهما أساس مشكلة المياه، بالإضافة إلى ذلك مأزق الاقتصاد الفلسطيني الذي ربط أيضا باقتصاد الاحتلال بفعل اتفاقية باريس الاقتصادية التي خرجت من رحم اتفاقية أوسلو.
فعلى العتيلي أن يقول اليوم بأن اتفاقية أوسلو انكشف حسبها، ولا يزال مهندسها ماضيا في إتمامها حتى النهاية، و يقول أيضا إن اتفاقية أوسلو كانت أكبر نكبات الشعب الفلسطيني، وأنها عبارة عن موت سريري للقضية الفلسطينية تربطه من عنقه كالمشنقة، وتكبل يديه بالأصفاد.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية