قراءة أولية لما بعد العدوان (الإسرائيلي) على غزة
جمال أبو ريدة
بعد فشل العدوان (الإسرائيلي) على غزة، بقبول الأولى التوقيع في القاهرة على اتفاق التهدئة مع فصائل المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة "حماس"، تأكد للجميع بأن (إسرائيل) والتي ظلت طوال العقود الستة الماضية متفوقة عسكريًا وأمنيًا على العرب كافة، ليست كذلك في نهاية العام 2012 والعدوان الأخير، وللتوضيح أكثر فلقد اعتادت (إسرائيل) في حروبها جميعًا مع العرب منذ النكبة عام 1948، على نقل هذه الحروب وخوضها فوق الأراضي العربية، وقد ذاقت الشعوب العربية ويلات ومرارة هذه الحروب، ودفعت أثمانا باهظة من الأرواح والأموال معاً، بسبب هذه "المعادلة" التي عكست الحالة "السيئة" التي كان عليها العرب، ولقد طال العدوان (الإسرائيلي) طوال هذه الفترة "الطويلة" العواصم والمدن العربية البعيدة قبل القريبة، في الوقت الذي ظل فيه الجمهور (الإسرائيلي) يسمع بالعدوان على العرب من خلال وسائل الإعلام، ويحتفلون بعدها بعودة القوات "سالمة" والانتصار على العرب.
ولكن ما يحسب للمقاومة الفلسطينية خلال العدوان(الإسرائيلي) الأخير على غزة، أنها قد نجحت وبـ" امتياز" في نقل المعركة إلى داخل العمق(الإسرائيلي) منذ اليوم الأول للعدوان، ولعل وصول صواريخ المقاومة إلى مدينة " تل بيب" وغيرها من المدن (الإسرائيلية) الرئيسة، ولجوء ما يزيد عن 5 ملايين (إسرائيلي) إلى الملاجئ، قد أنهى وإلى غير رجعة معادلة الحرب (الإسرائيلية)، التي تقوم على أن الأرض العربية هي مسرح عملياتها العسكرية وحروبها، وأن شعوبها هي التي تدفع أثمان المعركة لوحدها، ولعل هذه الحالة من "الوهم" هي التي لازالت تحكم عقلية رئيس الحكومة (الإسرائيلية) "نتنياهو"، وجعلته لم يفكر كثيرًا أثناء موافقته على عملية اغتيال القائد العسكري لحركة "حماس" أحمد الجعبري، ظنًا منه أن هذه العملية ستكون كسابقاتها من عمليات اغتيال لقيادات المقاومة الفلسطينية.
لقد نجحت حركة "حماس" منذ اللحظة الأولى لعملية اغتيال الجعبري، في التأسيس لمرحلة جديدة من المواجهة العسكرية مع (إسرائيل)، والتي تقوم على نقل المعركة إلى داخل العمق (الإسرائيلي) بكل السبل، ليذوق (الإسرائيليون) ويلات الحرب المريرة، كما ذاقها الفلسطينيون والعرب طوال العقود الستة الماضية بسبب العدوان (الإسرائيلي) على أرضهم، ولعل ما شجع (إسرائيل) على العدوان طوال هذه العقود، أنها ظلت في مأمن من أي رد "فعلي" عربي على عدوانها، ولكن هذه المرة كان الأمر بخلاف ذلك تمامًا، وأعتقد أن هذا النجاح للمقاومة هو السبيل الوحيد بعد اليوم لوقف (إسرائيل) عملية التلويح بالعدوان والقوة في وجه المقاومة، وجعلها تفكر ألف مرة قبل أي "حماقة" عسكرية جديدة ضد غزة على وجه التحديد، التي أصبحت تشكل بعد اليوم "هاجسا" لـ(إسرائيل)، رغم ضعفها وقلة حيلتها، ومرحلة ما بعد العدوان ستكون كافية للتأكيد على ذلك، فغزة بعد اليوم لن تكون ساحة سهلة للعدوان والاجتياح (الإسرائيلي).
ولعل هذا الجديد للمقاومة الفلسطينية هو الذي "دفع" "نتنياهو" إلى طلب التهدئة من المقاومة، وذلك من خلال الوسطاء الأوروبيين والأمريكيين على حد سواء، الذين "هرولوا" إلى القاهرة تباعًا، لمعرفة الشروط التي تشترطها المقاومة للوصول إلى "تهدئة" تحفظ لـ"نتنياهو" ماء وجهه، ويبدو بأن هذه الشروط لم ترق له في بداية الأمر، فكان تصعيد القصف الجوي (الإسرائيلي) للمدنيين الآمنين في بيوتهم، وللمؤسسات الحكومية المدنية منها وغير المدنية، كل ذلك ليظهر بمظهر القوي والمنتصر أمام شعبه، ولكن في حقيقة الأمر كان الأمر بخلاف ذلك تمامًا، وهو ليسهل عليه الهروب من المواجهة العسكرية المباشرة التي كان يهدد بها المقاومة، ولعل "مفاجأة" الصواريخ التي وصلت إلى العمق (الإسرائيلي) هي التي قسمت ظهر العملية البرية، وعجلت بالتوقيع على اتفاق التهدئة في القاهرة، والقبول بكل شروط المقاومة.
لقد بينت الأيام الثمانية من العدوان أن هزيمة (إسرائيل) ممكنة، وليست بالأمر المستحيل، كما حاول البعض إثبات ذلك- وهو الأمر الذي لازال هذا البعض يعتقده- ودفعهم للتنازل عن 78% من أرض فلسطين التاريخية لـ(إسرائيل)، مقابل 22% من هذه الأرض لإقامة سلطة فلسطينية فقط في الضفة الغربية وغزة، وكانت حجتهم الضعيفة التي "حاججوا" بها، أن الأوضاع العربية السياسية والعسكرية "البائسة" هي التي دفعتهم إلى التنازل عما تنازلوا عنه، ولكننا نقول بأن الربيع العربي اليوم، قد أطاح بعنوان الهزيمة العربية ممثلا في الرئيس المصري المخلوع مبارك وغيره من الحكام المهزومين، ولا زال هذا الربيع يؤتي أكله كل يوم، ولعل الحالة التي عليها المقاومة الفلسطينية اليوم هي بخلاف الحالة التي كانت عليها إبان فترة حكم الرئيس المصري المخلوع، فمصر اليوم كلها خلف المقاومة، ويكفي أن رئيس الوزراء المصري هشام قنديل قد زار غزة بعد يومين من العدوان عليها، وهاهي الوفود المصرية الرسمية والشعبية تتوالى تباعًا للتضامن مع شعبها، وتقديم كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي لسكانها لمواجهة آثار العدوان، وهو الأمر الذي تكرر من الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، ووزراء خارجية الكثير من الدول العربية، وبعض الدول الإسلامية، وهو الأمر الذي غاب في العدوان (الإسرائيلي) على غزة في العام 2008/2009، حينما التزم العرب متابعة العدوان عبر الفضائيات.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية