خارطة الفصائل الفلسطينية... دراسة تاريخية

خارطة الفصائل الفلسطينية... دراسة تاريخية... بقلم: د. خالد فهمي

الإثنين 22 يونيو 2009

خارطة الفصائل الفلسطينية... دراسة تاريخية

بقلم: د. خالد فهمي

لقد وصل الأمر أن اشترط فريق العلمانيين المشاركين ياسر عرفات منذ فترة موغلة قديمة إسقاط البسملة وهي عبارة (بسم الله الرحمن الرحيم) من بيانات المنظمة التي انخرطوا في تنظيمها.

هذه عبارة تلخص حقيقةً ظلت خافية، يحرص الإعلام العلماني على طمسها وسترها؛ مما مكَّن لدى فريق كبير من الوعي الشعبي في العالم العربي أن ينظر إلى عدد من الفصائل الفلسطينية بغير العين التي ينبغي أن ينظر إليها.

وهي عبارة مقتبسة بتصرف من لدن واحد من أعظم المشاركين والشاهدين على كثير من أسرار ما كان يدور بين قيادات عدد من فصائل العمل السياسي في العالم العربي شرقًا وغربًا، وهو الدكتور توفيق الشاوي في كتابه الفذ "مذكرات نصف قرن من العمل الإسلامي"، الذي يقول فيه إزاء هذا الذي اختصرته لك؛ لأفتتح به هذه الورقة (ص407، طبعة دار الشروق، القاهرة، سنة 1998م)، مما نقله من اعتذار ياسر عرفات، بعدما تنكب طريق الفكرة الإسلامية التي استجدى بها مساعدات عدد من الدول التي أوهمها انطلاقه من فكرة الإخوان المسلمين في تصديه لليهود.

قال لي معتذرًا (يقصد عرفات): "نعم، أذكر ذلك، وهو معاونة الإخوان، وتعهده بالعمل باسم الإسلام، ولكن أنت تعرف أننا عندنا فصائل متعددة، ومن واجبنا أن نحافظ على التعاون بين جميع هذه الفصائل؛ حتى لا يشذ إحداها، وقال لي: إن الوضع يفرض علينا كثيرًا من التنازلات، وأنت تعرف أننا كنا نصدر بيانات العاصفة، وفي السنة الأولى كنا نبدؤها (بسم الله الرحمن الرحيم)؛ لكن بعد إنشاء منظمة التحرير، وجدنا بعض الفصائل احتجت على ذلك، واجتمع المجلس التنفيذي، ودرس احتجاجات أعضاء المنظمة على ذكر (بسم الله الرحمن الرحيم) من بيانات العاصفة منذ ذلك التاريخ، وفرضوا علينا أن يكون حظنا حظًا وطنيًّا بحتًا، ليس له أي طابع إسلامي، والتزمنا بذلك".

منذ ذلك الوقت تبدلت الطرق، ومكنت فتح الكيان الصهيوني، عندما اتجهت منظمة التحرير نحو المفاوضات والمساومات من فرصة تنفيذ إستراتيجية طويلة المدى لتهويد القدس، وزيادة عدد المغتصبات، وتمزيق الضفة الغربية، واقتلاع الهوية الفلسطينية.

في هذا السياق يأتي كتاب الأستاذ عبد القادر ياسين الجديد دليل الفصائل الفلسطينية الذي صدر بالقاهرة سنة 1430هـ 2009م، في 188 صفحة؛ ليعيد فتح ملف ما أغلق يومًا، وهو بعض ما يعطيه أهميته الكبرى توقيتًا وموضوعًا، وقد جاءت خطة الكتاب كما يلي:

1- المدخل الأول: الاقتصاد السياسي لظهور المقاومة.

2- المدخل الثاني: كيف دخلت الحركات القومية إلى العمل الفدائي؟!.

ثم توالت الفصول كما يلي:

1- حركة فتح.

2- الجبهة الشعبية.

3- الجبهة الديمقراطية.

4- جبهة النضال الشعبي.

5- الجبهة الشعبية (القيادة العامة).

6- جبهة التحرير الفلسطينية.

7- فتح (المجلس الثوري).

8- فتح الانتفاضية.

9- جبهة التحرير العربية.

10- حرجة الجهاد الإسلامي.

11- حركة حماس.

12- لجان المقاومة الشعبية وذراعها المسلح "ألوية الناصر صلاح الدين".

13- فصائل ذهبت.

14-أحزاب بلا أذرع عسكرية.

ثم ختم كتابه بملحق بأسماء قادة الفصائل المعلنة.

النكبة/ سوق العمل الخليجي/ النهوض القومي العربي/ ثالوث أسفل حركات المقاومة الفلسطينية.

رصد عبد القادر ياسين في المدخل الافتتاحي الأول مجموعة من العوامل التي يرى أنها كانت عاملاً حاسمًا في إعادة الوعي بالقضية الفلسطينية، في مواجهة جبروت الصهيونية الغازية، ممثلة فيما يلي:

1- آثار النكبة التي عصفت بالخريطة العربية في أعقاب الهزيمة المريرة سنة 1948م.

2- تأثير عوائد العمالة في الأسواق الخليجية على جسم الاقتصاد الفلسطيني الذي استرد عافيته؛ بسبب مما توافر له مما ضخ من هذه الأموال.

3- هذا بالإضافة إلى ما سماه الحامل العربي، إذ يقرر أن ثمة نهوضًا قوميًّا يشبه الحمى، كان قد اجتاح الوطن العربي بتأثير من مصر ثم الجزائر، بعد ثورتها الناجحة في 1962م.

ويلفت ياسين النظر إلى أنَّ الدعم العربي الذي أنتج منظمة التحرير سنة 1964م؛ ربما كان في خلفيته إحكام السيطرة على العمل الفدائي، وترشيد ما عبر عنه بعبارة قطع الطريق على العمل الفدائي المنفلت من إسار النظام العربي.

وهو ما نرى فيه شبهة تقديم يد المعونة للصهيونية العالمية من قِبل الأنظمة العربية في هذا التوقيت القديم.

الوحدة طريق العودة.. حرب الشعارات!!

وفي مدخل ثانٍ وأخير يتذرع عبد القادر ياسين بعدد من الشعارات التي أنتجها المد القومي العربي الفلسطيني من مثل:

الوحدة طريق العودة.

الوحدة طريق الثأر.

وهو يرى أن أمثال هذين الشعارين تلخص عقيدة آمنت بها الاتجاهات القومية مجملها قانونها؛ هو أن الوحدة العربية لها الأولوية على ما عداها، وأن الوحدة هي عتبة تحرير فلسطين.

وفي هذا المضمار غازل حزب البعث في سوريا في مرحلتي المعارضة والحكم فكرة دعم أفكار القومية التي تقف في خلفية القضية الفلسطينية، ثم جاءت حركة القوميين العربي، داعمة للتوجه نفسه، وتطورت أفكارها نحو دعم أفكار الثأر والعمل الفدائي.

فتح من السلاح إلى خيانة السلاح

وفي فصل مستقل يعرض ياسين لتطور مسيرة حركة فتح؛ ليقرر في لغة لا تنقصها حركة الإدانة قائلاً: إن اللافت أن عدد القياديين من فتح الذين استشهدوا يفوق نظرائهم في الفصائل الأخرى على الأقل بتحكيم البدايات.

ومع ذلك فإن فتح اليوم لا تمت بصلة إلى نشأتها، بعد أن تطوع رئيسها بمناسبة مرور ربع قرن على قيام فتح بإدانة الكفاح المسلح الذي خاضه الشعب الفلسطيني؛ من أجل تحرير ترابه الوطني، ووصف هذا الكفاح بالإرهاب.

وقد اكتفى عبد القادر ياسين بوضع علاقة تعجب، تتبدى من خلفها جبال من المرارة، بعد هذا الكلام الذي لا يساوي شيئًا.

الحركة العلمانية مسيرة يجب الحكم عليها

تُعد الجبهة الشعبية نتاجًا للهزيمة المريرة التي حلَّت بالعرب ومصر في يونية 1967م، والمثير للانتباه أن الفصائل التي اجتمعت للنظر فيما يجب عمله كانت بنات للعلمانية في نسختها العربية، وهو ما نلحظه في الأسماء التالية:

1- فتح.

2- شباب الثأر.

3- جبهة التحرير الفلسطينية.

4- طلائع حرب التحرير الشعبية.

5- أبطال العودة.

وما يدعم انتماءها جميعًا لليسار العربي بروز لفظ الشعبية عنوانًا لافتًا على كثير من ألقاب هذه الفصائل، وهي الكلمة السحرية التي أنتجها المعجم اليساري الاشتراكي الذي كان طريقًا طبيعية لمقاومة المد الإسلامي وتحجيمه.

ومن الحق أن ينظر إلى كثير من الفصائل التي خرجت وانشقت على الجبهة الشعبية، على أن سر انفصالها، لم يكن للتوجه المخاصم للاشتراكية، وإنما كان بسبب صراع فكري داخل النسق الاشتراكي نفسه بين من يروْن ضرورة تبني التوجهات الماركسية اللينية، ومن يروْن في ذلك تسرعًا لم يحن الوقت للتحول نحوه.

وهذا الذي ندعيه هو ما يفسر لنا ظهور فصائل من مثل الجبهة الديمقراطية بمنظماتها الجماهيرية المختلفة.

وربما صحَّ مثل ذلك في تفسير نشأة جبهة النضال الشعبي على تأثير ما أحدثته كارثة يونية 1967م.

لقد كانت الصراعات وافتقاد المرجعيات الفكرية الأصيلة، وهو مسوغ متكرر في كثير من عمليات التشرذم والانشقاق في داخل الفصائل اليسارية سببًا مباشرًا في ظهور حركة التحرير الفلسطينية، باعتبارها وريثًا حل محل الجبهة الشعبية (القيادة العامة).

وعلى أعقاب انشقاق فتح في 1974م، بعد قبول قيادتها لخيار التسوية؛ استجابة لدعوة الراحل أنور السادات ظهرت حركة فتح الخط الصحيح الذي تطورت لتحمل عنوان فتح المجلس الثوري.

لقد كان الانشقاق وميوعة التوجهات والارتماء في أحضان المد الاشتراكي قاسمًا مشتركًا أعظم حكم تجليات الفصائل اليسارية والقومية التي ظهرت، واختفت على صعيد التعاطي مع القضية الفلسطينية.

وقد كان تعاون هذه الفصائل على شيء واحد لم يختلفوا حوله، وهو محاصرة الخلفية الإسلامية؛ إما تحت وهم طلب الوحدة، وهي العلة المعلنة؛ وإما تحت ضغط لقي هوى هذه الفصائل، كان تمارسه القوى الغربية المتآمرة ضد المد الإسلامي، مستثمرة الأنظمة العربية التي رأت فيما يسمى بالاستغلال نهاية طريق تحقق، فكان فخ السلطة والحكم سبيلاً لضرب محددات هوية الأمة عن طريق محاصرة الإسلاميين والتنكيل بهم، وهو بعض ما يفسر سر تأخر ظهور حركات المقاومة الإسلامية الداعمة والمتعاطية مع القضية الأم في العالم العربي في العصر الحديث.

تجليات الفكرة الإسلامية (المصحف يعانق السيف)

كانت المسألة المائزة التي ميزت حركات المقاومة الإسلامية، هي انطلاقها من رحم الجهاد أساسًا وكيانًا إستراتيجيًّا في حد ذاته، باعتباره طريقًا لا بديل له، وباعتباره وسيلة وغاية في الوقت نفسه.

في هذا السياق يصح النظر إلى حركة الجهاد الإسلامي التي يميزها عن غيرها من حركات إسلامية، كون الجهاد وقف في مواجهة محتل، تتداخل مجموعة زوايا في مواجهته؛ هي البعد الديني (فكرة إسلامية)، وبعد سياسي (أرض على هامش سلطة) وبعد اجتماعي غير مستقر.

ويشير عبد القادر ياسين إلى تأثير الإخوان المسلمين في البدايات الأولى لحركة الجهاد الإسلامي من جانب، وتأثير أصوات الصحوة الإسلامية في مصر؛ حيث يرصد تبلور الجهاد في النواة التي قامت بتأثير فتحي الشقاقي إبان تعلمه في جامعة الزقازيق المصرية 1974- 1981م، وقد كانت الطلائع الإسلامية بداية ما كان يرمي إلى قوة تجديد داخل الفكر الإسلامي، واعتمادها فكر التغيير المنبثق من قوة الفكر الإسلامي، وهو ما دعمته واقعيًا بما قدمته من شهداء وعمليات في انتفاضة الأقصى سنة 2000م؛ لدرجة أنها نفذت ما يقرب من 56% من العمليات في ذلك العام.

ويحسن لحركة الجهاد على الرغم من رفضها الإسهام في انتخابات 2006م، مبررة ذلك بأنه هروب من سقف اتفاق أوسلو، وإن لم تتركْ، والحق يقال حماس وحدها في مواجهة الأزمات.

حماس الانتخاب الطبيعي للفكرة الإسلامية المجسدة!

وقد تأخر ظهور حماس لانشغال قياداتها الأولى بمرحلة التربية والتكوين إلى أن كان عام 1974م الذي شهد ظهور المجمع الإسلامي في قطاع غزة ترجمة وإعلانًا عن الإخوان المسلمين؛ الأمر الذي مكَّنهم من إعلان قيام الجامعة الإسلامية تقديرًا للدور المستمر لركن التربية، باعتبارها أساسًا إستراتيجيًّا داعمًا لنشاطات المقاومة.

وقد كان أهم محور حكم انطلاقها في فلسطين هو تكتلها ضد اليسار الذي ظهر، ولم يزل باعتباره عقبة في طريق التحرير، واستعادة الهوية الفلسطينية وفق المكونات التاريخية الثابتة المنبثقة من المكون الإسلامي، ومن المدهش الذي يتشبث به ياسين مؤلف كتاب دليل الفصائل الفلسطينية، هو ما تجلى من قدرات أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي- رحمهما الله- على التقاط اللحظة الثورية التي أنتجت الانتفاضة في 1988م، وأخرجت منها حركة المقاومة الإسلامية المعروفة اختصارًا باسم حماس، وإن تأخر إعلان ميثاقها ليصدر في أغسطس 1988م لتقرر أنها انطلقت لتأدية دورها، ماضية في سبيل ربها، تتشابك سواعدها مع سواعد كل المجاهدين من أجل تحرير فلسطين، وأكد الميثاق خطورة المعركة مع اليهود، وأن مواجهة هذا الخطر يتطلب استدعاء الولاء لله تعالى، والاستمساك بالإسلام وفق منهجية العمل في إطار الإخوان المسلمين بفلسطين.

ومن ثم فإن مواقف حماس تبدو منطقية إلى أبعد حد، وهو ما لا تريد الأدبيات الإعلامية والسياسية من ورائها أن تتفهم أن كل أشكال الصدام بينها وبين غيرها من الفصائل؛ ولا سيما فتح وغيرها من فصائل الؤى اليسارية والقومية أمر منطقي نابع من طبيعة التحالف بين منهجين لا يلتقيان.

لقد كان الثمن النفسي الذي جادت رجالات حماس والأمل المعقود عليها في مواجهة الفساد ونهوضها بالواجب الاجتماعي، بعد أن نفضت سلطة فتح يدها من أدائه أسبابًا كافية لتفسير هذا التلاحم العظيم بينها وبين الجماهير

ويظل صوت الإسلام وحده هو القادر على امتلاك مفتاح الحل لمن أراد أن يسترشد بمنطق التاريخ

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية