زيارةُ أوباما والدُّخولُ في متاهةٍ جديدةٍ
هاني المصري
إذا أردنا أن نلخّص نتائج زيارة باراك أوباما بجمل قصيرة سنجد أنه قدم التأييد الكامل لإسرائيل وتعهّد بدعمها بجميع الأشكال وعدم الضغط عليها، والاكتفاء بتقديم النُصح لها في النقاط المختلف عليها، داعيًا الإسرائيليين إلى حث قيادتهم على المجازفة من أجل السلام.
في المقابل، اكتفى بتقديم العواطف الباردة للفلسطينيين من دون أي رصيد عملي، باستثناء تقديم دعم مادي يمكِّن السلطة من الاستمرار في دورها وفقًا للاتفاقات والالتزامات، وبعيدًا عن الخطوات أحاديّة الجانب.
جاء أوباما لإرسال رسالة قويّة بعد "الربيع العربي" مفادها أنّ أميركا تقف إلى جانب إسرائيل، ولا ترضى إلا بما توافق عليه إسرائيل، وهذا يدل على أن أوباما في فترة رئاسته الثانية يختلف كثيرًا عن أوباما في فترة رئاسته الأولى، فهو جاء للتكفير عن ذنبه المتمثل بمطالبته إسرائيل في مستهل رئاسته الأولى بتجميد الاستيطان، ووعده بإقامة دولة فلسطينيّة في العام 2011.
أراد أوباما في أول زيارة خارجيّة له في فترة رئاسته الثانية، أن يثبت للقاصي والداني أن لونه الأسود وجذوره الإسلاميّة وصداقته السابقة لبعض الفلسطينيين لم تجعله مناصرًا لقضيتهم، بل قدّم في زيارته خطابًا صهيونيًّا بامتياز، وتفوق في دعم إسرائيل على أسلافه، لدرجة تبنيه للرواية الصهيونيّة حول قيام إسرائيل عبر تأكيده "أنها قامت في أرض الميعاد وتنفيذًا لوعد إلهي ممتد في جذوره آلاف السنين"، وليس كإحدى نتائج المحرقة كما جاء في خطابه في القاهرة في العام 2009، وقال "إن بلاده بوصفها أقوى دولة في العالم ملتزمة بدعم إسرائيل وأمنها إلى الأبد" – بالرغم من وصفه لها بأنها "أقوى دولة في المنطقة" - والدفاع عنها وتمكينها بأن تبقى متفوقة على العرب مجتمعين.
أوباما جاء ليقول لإسرائيل إنه معها قلبًا وقالبًا، بالمفرق والجملة، وأن محاولته لإحداث نوع محدود من التوازن في بداية فترة رئاسته الثانية ولت إلى غير رجعة، فهو استوعب الدرس ولن يصعد إلى قمة الشجرة مرة أخرى ولن يضغط على إسرائيل.
الرد على أوباما جاء من جدعون ليفي - الكاتب الإسرائيلي - بقوله "إن الاحتلال الإسرائيلي لن يزول شأنه شأن كل الاحتلالات والاستعمارات السابقة إلا بنهر من الدماء والإرهاب، أو بضغط حقيقي من الرئيس الأميركي على إسرائيل"، إلا أن أوباما اختار تقديم النصيحة لإسرائيل وليس الضغط عليها، ما يضع الفلسطينيين، إذا استجابوا لدعوته باستئناف المفاوضات، خصوصًا من دون شروط حتى شرط وقف الاستيطان؛ تحت رحمة أكثر حكومة تطرُفًا منذ قيام إسرائيل.
وإذا أبدى أوباما بعض التعاطف مع المعاناة الفلسطينيّة، فهو فعل ذلك من دون أي خطوات عمليّة، وعندما تحدث عن الدولة الفلسطينيّة نَسِيَ ضرورة الاعتراف بها ووصفها "بالقابلة للحياة" وليست على حدود 67 أو ذات سيادة، وعندما طالب بقيام دولة فلسطينيّة فهو حرص على إبراز أنه يفعل ذلك، ليس لأنه حق للفلسطينيين أصحاب البلاد الأصليين، بل لأن قيامها يصب في مصلحة إسرائيل، لأن "استمرار الاستيطان سيقود في النهاية إلى أغلبيّة عربيّة في أرض يسيطر عليها اليهود". فالوسيلة الوحيدة أمام إسرائيل لكي تدوم وتزدهر كدولة يهوديّة وديمقراطيّة هي قيام فلسطين مستقلة قابلة للحياة"، واشترط لقيامها اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي، بالرغم من أن هذا الاعتراف يسقط الحق التاريخي للفلسطينيين في وطنهم (الذي كان بحاجة إلى رد من الرئيس على ما قاله أوباما من تزوير للتاريخ)، ويجعلهم دخلاء، خصوصًا المقيمين منهم داخل ما بات يسمى إسرائيل، ما يجعلهم معرضين للتهجير والتمييز وتحت رحمة "أبطال الكتاب المقدّس الرواد الأوائل الذين جعلوا الصحراء تُزهر".
وحتى تكون أهداف زيارة أوباما واضحة صبّ الزيت على نار الانقسام الفلسطيني بتقديمه مقارنة بين "ما تعيشه الضفة من نمو وازدهار مقابل البؤس والقمع في غزة، لأن "حماس" ترفض نبذ العنف وتريد تدمير إسرائيل بدلًا من بناء مستقبل للفلسطينيين"، ما يدل على أن الفيتو الأميركي على المصالحة لا يزال مطروحًا وبقوة.
كما طالب أوباما الفلسطينيين باستئناف المفاوضات من دون شروط بما فيها وقف الاستيطان، وطلب من العرب بتطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل السلام لطمأنتها، خصوصًا بعد الربيع العربي. وكان قد رفض وضع إكليل من الزهور على ضريح ياسر عرفات، بالرغم من وجوده على بعد أمتار قليلة منه، مع أن عرفات وقّع اتفاق أوسلو في حديقة البيت الأبيض ونال جائزة نوبل للسلام، وفي المقابل وضع إكليلين من الزهور على ضريح ثيودور هرتسل (مؤسس الحركة الصهيونيّة) وإسحاق رابين شريك عرفات بصنع "سلام الشجعان"، ووصل به التملق لإسرائيل إلى حد رفض استلام رسالة من ابنة أسير تحمل فيها معاناة الأسرى، واختار زيارة مركز شبابي واللقاء بثمانية شباب فقط، في الوقت الذي ألقى فيه خطابًا أمام ألف شاب إسرائيلي يمثلون مختلف الجامعات الإسرائيليّة.
واتفق أوباما مع نتنياهو على كيفيّة معالجة الملف النووي الإيراني، ومواجهة ما يجري في سوريا والمخاطر المحتملة، بما في ذلك خطر سيطرة المتطرفين واحتمال تسرب السلاح الكيميائي لأطراف عدوة لإسرائيل. ووضع الرتوش النهائيّة على المصالحة التركيّة – الإسرائيليّة التي تصب في سياق احتواء الربيع العربي واستكمال تحويله إلى ربيع أميركي إسرائيلي.
ولم تكن زيارة أوباما خالية الوفاض على صعيد القضيّة الفلسطينيّة، بل بدأ فيها جهودًا حثيثة لإحياء ما يسمى "عمليّة السلام"، وكلّف وزير خارجيته جون كيري ببذل الجهود المطلوبة لاستئناف المفاوضات على أساس التركيز على أنّ التفاوض سيتمحور على الحدود والأمن وترك مشكلة الاستيطان لحين الاتفاق على الحدود، أو في أحسن الأحوال "تنفيذ تجميد صامت للاستيطان أو لجمه بشكل هادئ وعدم الإقدام على تنفيذ مشاريع استفزازيّة، خصوصًا في منطقة (E1) من دون قرار رسمي إسرائيلي، ولا يشمل القدس والكتل الاستيطانيّة" وإطلاق سراح بعض الأسرى ودعم السلطة ماليًّا، مقابل تعهد فلسطيني باستمرار الاتفاقات والالتزامات، خصوصًا التنسيق الأمني، و"مكافحة التحريض الإعلامي الفلسطيني ضد إسرائيل"، ووقف استكمال التوجه الأممي، خصوصًا فيما يتعلق بعدم تقديم طلب للحصول على العضويّة الكاملة في مجلس الأمن، ولا طلب الدخول في الوكالات الدوليّة، خصوصًا محكمة الجنايات الدوليّة "لأي سبب من الأسباب" كما طالب أوباما من الرئيس "أبو مازن".
وحتى تنجح الجهود الأميركيّة، هناك مساعٍ لحث الدول العربيّة على تطبيع العلاقات مع إسرائيل وتشجيع الفلسطينيين على استئناف المفاوضات وتوفير إطار عربي من خلال تغيير مبادرة السلام العربيّة بعد سلسلة من الإضافات والتعديلات عليها تبدأ بإضافة مبدأ تبادل الأراضي، ما يكسر مبدأ الانسحاب إلى حدود 1967، وبدء تعاون إقليمي يسبق السلام، وإجراء تعديلات عليها فيما يخص القدس واللاجئين حتى تصبح مبادرة إسرائيليّة - مثلما أصبحت خارطة الطريق الدوليّة خارطة إسرائيليّة بعد تقديم حكومة شارون أربعَةَ عشرَ تحفُظًا عليها - ولكن بغطاء عربي، توحي بحل القضيّة الفلسطينيّة، ولكنها في الحقيقة تقوم بتصفيتها وتحاول من خلال هذا الإيحاء التغطية على ما يجري في المنطقة من إعادة رسم للبلدان والحكام والمصالح وقوى النفوذ.
الخشية من أن يحاول أوباما ووزير خارجيته توظيف المتغيرات العربيّة التي انقلبت من الربيع العربي إلى الخريف والفوضى والانقسامات، في محاولة لتصفية القضيّة الفلسطينيّة تحت عنوان إقامة "دولة ليست دولة"، سقفها الأقصى ما يمكن أن توافق عليه حكومة إسرائيل، التي تعتبر وفقًا لمختلف المحللين والخبراء أكثر حكومة تطرفًا في تاريخ إسرائيل. فهل نعي حقيقة ما ينتظرنا ونرفض الدخول في متاهة جديدة اسمها المفاوضات الثنائيّة برعاية أميركيّة، التي تغرق، بعيدًا عن المضمون والمرجعيّة وآليّة التطبيق والجدول الزمني، في الإجراءات والاجتماعات الثنائيّة والثلاثيّة والرباعيّة وعقد مؤتمر دولي إذا احتاج الأمر، وفي الشكليات والمساومات التي لا تنتهي على التفاصيل، التي تتقن إسرائيل إغراق المفاوضات فيها، في محاولة جديدة لإضاعة الوقت واستكمال تطبيق المخططات الاستعماريّة والاستيطانيّة والعنصريّة والإجلائيّة.
لقد أصبح الدخول في دوامة المفاوضات الثنائيّة مجددًا تحت مسميات استكشافيّة وغيرها، وعلى أساس أن الاجتماعات تختلف عن المفاوضات، بعد أكثر من عشرين عامًا من توقيع اتفاق أوسلو وما وصلنا إليه من كارثة؛ ليس مجرد خطأ وإنما نوع من الاختلال العقلي وشكل من أشكال الانهزاميّة والاستسلام.
هاني المصري
إذا أردنا أن نلخّص نتائج زيارة باراك أوباما بجمل قصيرة سنجد أنه قدم التأييد الكامل لإسرائيل وتعهّد بدعمها بجميع الأشكال وعدم الضغط عليها، والاكتفاء بتقديم النُصح لها في النقاط المختلف عليها، داعيًا الإسرائيليين إلى حث قيادتهم على المجازفة من أجل السلام.
في المقابل، اكتفى بتقديم العواطف الباردة للفلسطينيين من دون أي رصيد عملي، باستثناء تقديم دعم مادي يمكِّن السلطة من الاستمرار في دورها وفقًا للاتفاقات والالتزامات، وبعيدًا عن الخطوات أحاديّة الجانب.
جاء أوباما لإرسال رسالة قويّة بعد "الربيع العربي" مفادها أنّ أميركا تقف إلى جانب إسرائيل، ولا ترضى إلا بما توافق عليه إسرائيل، وهذا يدل على أن أوباما في فترة رئاسته الثانية يختلف كثيرًا عن أوباما في فترة رئاسته الأولى، فهو جاء للتكفير عن ذنبه المتمثل بمطالبته إسرائيل في مستهل رئاسته الأولى بتجميد الاستيطان، ووعده بإقامة دولة فلسطينيّة في العام 2011.
أراد أوباما في أول زيارة خارجيّة له في فترة رئاسته الثانية، أن يثبت للقاصي والداني أن لونه الأسود وجذوره الإسلاميّة وصداقته السابقة لبعض الفلسطينيين لم تجعله مناصرًا لقضيتهم، بل قدّم في زيارته خطابًا صهيونيًّا بامتياز، وتفوق في دعم إسرائيل على أسلافه، لدرجة تبنيه للرواية الصهيونيّة حول قيام إسرائيل عبر تأكيده "أنها قامت في أرض الميعاد وتنفيذًا لوعد إلهي ممتد في جذوره آلاف السنين"، وليس كإحدى نتائج المحرقة كما جاء في خطابه في القاهرة في العام 2009، وقال "إن بلاده بوصفها أقوى دولة في العالم ملتزمة بدعم إسرائيل وأمنها إلى الأبد" – بالرغم من وصفه لها بأنها "أقوى دولة في المنطقة" - والدفاع عنها وتمكينها بأن تبقى متفوقة على العرب مجتمعين.
أوباما جاء ليقول لإسرائيل إنه معها قلبًا وقالبًا، بالمفرق والجملة، وأن محاولته لإحداث نوع محدود من التوازن في بداية فترة رئاسته الثانية ولت إلى غير رجعة، فهو استوعب الدرس ولن يصعد إلى قمة الشجرة مرة أخرى ولن يضغط على إسرائيل.
الرد على أوباما جاء من جدعون ليفي - الكاتب الإسرائيلي - بقوله "إن الاحتلال الإسرائيلي لن يزول شأنه شأن كل الاحتلالات والاستعمارات السابقة إلا بنهر من الدماء والإرهاب، أو بضغط حقيقي من الرئيس الأميركي على إسرائيل"، إلا أن أوباما اختار تقديم النصيحة لإسرائيل وليس الضغط عليها، ما يضع الفلسطينيين، إذا استجابوا لدعوته باستئناف المفاوضات، خصوصًا من دون شروط حتى شرط وقف الاستيطان؛ تحت رحمة أكثر حكومة تطرُفًا منذ قيام إسرائيل.
وإذا أبدى أوباما بعض التعاطف مع المعاناة الفلسطينيّة، فهو فعل ذلك من دون أي خطوات عمليّة، وعندما تحدث عن الدولة الفلسطينيّة نَسِيَ ضرورة الاعتراف بها ووصفها "بالقابلة للحياة" وليست على حدود 67 أو ذات سيادة، وعندما طالب بقيام دولة فلسطينيّة فهو حرص على إبراز أنه يفعل ذلك، ليس لأنه حق للفلسطينيين أصحاب البلاد الأصليين، بل لأن قيامها يصب في مصلحة إسرائيل، لأن "استمرار الاستيطان سيقود في النهاية إلى أغلبيّة عربيّة في أرض يسيطر عليها اليهود". فالوسيلة الوحيدة أمام إسرائيل لكي تدوم وتزدهر كدولة يهوديّة وديمقراطيّة هي قيام فلسطين مستقلة قابلة للحياة"، واشترط لقيامها اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي، بالرغم من أن هذا الاعتراف يسقط الحق التاريخي للفلسطينيين في وطنهم (الذي كان بحاجة إلى رد من الرئيس على ما قاله أوباما من تزوير للتاريخ)، ويجعلهم دخلاء، خصوصًا المقيمين منهم داخل ما بات يسمى إسرائيل، ما يجعلهم معرضين للتهجير والتمييز وتحت رحمة "أبطال الكتاب المقدّس الرواد الأوائل الذين جعلوا الصحراء تُزهر".
وحتى تكون أهداف زيارة أوباما واضحة صبّ الزيت على نار الانقسام الفلسطيني بتقديمه مقارنة بين "ما تعيشه الضفة من نمو وازدهار مقابل البؤس والقمع في غزة، لأن "حماس" ترفض نبذ العنف وتريد تدمير إسرائيل بدلًا من بناء مستقبل للفلسطينيين"، ما يدل على أن الفيتو الأميركي على المصالحة لا يزال مطروحًا وبقوة.
كما طالب أوباما الفلسطينيين باستئناف المفاوضات من دون شروط بما فيها وقف الاستيطان، وطلب من العرب بتطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل السلام لطمأنتها، خصوصًا بعد الربيع العربي. وكان قد رفض وضع إكليل من الزهور على ضريح ياسر عرفات، بالرغم من وجوده على بعد أمتار قليلة منه، مع أن عرفات وقّع اتفاق أوسلو في حديقة البيت الأبيض ونال جائزة نوبل للسلام، وفي المقابل وضع إكليلين من الزهور على ضريح ثيودور هرتسل (مؤسس الحركة الصهيونيّة) وإسحاق رابين شريك عرفات بصنع "سلام الشجعان"، ووصل به التملق لإسرائيل إلى حد رفض استلام رسالة من ابنة أسير تحمل فيها معاناة الأسرى، واختار زيارة مركز شبابي واللقاء بثمانية شباب فقط، في الوقت الذي ألقى فيه خطابًا أمام ألف شاب إسرائيلي يمثلون مختلف الجامعات الإسرائيليّة.
واتفق أوباما مع نتنياهو على كيفيّة معالجة الملف النووي الإيراني، ومواجهة ما يجري في سوريا والمخاطر المحتملة، بما في ذلك خطر سيطرة المتطرفين واحتمال تسرب السلاح الكيميائي لأطراف عدوة لإسرائيل. ووضع الرتوش النهائيّة على المصالحة التركيّة – الإسرائيليّة التي تصب في سياق احتواء الربيع العربي واستكمال تحويله إلى ربيع أميركي إسرائيلي.
ولم تكن زيارة أوباما خالية الوفاض على صعيد القضيّة الفلسطينيّة، بل بدأ فيها جهودًا حثيثة لإحياء ما يسمى "عمليّة السلام"، وكلّف وزير خارجيته جون كيري ببذل الجهود المطلوبة لاستئناف المفاوضات على أساس التركيز على أنّ التفاوض سيتمحور على الحدود والأمن وترك مشكلة الاستيطان لحين الاتفاق على الحدود، أو في أحسن الأحوال "تنفيذ تجميد صامت للاستيطان أو لجمه بشكل هادئ وعدم الإقدام على تنفيذ مشاريع استفزازيّة، خصوصًا في منطقة (E1) من دون قرار رسمي إسرائيلي، ولا يشمل القدس والكتل الاستيطانيّة" وإطلاق سراح بعض الأسرى ودعم السلطة ماليًّا، مقابل تعهد فلسطيني باستمرار الاتفاقات والالتزامات، خصوصًا التنسيق الأمني، و"مكافحة التحريض الإعلامي الفلسطيني ضد إسرائيل"، ووقف استكمال التوجه الأممي، خصوصًا فيما يتعلق بعدم تقديم طلب للحصول على العضويّة الكاملة في مجلس الأمن، ولا طلب الدخول في الوكالات الدوليّة، خصوصًا محكمة الجنايات الدوليّة "لأي سبب من الأسباب" كما طالب أوباما من الرئيس "أبو مازن".
وحتى تنجح الجهود الأميركيّة، هناك مساعٍ لحث الدول العربيّة على تطبيع العلاقات مع إسرائيل وتشجيع الفلسطينيين على استئناف المفاوضات وتوفير إطار عربي من خلال تغيير مبادرة السلام العربيّة بعد سلسلة من الإضافات والتعديلات عليها تبدأ بإضافة مبدأ تبادل الأراضي، ما يكسر مبدأ الانسحاب إلى حدود 1967، وبدء تعاون إقليمي يسبق السلام، وإجراء تعديلات عليها فيما يخص القدس واللاجئين حتى تصبح مبادرة إسرائيليّة - مثلما أصبحت خارطة الطريق الدوليّة خارطة إسرائيليّة بعد تقديم حكومة شارون أربعَةَ عشرَ تحفُظًا عليها - ولكن بغطاء عربي، توحي بحل القضيّة الفلسطينيّة، ولكنها في الحقيقة تقوم بتصفيتها وتحاول من خلال هذا الإيحاء التغطية على ما يجري في المنطقة من إعادة رسم للبلدان والحكام والمصالح وقوى النفوذ.
الخشية من أن يحاول أوباما ووزير خارجيته توظيف المتغيرات العربيّة التي انقلبت من الربيع العربي إلى الخريف والفوضى والانقسامات، في محاولة لتصفية القضيّة الفلسطينيّة تحت عنوان إقامة "دولة ليست دولة"، سقفها الأقصى ما يمكن أن توافق عليه حكومة إسرائيل، التي تعتبر وفقًا لمختلف المحللين والخبراء أكثر حكومة تطرفًا في تاريخ إسرائيل. فهل نعي حقيقة ما ينتظرنا ونرفض الدخول في متاهة جديدة اسمها المفاوضات الثنائيّة برعاية أميركيّة، التي تغرق، بعيدًا عن المضمون والمرجعيّة وآليّة التطبيق والجدول الزمني، في الإجراءات والاجتماعات الثنائيّة والثلاثيّة والرباعيّة وعقد مؤتمر دولي إذا احتاج الأمر، وفي الشكليات والمساومات التي لا تنتهي على التفاصيل، التي تتقن إسرائيل إغراق المفاوضات فيها، في محاولة جديدة لإضاعة الوقت واستكمال تطبيق المخططات الاستعماريّة والاستيطانيّة والعنصريّة والإجلائيّة.
لقد أصبح الدخول في دوامة المفاوضات الثنائيّة مجددًا تحت مسميات استكشافيّة وغيرها، وعلى أساس أن الاجتماعات تختلف عن المفاوضات، بعد أكثر من عشرين عامًا من توقيع اتفاق أوسلو وما وصلنا إليه من كارثة؛ ليس مجرد خطأ وإنما نوع من الاختلال العقلي وشكل من أشكال الانهزاميّة والاستسلام.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية