عن المفاوضات والمصالحة والانتخابات
عريب الرنتاوي
تواصل حكومة نتنياهو الثانية، ما بدأته حكومته الأولى بل وجميع حكومات "إسرائيل" المتعاقبة، من محاولات لنزع "القداسة" عن المواعيد والاستحقاقات المضروبة مع الفلسطينيين... آخر هذه المحاولات تلك التي تجلت في اجتماعات عمان، حيث ينزع الجانب الإسرائيلي للقول بأن مهلة الثلاثة أشهر التي منحتها الرباعية الدولية للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تبدأ منذ اللقاء الأول في عمان مطلع العام الحالي، أي أن المهلة ستنتهي في مطلع آذار المقبل، وليس في السادس والعشرين من الشهر الجاري كما رددت القيادة الفلسطينية.
المهم بالنسبة ل"إسرائيل" هو "كسر الإرادة الفلسطينية" أولاً وأخيراً، والبرهنة للفلسطينيين أولاً وللرأي العام الإسرائيلي ثانياً، أن "لاءات" الفلسطينيين لا تساوي الحبر الذي تُكتب بها، وأن تل أبيب هي سيدة الموقف وهي التي تقرر الأجندة، وعلى الآخرين الالتزام بمخرجات السياسة الإسرائيلية... المهم بالنسبة ل"إسرائيل" ليس الوصول بالمفاوضات إلى أي "مطرح"، بل الذهاب بالفلسطينيين إلى كل "مطرح" باستثناء حقهم في العودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة.
لهذا السبب يبدو أن ثمة إجماع فلسطيني على "عبثية" هذه المفاوضات، أكثر من أي وقت مضى، ولقد عبرت القوى السياسية والحراكات الشبابية والشخصيات والمؤسسات الوطنية عن رفضها الاستمرار في التفاوض مع "إسرائيل" من دون الالتزام بالمرجعيات والضوابط التي حددتها القيادة الفلسطينية نفسها لاستئناف المفاوضات... وأحسب أن تبلور هذا الإجماع سيشكل قيداّ على المفاوضات التي تريدها "إسرائيل" مفتوحة على الزمن، وبلا قيود أو ضوابط، طالما أنها مطلوبة لذاتها.
وفي ظني أن التزام الفلسطينيين ببرنامج المصالحة الفلسطينية، فضلاً عن كونه "خبراً ساراً" للشعب وأصدقائه وحلفائه، يعكس إلى حد ما، مناخات "الثقة المتوّلدة" في الأطر القيادية على أقل تقدير، فضلاً عن كونها تعبر عن تنامي القناعة ببؤس خيار المفاوضات حتى لدى الفريق المفاوض الفلسطيني، والذي تشير مختلف التقديرات، إلى أنه جاء للأردن خطباً لوده وتفادياً لتأزيم العلاقة معه، وليس رهاناً على ما يمكن أن تجود به "قريحة" نتنياهو – ليبرمان – باراك.
إن أخطر ما يمكن أن ينزلق إليه المفاوض الفلسطيني هو الانجرار للعبة "الزمن المفتوح" التي يسعى الفريق الإسرائيلي لفرضها على المفاوض الفلسطيني و"الراعي" الأردني والدولي للمفاوضات... سيما وأن حكومة نتنياهو تدرك بدقة، حاجة الأردن لإنجاح مبادرته وتحاول أن تلعب بها، كما أنها تدرك حاجة المجتمع الدولي الغارق في بحر متلاطم من المشاكل والتحديات الداخلية من انتخابية واقتصادية ومالية، والدولية ممثلة بأزمات المنطقة من إيران وبرنامجها النووي إلى سوريا وصراعاتها المفتوحة وما بينهما، إلى استمرار المفاوضات، وإن لأجل المفاوضات.
لذلك لا نرى بديلاً عن الالتزام باستحقاق السادس والعشرين من يناير الجاري، كموعد نهائي للتعاطي مع "المبادرة الأردنية"، والمسألة هنا لا تتعلق بالأردن ولا بعلاقات السلطة والقيادة الفلسطينيتين معه... المسألة تتعلق بحقوق شعب فلسطين من جهة، وأولوياته الوطنية الضاغطة في هذه المرحلة (المصالحة) من جهة ثانية، وبصورة القيادة الفلسطينية ومكانتها في أوساط شعبها من جهة ثالثة.
لقد سعدت قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني برؤية مسارات المصالحة تسير على الأرض، وإن بتثاقل وعثرات وعراقيل، لم تكن مستبعدة أو مفاجئة على أية حال... وبالأخص تلك التي تتصل بإعادة بناء وهيكلة وتفعيل ممثلة الشرعية الوحيدة منظمة التحرير الفلسطينية، حيث بدا التوافق رحباً بين الفصائل، كل الفصائل، حول هذا الأمر، خصوصاً لجهة انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني، حيثما أمكن، واختيار ممثلين للشتات الفلسطيني حيثما تعذر الانتخاب، وضمان قيام هيئات قيادية جديدة للشعب الفلسطيني، قادرة على ضخ المزيد من الدماء والأفكار والحيوية في عروق المنظمة التي تيبست أو كادت.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن المراقب يحار في فهم ردات فعل بعض الأطراف المحلية على قرار الإجماع الفلسطيني بعدم إجراء الانتخابات للمجلس الوطني في الأردن، من دون أن يكون لردات الفعل هذه أي تفسير أو تبرير منطقيين... فقرار عدم إجراء الانتخابات لا يعني أن فلسطينيي الأردن ليسوا جزءاً من الشتات الفلسطيني، بل جاء من موقع المراعاة الشديدة لحساسية الوضع الداخلي الأردني، وعدم الرغبة في استعجال طرح الأسئلة الصعبة من نوع: من هو الأردني، واستتباعاً من هو الفلسطيني، في هذه المرحلة على الأقل.
في ظني أن هذا القرار هو الخيار الأقل سوءاً من بين خيارات سيئة عديدة، ذلك أن عدم تمكين أي جزء رئيس من الشعب الفلسطيني من اختيار ممثليه بطريقة ديمقراطية، هو قرار سيء في جميع الأحوال... لكن الأسوأ منه، هو فتح كل الملفات دفعة واحدة.
صحيفة الدستور الأردنية
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية