فتح في فكر المؤسسة الصهيونية (4)
علاء الريماوي
في المقال السابق تناولنا بعض المحطات التاريخية لحركة فتح ودوافعها بالاتجاه نحو مسيرة التسوية دون الجاهزية الوطنية لذلك، حيث كانت النتيجة التي خلصنا إليها نجاح الحكومة الإسرائيلية في فرض رؤيتها على وسطاء التسوية وحركة فتح، حيث كان واضحا ذلك في تشكيلة الوفد الفلسطيني في مؤتمر مدريد ثم ما تبعه من مسار تفاوضي في القنوات السرية والتي أنتجت اتفاقية أوسلو.
في متابعة مرحلة أوائل التسعينيات من تاريخ حركة فتح، كان الواضح أن الحركة تعيش أزمة الخروج من لبنان، مما جعل طبيعة التعاطي مع مسار التسوية يميل إلى حالة وضع عليها كثير من علامات الاستفهام والتي يمكن تسجيلها عبر ملاحظة أهمها: استحواذ فتح على مجريات التفاوض وحدوده ومضامينه بشكل سري و معزول حتى عن التنسيق بين أروقة المنظمة مما أضر بشكل واضح في مستوى الإنجاز المتوقع.
(إسرائيل) قرأت حالة الفوضى لدى فتح، والفردية، والاستحواذ غير العلمي فنجحت في قلب مفاهيم التفاوض إلى حالة من الإملاء في الشكل والمضمون.
هذه الغلبة كانت (إسرائيل) تستثمرها في ضرب الانتفاضة الفلسطينية من خلال تجميد ثقل مشاركة فتح في برنامج المواجهة الشعبي، حيث ربط الإنجاز في مسار التسوية بالملف الأمني والذي كان مفاجأة للكيان ما تم التوصل إليه مع فتح والذي يمكن لنا إجمال عناصره على النحو الآتي:
1. قبول فتح ربط التقدم السلمي بالملف الأمني الذي فتح علاقة الأطراف من البوابة الأمنية لا السياسية.
2. تنازل فتح عن الملفات الكلية من خلال قبولها بالحل التدريجي الذي لم يعطِ الفلسطيني ضمانة للتطبيق.
3. ربط المفاوضات وتقدمها بسلوك فتح والذي شكل نهاية لدورها المقاوم خاصة في الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
4. تصفية وجود فتح العسكري في الداخل والخارج ونقل ثقل المنظمة لغزة وأريحا.
5. الوقوع في أخطاء تفاوضية لقلة الخبرة وصلت حد الخطيئة مثال ذلك قبول قسمة الشعب الفلسطيني بين مؤيد ومعارض.
6. تحمل إدارة الملفات الاجتماعية والخدماتية عن الأحتلال في ظل عدم وضوح مشروع السلطة.
7. التصرف من قبل قيادة فتح على الأرض كقادة دولة لا كحركة تحرر فلسطينية مما ساهم في انهيار المنظومة التنظيمية لصالح هياكل سلطة بدائية تحت الاحتلال.
8. الدخول في مواجهة مبكرة مع المعارضة الفلسطينية لصالح توجهات الولايات المتحدة في ترتيب الشرق الأوسط خاصة في ملف مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
هذه النقاط الثمانية التي تمخضت عنها المرحلة الواقعة بين الأعوام 92 إلى العام 2000 وجدت فيها إسرائيل قدرة عالية على التحكم في الملف الفلسطيني خاصة بعد اشتداد موجة العمليات التي نفذتها حركات المقاومة ضد الأهداف الإسرائيلية مما شكل حالة غير مسبوقة في التعاون بين جهة فلسطينية ودولة الاحتلال.
هذا الواقع أخذت إسرائيل البناء عليه من خلال توسيع صلاحيات السلطة وتمكينها من بناء منظومة أمنية قوية وقادرة على التحرك في ظروف لم تكن مألوفة من قبل، مما فتح المجال لتوجه إسرائيلي لحشد العالم خلف الولايات المتحدة لبناء ما يعرف بالسلطة الوطنية على أغلب مدن الضفة الغربية وقطاع غزة.
هذا التوسع زاد من حجم المواجهة الداخلية خاصة مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي مما فتح الساحة الفلسطينية لصراع علني بنكهة أمنية تورطت بها للأسف بعض القيادات الفلسطينية الوطنية.
هذا الواقع و لأهميته انعكس على البناء التنظيمي للحركة وكذلك الدور والذي سنتناوله خاصة في الفترة الواقعة بين الأعوم 94 إلى العام 2000
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية