ما بعد تحركات أوباما وميتشيل وخطاب نتنياهو الجديد
بقلم: ياسر الزعاترة
كاتب ومحلل سياسي
ما بين تصريحات أوباما في ألمانيا (خطاب القاهرة كان لتخدير المستمعين وليس لطرح رؤية للحل)، وبين تصريحات مبعوثه الخاص للشرق الأوسط جورج ميتشيل في القدس، إلى جانب التوقعات بشأن خطاب نتنياهو الأحد القادم، يبدو أن طبخة التسوية ستوضع على النار خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة في أبعد تقدير.
خلاصة اللعبة الجديدة هي إعلان نتنياهو وقف الاستيطان (ليس تفكيك المستوطنات التي تلتهم ومتعلقاتها حوالي 40 في المئة من الضفة الغربية)، ومن ثم قبول التفاوض بشأن حل الدولتين، في مقابل الشروع في خطوات تطبيعية من جانب الدول العربية، مع التزام أكبر من طرف السلطة بمحاربة المقاومة، وبالطبع في سياق تنفيذ البند الأول من خريطة الطريق.
ليس من الضروري أن يقول نتنياهو صراحة إنه يقبل بحل الدولتين (بيريس وباراك أكدا أنه سيفعل)، إذ من الممكن أن يكتفي بالحديث عن خريطة الطريق التي تتضمن في مرحلتها الثالثة مفاوضات تؤدي إلى دولة فلسطينية.
بذلك يفتح نتنياهو الباب أمام إطلاق عملية تفاوضية جديدة ليس ثمة التزام إلا بما تفضي إليه، لأن الشرعية الوحيدة عند واشنطن هي شرعية طاولة التفاوض وليس القرارات الدولية، وقد قلنا من قبل مراراً وتكراراً إن نتنياهو لن ينقلب على عملية التسوية، وإنه لا يرفض حل الدولتين، وكل ما هنالك أنه يريد تهيئة ائتلافه الحاكم للتحولات الجديدة من جهة، في ذات الوقت الذي يمارس فيه أقصى درجات الابتزاز بحق طرف الفلسطيني وعربي جاهز لذلك. وهنا قد يكون التطور الجديد في خطاب نتنياهو مقدمة لضم كاديما إلى الائتلاف، مع العلم أن ليبرمان ليس سيد المبادئ، وهو يمكن أن يبقى في الحكومة حتى لو غير نتنياهو مواقفه المعلنة.
من الضروري التذكير هنا بأن مقولة ضغط الإدارة الأمريكية على نتنياهو فيها الكثير من التدليس، لأن الضغط على الرجل إنما يأتي من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، فضلاً عن نافذين في المؤسسة السياسية والعسكرية داخل الدولة ممن يعتقدون أن الفرصة مواتية للمضي قدما في عملية تفاوض تؤدي إلى حل يخدم مصالح الإسرائيليين.
هذه المعادلة ليست غائبة عن وعي نتنياهو، لا سيما أنه يدرك أيضاً أنه ليس زعيماً متوجاً للدولة العبرية، بقدر ما هو زعيم حزب لا تصل مقاعده في الكنيست حدود الربع، كما يدرك أن الوضع الدولي لا يحتمل الخطاب المتطرف، فضلاً عن حاجته لتأييد أمريكي دولي في مواجهة المشروع النووي الإيراني.
في ضوء هذه التطورات الجديدة ثمة أسئلة بالغة الأهمية تتعلق بمواقف الأطراف العربية والفلسطينية مما سيجري، إذ هل ستمضي الدول العربية في اتجاه موجة تطبيع جديدة بمجرد إعلان نتنياهو التزامه بعملية السلام، أعني تلك التي رفضت ذلك في الماضي، وماذا ستفعل قوى المقاومة الفلسطينية للرد على هذه اللعبة، وقبل ذلك كيف سيجري حسم الصراع داخل فتح بين دعاة الوفاء لتاريخها كحركة تحرر وبين المؤمنين بدورها الجديد ضمن برنامج خريطة الطريق، وكيف سيجري التعامل مع معضلة قطاع غزة.
هذه كلها أسئلة مهمة، لكن الأجواء التي صنعها خطاب أوباما، ومعها الوضع الفلسطيني البائس بتوجهاته الجديدة في ظل دايتون، إلى جانب تراجع عربي رسمي واضح قبل وبعد خطاب أوباما من أجل مواجهة إيران، وخوفاً من الصدام مع توجهات إدارته الجديدة، كل ذلك يشير إلى أننا إزاء مرحلة خطيرة، بل بالغة الخطورة، سواء أفضت إلى موجة تطبيع مجاني معطوفاً على قبول بواقع السلطة بشروطها الجديدة وتحت مسؤولية "الفلسطيني الجديد"، أم مضت قدماً في اتجاه صفقة لا خلاف على أنها لن تتضمن حق العودة، ولن تفكك الكتل الاستيطانية الكبيرة، وعنوانها دولة ناقصة السيادة مفككة الأوصال على أجزاء من الضفة الغربية، حتى لو حصلت على موطئ قدم في القدس الشرقية يسمى عاصمة لأغراض الاحتفال والتسويق.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية