عن المصالحة الورقيّة مجددا!
لمى خاطر
لمى خاطر
ما زلت أعجب حقاً كيف أن القيادات السياسية الفلسطينية ترى أن المصالحة غير قابلة للتحقق إلا من بوابة انتخابات جديدة لا تملك أدنى مقوّماتها، بل كيف تفترض أن حكومة جديدة وحدها من ستتمكن من إنهاء مظاهر الانقسام، وأن الحكومتين الحاليتين لا تملكان إنهاءه!
وحين نتحدث عن مظاهر الانقسام، وخصوصاً التغوّل الأمني المستقوي بالاحتلال، وما ينتج عنه من اعتقالات سياسية واستمرار في حظر نشاط حركة حماس في الضفة كحركة مقاومة وكمشروع بأكمله، فنحن لا نتحدث عن إجراءات قمعية بحقها نتجت عن خلافها مع حركة فتح، بل عن ملاحقة جاءت نتيجة لتفاهمات واتفاقات أمريكية وإسرائيلية مع قيادة السلطة، تجلّت عملياً وبصورة مكثفة ومركزة بُعيد عملية الحسم في غزة التي لم تكن سوى مبرر استخدمته السلطة في الضفة لتبرير عمليات القمع الواسعة التي طالت الحركة، وشرعنت لعملية تجفيف منابع المقاومة، بل والمجاهرة بأن استهدافها وحظر نشاطها وتوجيه الضربات الاستباقية لخلاياها الناشئة يأتي في سياق التزام السلطة بتفاهماتها مع الاحتلال من جهة ومع مموليها من جهة أخرى!
ولذلك، فنحن هنا نسأل ببساطة من يرون أن الحكومة المتوافق عليها ستنهي كل هذه المظاهر: كيف ستضمن الحكومة الجديدة إنهاءها ما دامت لا تستند إلى برنامج وطني مجمع عليه ينصّ بوضوح على أبجديات لا تستوعب الرضوخ للإملاءات الخارجية أو الإذعان للضغوطات الدولية؟ بل ما جدوى المصالحة إن كان التخلّص من أدران المرحلة السابقة ليس متاحاً بإرادة وقرار من قبل السلطة التي ما زالت تجاهر ببرنامجها وتمسّكها بنهجها السياسي والأمني؟
ألا يفترض أن تمرّ المصالحة على الأرض بفترة اختبار عملية قبل أن نخلص إلى تحديد مهام الحكومة والإيعاز لها بالتحضير للانتخابات؟ بل هل يستوعب عاقل أن واقعاً أمنياً فاسداً سيتغيّر جذرياً في غضون ستة أشهر هي المدة المفترضة ما بين تشكيل الحكومة وموعد الانتخابات، وفق ما جاء في بنود اتفاق المصالحة؟ أما إن كان هناك من يتصوّر أن إجراء الانتخابات ممكن في ظلّ الواقع الحالي فعليه أن يدرك أنه يطالب فقط بانتخابات شكلية لا نزاهة فيها ولا حرية ولا أجواء ميدانية صالحة!
وما زلت أستغرب حقيقة كيف أننا لم نسمع صوتاً او أصواتاً تقول: إن المصالحة ممكنة بدون انتخابات وبدون حكومة توافق، وبدون التسرّع في تصميم خطوات مرحلة لم تختبر مقدماتها. لأنه إن كان عمل لجنة الحريات وتنفيذ تفاهمات الدوحة وقبلها القاهرة قد وصل إلى طريق مسدود حين اصطدم بصخرة كأداء في الضفة اسمها إخلاص السلطة لمشروع التنسيق الأمني، فليس لأحد أن يرحّل مثل هذه الصخرة إلى المجهول مفترضاً أنها ستزول تلقائياً إن مضت عجلة الحكومة السحرية في طريقها!
ثم ألا يُجمل بالقادة المتحمسين لتكرار التجربة من المداخل السابقة ذاتها أن يتوقفوا قليلاً ليسألوا أنفسهم: لماذا فشلنا حتى الآن في إنجاز المصالحة؟ ألا يمكن أن تكون مداخلنا لها خاطئة؟ أو أن تكون أولوياتنا في تفصيل ثوبها الجديد تحتاج إلى إعادة نظر؟ وأين هي اعتبارات الثوابت الوطنية ومحاسبة الخاطئين بحقها من تفاهماتنا؟
إن دوام الانقسام حتى الآن لا يعني أن ما يُسمى (بطرفي الانقسام) يتحملان الوزر بالدرجة ذاتها كما يحلو لفصائل واتجاهات (البين بين) أن تردّد، بل لأن التلاقي في ظل حالة الافتراق البرامجي الحاد يبدو مستحيلا، ولأن هناك دائماً عصا خارجية قادرة على أن تلوّح في وجه من تنعم عليهم بخيرات مانحيها مقابل خدماتهم، وما دام هذا الخلل الخطير حاصلاً فلا أمل في إنجاز مصالحة إلا إن كانت على حساب الثوابت الوطنية، وإلا إن كانت قادرة على ابتزاز طرف لصالح آخر ومن يقفون خلفه.
انظروا في هذا الخلل، وحددوا معالم برنامج وطني توافقي لا يمسّ الثوابت، واتركوا للمصالحة أن تترجم نفسها واقعا، ثم تحدثوا بعدها عن كلّ شيء!
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية