عناصر النجاح ما بين القاهرة ومكة
النائب عماد نوفل
الاتفاق الثمين فلسطينيا ً الذي تم توقيعه في القاهرة بالأحرف الأولى مساء يوم الأربعاء 27 نيسان 2011 بين وفدي حماس وفتح برئاسة كل من الدكتور موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وعضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) عزام الأحمد ؛ قيل عنه الكثير : فقد تناوله المحللون والمراقبون والمعلقون بالدراسة والتحليل، كيف تم؟ ولماذا الآن؟ وما سر السرعة التي تم بها انجاز هذا الاتفاق بعد عشرات الجولات ومئات من ساعات الحوار المضني والشاق! هل تغيرت الظروف ليتم بهذه السرعة؟ أم توصل الطرفان إلى قناعة مفادها ضرورة الخروج متفقين؟ أين السر في هذا الانجاز؟ وهل سيكتب لهذا الاتفاق الاستمرار؟ أم سيكون مصيره كاتفاقات سابقة؟ أبرزها الاتفاق الذي تم في 8 شباط عام 2007 بعد مداولات لمدة يومين برعاية العاهل السعودي الملك عبد الله الذي نص على تشكيل حكومة وحدة وطنية لوضع نهاية للاقتتال الداخلي، وكذلك الاتفاق الذي لم يدم طويلا ً في صنعاء..
وهنا تبرز علامة سؤال كبيرة لماذا نصرّ على أن هذا الاتفاق سيدوم بإذن الله تعالى، وإن مقومات نجاحه واستمراره أفضل مما سبقه من اتفاقات. ولا يخفى على أي مراقب للأحداث أن كثيرا ً من المتغيرات التي حدثت كان لها الدور الأبرز في التفكير الجدي في صورة الشعب الفلسطيني أمام الشعوب الأخرى، فقد تزامن الحراك الشعبي الفلسطيني الضاغط باتجاه التحرر من ربقة الظلم والطواغيت.
وعند استقراء عوامل نجاح اتفاق حماس وفتح الأخير في القاهرة نخلص إلى أن الأسباب الآتية ربما تكون أسبابا ً تصب في كفة استمرار هذا الاتفاق رغم ما يمكن قوله من معيقات :-
أولا ً_ بالنظر في هذا الاتفاق نجد أنه ناقش تفاصيل نقاط الخلاف بين الطرفين وتطرق لها بالتوضيح والتفسير مما أزال أية أسباب يمكن أن تظهر مستقبلا ً عند التطبيق لهذه النقاط، وهذا ما كان مفقودا ً في اتفاق مكة..
حيث تم معالجة جميع النقاط التي بقيت عالقة فيما سبق، وتم تحديد آلية معالجتها، ولا شك أن الحديث عن الآليات دليل على أن روح الاتفاق سرت حتى إلى التفاصيل وهذا مؤشر لنجاح هذا الاتفاق طبعا ً بالتزامن مع أسباب أخرى لا تقل أهمية. ولهذا كانت ورقة التفاهمات الفلسطينية رديفا ً مكملا ً للاتفاق ووثيقة الوفاق الوطني ومحاضر الاتفاق.
ثانيا ً_ الرغبة السياسية التي توفرت لدى الطرفين باتجاه تحقيق هذه المصالحة في ظل ظروف سياسية متشابكة وشائكة فالأفق السياسي في مسار المفاوضات مغلق بالكثير من الأقفال مع تنكر نتنياهو وحكومته لحقوق الفلسطينيين، وتصريحاتهم المتكررة الرافضة لهذه الحقوق بل على العكس من ذلك تصعيد متزايد تجاه القدس وأهلها والإعلانات المتكررة حول مصادرة أراض ٍ وبناء مشاريع استيطانية عدا عن ملف الانتهاكات اليومية بحق الفلسطينيين مما يقتل أي فرصة لإحياء هذا المسار وأضف إلى ذلك فقدان حكام كانوا يمارسون الضغوطات على القيادة الفلسطينية باتجاه الاستمرار في هذا المسار رغم كل ما يقوم به الاحتلال من ممارسات.
ثالثا ً_ ومن الأسباب القوية التي يمكن أن تكون عاملا ً لنجاح هذا الاتفاق هو العقدة الأمنية التي تمت معالجتها عبر هذا الاتفاق من خلال التوافق على إعادة هيكلة وبناء الأجهزة الأمنية في كل من الضفة وغزة وعبر الاتفاق على أن تشكيل اللجنة الأمنية العليا تتم بالتوافق، إضافة إلى ما تم التوافق عليه في الورقة المصرية حول الموضوع الأمني.
رابعا ً_ المتغيرات الإقليمية التي تجتاح العالم العربي وشعوبه كان لها الأثر البالغ في تسريع هذا الاتفاق وتغيير بعض الأولويات التي كانت قبل هذه الثورات، فلا شك بأن الطرفان استفاضا في قراءة الأحداث والمتغيرات وحركة الشعوب المحيطة بهم لأن هذه الثورات قلبت بعض المفاهيم وأسقطت عروش الطواغيت ورفعت من قيمة بعض الأولويات التي ربما لم تكن في قمة سلم أولويات قادتها وحكامها، وهنا تكمن الاستفادة من هذه المتغيرات لصالح القضية الفلسطينية ولصالح دعم هذه الاتفاق واستمراره.
خامسا ً_ قوة التدخل والضغوط الخارجية السلبية الرافضة للمصالحة بقوة تضاءلت أمام تزايد الرغبة بالاتفاق، وأمام المتغيرات التي طرأت على حركة الشعوب حتى بتنا نرى أن المواقف التي كانت تقف حائلا ً قويا ً أمام المصالحة بدأت بالتراجع لصالح دعم الاتفاق على استحياء مع محاولة لفرض بعض الشروط وهي مواقف قابلة للتغيير والتأقلم مع قوة الرغبة الفلسطينية بالاتفاق وباستمراره.
سادسا ً_ بعض العوامل الضاغطة إيجابيا ً لصالح تحقيق المصالحة كسعي الفلسطينيين لتغيير الصورة التي علقت في أذهان العالم حول الفرقة والانقسام، ورغبة الطرفين في تجاوز هذه المرحلة بكل ما فيها من خسائر للطرفين لشعور الطرفين أن استمرار هذا الوضع لا يصب إلا في مصلحة الاحتلال فقط، والمبادرات الكثيرة والوساطات المتعددة من الفصائل والمستقلين والدول..
عدا عن الرغبة المتنامية لدى الشارع الفلسطيني وعامة الناس والمستقلين والحراك الشعبي وغيرها الكثير، هذه الرغبة التي بدأت تتبلور في أكثر من شكل لإنهاء هذا الانقسام عبر خيام الاعتصام حتى إنهاء الانقسام، والإضراب عن الطعام والتحرك عبر الفيسبوك.
كل ما ذكر من أسباب أرى أنها يمكن أن تكون ضامنا ً قويا ً يصب في كفة استمرار هذا الاتفاق، وهذا ما لم يتوفر في غيره كاتفاق مكة.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية