د. أيمن أبو ناهية
ورغم أن الحقيقة تقول إن مستقبل العلاقة بين الأردن وحماس "معقد"، الأمر الذي يؤدي لأزمات عديدة" ، حيث تتوافر جملة من القضايا الاتفاقية والخلافية"، ليس من باب الخلاف ، التفاهمات "الجيوسياسية" فكلاهما متفق على مسألة "الوطن البديل" بأن الأردن لن يكن يوما وطنا بديلا للفلسطينيين رغم التوطين، إلا أن الخلاف يتمحور حول التفاهمات والاتفاقيات السياسية مثل ارتباط الأردن بـ"معاهدة سلام" مع (إسرائيل) وطبيعة العلاقات "الاستراتيجية" مع الولايات المتحدة ونظرتهما إلى "حماس" باعتبارها حركة "إرهابية" تضع قيودا على مستقبل العلاقة بين الطرفين، لذا فتطوير العلاقة "رهن بحدوث تغيرات جوهرية بإعادة تعريف حركة حماس أردنيا وعربيا ودوليا.
ليس كما يقال إن "حماس" تتدخل في الشؤون الداخلية لإخوان الأردن، فكما أن التنسيق السياسي والمرجعية الفكرية واحدة لكلا الطرفين فهم ينفيان وجود تداخلات تنظيمية، بل إن الاستقبال الملكي الرسمي لمشعل نزل "بردا وسلاما" على قلوب قادة إخوان الأردن الحاليين "المنتمين بمجملهم إلى الخط الحمساوي"، لأن إخوان الأردن يرتبطون، سياسياً وتنظيمياً، بحماس الخارج التي فقدت مع اندلاع الثورة السورية، حضورها السياسي الفلسطيني لحساب حماس الداخل.
وبهذا الخروج لم يعد لها من مكان إلا التفاهم مع النظام الأردني على "صفقة تسمح لها باسترداد حضورها من خلال الأردن"، وتمنح النظام الأردني في المقابل، فرصة ممتازة" لاستخدام حماس في ترتيب أوراقه الداخلية"، واستخدام الحركة "للضغط على الإخوان المسلمين" من أجل المشاركة في الانتخابات المقبلة مع تقديم بعض "التسهيلات للحركة في الساحة الأردنية"، مقابل أن يسعى الأردن من خلال هذه العلاقة إلى بناء نوع من الضغط على "سلطة رام الله" كونها "استبعدت الدور الأردني" في الاتصالات التي تجريها مع (إسرائيل) وأكثرت من التنسيق مع "مصر مبارك" في الفترة السابقة.
وأيضا لا ننسى أن الأردن يتميز بعلاقات جيدة مع السعودية وبالطبع سيكون فتح علاقات مع حماس "إرضاء للطلب الخليجي السعودي القطري بعد نجاح الثورة السورية التي أصبحت مؤكدة وإخراج حماس من فلك إيران، لأن أي تحسن في العلاقات الأردنية مع حماس أو العلاقة المصرية معها بالضرورة سيكون على حساب علاقتها مع إيران. كما هي على حساب العلاقات الأردنية مع أبو مازن، طالما أن الانقسام سيد الموقف والمصالحة معطلة بتعطيل تشكيل حكومة وحدة وطنية.
أعتقد أن هذه الخطوة تأتي على خلفية تقديرات أردنية مفادها أن أبو مازن يفقد نفوذه وموقعه أكثر وأكثر. فالحديث ليس عن شخصية أبو مازن, بل الأمر يتمثل في عدم فعالية السلطة الفلسطينية وحيرة منظمة التحرير وفي انهيار حركة فتح وعجزها عن أداء مهامها كمنظمة. ومن ناحية أخرى حركة حماس هي عكس ذلك ولذلك تبدو اليوم كوريث, يعزز موقعه يوما بعد يوم, للحركة الوطنية الفلسطينية العلمانية القديمة كما عرفناها في الماضي.
وبصورة رمزية يمكن القول "إن فلسطين المسلمة تحل محل فلسطين الثورة". والقيادة الأردنية تدرك هذا الواقع المتبلور وتستعد لمواجهته كخطوة براغماتية بشكل مطلق. ليس الحديث عن تحول أيديولوجيا في الأردن، فالأردن لم يغير موقفه من حل الدولتين والأردن يريد الاستمرار في تطبيق معاهدة السلام التي وقعها مع الكيان, والأردن لا يتبنى البرنامج السياسي لحركة حماس, ليس الحديث هنا عن تحول أيديولوجي أردني، بل الحديث عن خطوة براغماتية, محاولة أردنية لمواجهة التطورات والقوى كما هي في الواقع وليس كما كان الأردن يريد أن تكون.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية