سداسية حزيران
بقلم: خيري منصور
لأنه يوم الأيام كلها وعام الأعوام وربما قرن القرون، كان أولى بنا نحن العرب أكثر من السيد “ريد” أن نقول إن ستة أيام هي التي هزت العالم، ولو كان الكوكب الذي نعيش عليه غربالاً، لما تبقى فيه غير الزؤان لأن ثقوبه واسعة، والهزة عنيفة .
موقفان نستذكرهما الآن وعلى بعد عقود من حزيران، لهما صلة بما يتصوره الآخرون، خصوصاً الأعداء، عنا كعرب .
الموقف الأول في جامعة بريستون الأمريكية، حيث كان مقرراً لاحتفال التخرج أن يرتدي الطلبة العرب أزياء شعبية تمثل تراثهم وفولكلورهم، لكن ما إن وقعت الهزيمة حتى طلبت الجامعة من هؤلاء أن يرفعوا أياديهم فوق رؤوسهم تعبيراً عن الاستسلام، وفي الآونة ذاتها قال قائد سلاح الجو “الإسرائيلي” لصحفي بريطاني، إنه كان بمقدوره تدمير المطارات كلها، لكنه احتفظ باثنين منها لاستراحته الشخصية، رداً على سؤال عما إذا كان المطاران المستثنيان هما الأشد تحصيناً وبالتالي استعصاء على التدمير.
تلك وغيرها تفاصيل ضاعت تحت العناوين الكبرى والبكائيات، لهذا كان أهم ما كتب من نقد ذاتي للمجتمع العربي قادماً من أكاديميين عاشوا في أوروبا وأمريكا، ورأوا وسمعوا عن قرب ما الذي يقال عن شعوبهم، ومنهم د . صادق العظم الذي وجد بهزيمة حزيران مناسبة لنقد ذاتي، وتحميل المهزومين عبء ما جرى لهم .
ويخطئ من يظن أن الخامس من حزيران مجرد يوم قد ولى، إنه اليوم الأطول في تاريخنا الحديث، لأنه مستمر حتى هذا الصباح، ولا ندري إلى متى سيواصل نفوذه ما دامت الأرض التي احتلت في تلك الحرب لاتزال محتلة وإن بدرجات متفاوتة .
لقد تبدلت تقاويم ومناسبات، وكأن التاريخ ذاته قد استبدل به تاريخ آخر مصنوع، فالعرب لعقود عدة لم يحتفلوا إلا بانتصارات على بعضهم بعضاً، ولم يرفعوا الرايات إلا على ما استُعيد من أشقاء لدودين في حروب الإخوة الأعداء.
وما خشيناه دائماً هو أن بعض الهزائم لا تكون ساحقة فقط، بل فاحشة يمارس من خلالها الغالب “ساديته”، وبالتالي يفرض على المغلوب أن ينتشي بهزيمته لأنه يتحول إلى “ماسوشيّ” يستعذب العذاب ويستمرئ الألم.
وثمة فارق هائل بين النقد الذاتي بهدف المراجعة، وبين هجاء النفس وتقريعها، وباستثناءات قليلة قد تكرس القاعدة . كان ولايزال معظم ما يكتب عن حزيران هجاء للذات، والهزيمة لا تكتمل إلا إذا تأقلم معها المهزوم ورأى فيها أمراً واقعاً وبالتالي قَدَرَاً لا فكاك منه .
إن أي يوم أو شهر في السنة وبأي تقويم ميلادي أو هجري، يصلح مناسبة لاستذكار الخامس من حزيران، لأن الستة أيام استطالت وأوشكت أن تصبح ستة عقود .
لم تكن نكسة أو وعكة أو حتى شكلاً نصفياً، بل هي البُحّة الشجيّة في أصواتنا والدمع الذي يرشح من كلماتنا .
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية