غزة- مصر.. قطع الشريان ... بقلم : هشام منور

الأربعاء 23 أكتوبر 2013

غزة- مصر.. قطع الشريان

هشام منور

لم تكف كل من الولايات المتحدة والكيان العبري عن حثّ مصر على بذل مجهود أكبر لإغلاق الأنفاق التي تمثل شريان الحياة لسكان قطاع غزة، ووقف ما تسميه التجارة غير الشرعية، بدءًا من المحروقات والإسمنت والسلع الاستهلاكية وانتهاء بالأسلحة والصواريخ.

الحكومات المصرية اللاحقة لنظام الرئيس السابق مبارك أظهرت استعدادًا أكبر لإغلاق الأنفاق، فبعد المجزرة التي أودت بحياة 16 جنديًّا مصريًّا بسيناء في آب (أغسطس) 2012م، ومنذ حزيران (يونيو) 2013م، أي في المرحلة التي سبقت مباشرة الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي في القاهرة، شنّ الجيش المصري عمليته الأكبر حجمًا على شبكة الأنفاق.

طُرحت الأنفاق مشكلةً من جديد عام 2005م عندما انسحبت قوات الاحتلال من غزة؛ وتعاظمت بعد سيطرة حركة حماس على القطاع عام 2007م، واعتماد الاحتلال سياسة تقييد الاستيراد والتصدير، وبعد هجوم آب (أغسطس) 2012م باشرت القوات المسلحة المصرية بذل جهود لتدمير الأنفاق تحت الحدود مع غزة، في إطار "عملية النسر" التي انطلقت عام 2011م؛ بهدف التصدّي لما سمته التهديد الجهادي في سيناء، إلا أن الوسائل التي استُخدِمت لم تمارس تأثيرًا كبيرًا على التهريب، واستمرّت التجارة غير الشرعية بصورة طبيعية؛ فمن أصل نحو 250 نفقًا عمدت مصر إلى طمرها أو تدميرها عاود أكثر من النصف العمل بعد وقت قصير.

وفي تقرير إسرائيلي صادر في كانون الثاني (يناير) 2013م ورد أن الإمكانات التكنولوجية الأميركية التي وُضِعت في تصرّف مصر، والتعاون الاستخباري أتاحا للسلطات المصرية منع "تهريب الأسلحة إلى غزة على نطاق واسع".
فضلًا عن القيود التي فُرِضَت لكبح التهريب، انطلقت الإجراءات المصرية لتدمير الأنفاق جدّيًا في شباط (فبراير) 2013م، وعمدت مصر ابتداء من شباط (فبراير) إلى إغراق الأنفاق بالمياه، ما أدّى إلى تدهور بنيتها وثباتها.

وفي الشهر الذي سبق الانقلاب على الرئيس مرسي عمدت القوات المصرية من جديد إلى توسيع نطاق حملتها على أنفاق غزة، وفي هذا الإطار تراجعت كمية المحروقات التي دخلت غزة عن طريق الأنفاق في الأسبوع الأخير من حزيران (يونيو) 2013م إلى نحو 10 في المئة من الكمية التي دخلت في مطلع الشهر، وأورد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أنها "الكمّيات الأدنى التي تُسجَّل منذ آب (أغسطس) 2012م".

وفي الأسبوع الأول من تموز (يوليو) الماضي، أشارت تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن عدد الأنفاق العاملة لم يكن يتعدّى العشرة، وفي نهاية آب (أغسطس) الماضي قال رائد فتوح رئيس لجنة تنسيق إدخال البضائع لقطاع غزة التابعة للسلطة الفلسطينية: "إن أنفاق غزة تعمل بنسبة 30 في المئة فقط من إمكاناتها، لكن مع هذا التساهل البسيط لم تستعد الأنفاق حركتها كما في حقبة مبارك".

تراوح التقديرات لعدد الأنفاق العاملة في حزيران (يونيو) 2013م _أي قبل حملة التضييق الأخيرة_ بين 100 و220 أو ما يقارب 300، أما في أواخر أيلول (سبتمبر) الماضي فكانت نحو عشرة أنفاق فقط مفتوحة.

ووفقًا لتقرير آخر، كانت المحروقات لا تزال تُهرَّب عبر الأنفاق المفتوحة بأقل من نصف الكمية التي كانت تُهرَّب بها في مطلع 2013م، لكن لاستخدامها حصرًا في محطة الكهرباء في غزة، وفي أواخر أيلول (سبتمبر) الماضي قال المتحدّث باسم القوات المسلحة المصرية: "إن مصر دمّرت فعالية شبكة الأنفاق"، وأعلن الجيش المصري أيضًا أنه سينشئ "منطقة عازلة" على طول الحدود في سيناء.

الإجراءات التي يتخذها الجيش المصري قد تكون فعالة على المدى القصير، إلا أن الطلب الاستهلاكي والإنساني داخل غزة سيؤدّي حتمًا إلى استئناف التجارة عبر الأنفاق ما إن تنسحب القوات المصرية، والنشاط المصري المنتظم على الحدود مع غزة يثير قلق الاحتلال الذي لطالما استفاد من استخدام سيناء منطقة عازلة بين قواته والقوات المصرية.
وتظهر تحركات الاحتلال المكثفة على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة، وما يرافقها من حملة اتصالات هاتفية لتأليب السكان على المقاومة، في أعقاب عثور قواته على نفق متطور للمقاومة الأسبوع الماضي؛ مدى تخوف وقلق الاحتلال من ظاهرة الأنفاق، واستغلالها ذريعة لتشديد الحصار على غزة.

وتشهد المناطق الحدودية هذه الأيام حركة نشطة لفرق ووحدات استطلاع إسرائيلية، تستخدم أنواعًا مختلفة من طائرات الاستطلاع والمناطيد الجوية، وغيرها من وسائل المراقبة الحديثة الثابتة والمتحركة، في محاولة أيضًا لطمأنة الإسرائيليين المتخوفين من خطر الأنفاق، بعد نجاح رجال المقاومة في الوصول إلى أسفل المناطق المحتلة داخل أراضي الـ(48).

وينظر الكيان العبري إلى ظاهرة أنفاق المقاومة الهجومية على أنها تعدٍّ كبير على هيبته، وتحدٍّ جديد لقوة ردعه، خصوصًا بعد اطلاعه على حجم التطور النوعي لتقنية حفر النفق الأخير، التي تفوق بكثير تقنية حفر نفقين آخرين للمقاومة سبق أعلن اكتشافهما خلال العام الجاري.

ويتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة حملة تضييق إسرائيلية جديدة على غزة، في محاولة لزعزعة حالة الالتفاف الشعبي حول المقاومة الفلسطينية، واتهامها بجلب المعاناة والمآسي للسكان، وهو ما بدأ الاحتلال بترجمته بقراره وقف إمداد القطاع بمواد البناء، التي أعلن بدء دخولها قبل ثلاثة أسابيع لأول مرة منذ أكثر من ست سنوات من عمر الحصار.

الكثير قامت به الحكومات المصرية لمواجهة ما تسميه حديثًا الخطر القادم من الأنفاق على الأمن القومي المصري، وهي تسمية جديدة باتت توصف بها عملية التهريب عبر الأنفاق، التي كانت _ولا تزال_ شريان الحياة لقطاع غزة وسكانه، فبدل أن تجد مصر والأطراف الإقليمية حلًّا لحالة الحصار المستديم على قطاع غزة، لا يجد الأطراف الدوليون سوى إحكام الحصار بإغلاق القطاع وأنفاقه، وهي أمور لا يمكن أن تكون فاعلة ولا إنسانية بطبيعة الحال.
جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية