موقف الغرب مما يحصل اليوم في البلاد العربية! ... بقلم :خالد أبوعرفة

موقف الغرب مما يحصل اليوم في البلاد العربية! ... بقلم :خالد أبوعرفة

السبت 19 فبراير 2011

لا تزال كلمة السر في الغرب: " لا يجب على باقي الشعوب أن تعيش مثلنا "!

موقف الغرب مما يحصل اليوم في البلاد العربية!

خالد أبوعرفة


لقد طردت صحوتا مصر وتونس النوم من عيون كثيرين من أهل السياسة الإسرائيليين والغربيين، ممن يعرفون حقيقة ما جرى وحقيقة قدر مصر تحديداً في العالم العربي، والقادة الإسرائيليون بكوا طويلاً دون غيرهم بتعبير أحد المحللين الإسرائيليين بعد سقوط حسني مبارك.


فالصدمة التي تلقتها أمريكا وإسرائيل وحلفاؤهما في أعقاب الثورات الحاصلة اليوم في الوطن العربي كانت بسبب أن هذه الثورات قد قطعت الطريق على هذه الدول الإستعمارية من إمكانية إحداث إصلاحات أو ديمقراطيات على طريقتها. وبانتهاء نظام مبارك من خلال الثورة الشعبية العارمة تكون قد انتهت حقبة طويلة كانت لأمريكا وإسرائيل اليد الطولى خلالها في السيطرة على أنظمة عديدة في الوطن العربي.


وإذا كان الخبراء السياسيون قد اعتبروا العام 1993 حيث تم توقيع إتفاقية أوسلو هو العام الذي تولدت على أثره " إسرائيل الكبرى"، فإن من حقهم اليوم اعتبار العام 2011 وسقوط نظام مبارك هو عام بداية زوال " إسرائيل الكبرى". وكان العام 1993 قد شهد توقيع اتفاقية أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تلك الإتفاقية التي أتاحت انفتاح مزيد من أسواق العالم أمام إسرائيل وكذلك أبواب الدول التي كانت تمتنع عن إقامة علاقات دبلوماسية وطبيعية معها مما جعل الدخل القومي لها يقفز من 65 مليار$ عام 1993 إلى 195 مليار$ في الأعوام الأخيرة. وبانتظار معرفة مقدار الدخل القومي خلال الأعوام الثلاثة القادمة - حيث ستضطر إسرائيل مثلاً إلى رفع ميزانية الحرب بنسبة 15/20 % - ومعرفة اتجاه العلاقات الإسرائيلية الإقليمية، سيكون بمقدور الخبراء السياسيين الحكم على مستقبل " إسرائيل الصغرى".


لكن لا زالت كلمة السر لدى الغرب لم تتغير بعد، وهي تتمثل بجملة واحدة : ( لا يجب على باقي الشعوب وخاصة العربية أن تعيش مثلنا! ). ونذكر كيف اقترح وزير الحرب الإسرائيلي، إيهود باراك على الولايات المتحدة في أعقاب إجبار الرئيس المصري السابق على التنحي، كما جاء في صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوم الأحد الموافق 6/2/2011، بأن تقوم الولايات المتحدة بتشجيع القيادة العسكرية المصرية بعدم إجراء الانتخابات الآن قريباً، وضرورة اتخاذ ما أسماه باراك "سياسة متوازنة"، تتضمن تشجيع القيادة العسكرية المصرية على إجراء إصلاحات سياسية فورية، بحسب مطالب المتظاهرين، وفي الوقت نفسه عدم التسرع إلى إجراء انتخابات.


وأضافت الصحيفة أن باراك ادعى أن إجراء انتخابات خلال شهرين من الممكن أن يعطي أفضلية لحركة الإخوان المسلمين "بوصفها حركة المعارضة الأكثر تنظيما "، في حين أن إجراء انتخابات بعد 6 شهور أو أكثر سوف يتيح لأحزاب أخرى أو أحزاب جديدة تنظيم صفوفها وتحقيق نجاحات في الانتخابات.


ومثل تصريح باراك نقل "موقع نعناع" العبري تصريح السفير الإسرائيلي الأسبق في مصر" تسفي مازل" بقوله : " الجيش المصري سيحافظ على معاهدة السلام، وسيضمن عدم صعود الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم ".


هذه كلمة السر التي تتناغم معها أكثر الأنطمة السياسية الغربية والتي اعتادت أن تطلق على نفسها مصطلح " المجتمع الدولي"، حيث ترى أنه ليس من الضروري اعتبار الشعوب العربية والإسلامية في حاجة ماسة للعيش كباقي شعوب الأرض، حتى باتت قيادات الأنطمة العربية نفسها مقتنعة بهذا المفهوم، جاء ذلك في جواب عمر سليمان لمراسلة قناة abc يوم 7/2/2011 رداً على سؤالها حول إذا ما كان يؤمن بالديمقراطية فأجاب : بالطبع، ولكن يلزم أن تكون مسبقاً ثقافة في المجتمع بهذا الخصوص!


وقد استغربت وسائل الإعلام من موقف المستشارة الألمانية السيدة ميركل لعدم تفاعلها إيجابياً مع ثورة المصريين بينما أبدت قلقاً واضحاً على مصير معاهدة كامب ديفيد، بينما تعلم السيدة ميركل أن إسرائيل لم تنفذ الكثير من بنودها على عكس مصر، وخاصة البنود المتعلقة بقيام دولة فلسطينية.


وكانت المفارقة بمكان أن دفعت توماس فريدمان الكاتب الأمريكي المعروف للإشارة إلى أن البيت الأبيض شعر "بالقرف الشديد من المتحدثين الإسرائيليين الذين استغلوا الفرصة من أجل الدفع بدعاية مفادها : انظروا إلينا، لقد قلنا لكم، إسرائيل الدولة الوحيدة المستقرة في المنطقة، لأن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة ". ويضيف الكاتب : أن الحكومة الإسرائيلية لم تنتبه إلى التناقض في رسائلها، والتي كان مفادها "نحن الحلفاء الموثقون الوحيدون لكم في المنطقة، لأننا الديمقراطية الوحيدة.. مهما يكن من أمر، يجب عدم التخلي عن مبارك، وعدم شق الطريق نحو الديمقراطية في مصر"!


ولا يختلف كبير المحللين في صحيفة " يديعوت احرونوت " ناحوم برنيع عن معظم كتاب الصحف العبرية فيزعم أن الديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي لم تثمر حتى اليوم عن نتائج إيجابية، معتبراً أن الثورة الإيرانية وفوز حركة حماس في الانتخابات وصعود قوة حزب الله في لبنان أمثلة على استمرار لغة التوجيه والوصاية والإرشاد! متناسياً الكاتب الإسرائيلي أنّ إسرائيل والغرب تنكروا مثلاً لخيار الشعب الفلسطيني عندما صوت لحركة حماس في إنتخابات عام 2006 ففازت ب 59% من مقاعد المجلس التشريعي، بينما أيد الغرب السيد سلام فياض الحاصل على مقعد واحد فقط في ذات الإنتخابات ودعمته لرئاسة الحكومة الفلسطينية، ومعلوم أن فياض كان طيلة فترة رئاسته يحمل أربعة حقائب وزارية جملة واحدة!


إسرائيل والغرب السبب المباشر لخسارة ما أسموه ب (مصر - الكنز الإستراتيجي)!


وتابعنا التخبط الواضح في المواقف الغربية الناتج بالطبع عن الصدمة، لكن في رأيي أنه من الخطأ أن نقول إن إسرائيل خسرت الرئيس المخلوع حسني مبارك، أوخسرت ربما كذلك إتفاقية كامب ديفيد، والصحيح أن إسرائيل استثمرت واستغلت مصر ومقدراتها فوق المدة المتوقعة ولأكثر من 33 عاماً، لدرجة باتت فيها مصر الداعم الإقتصادي الثاني لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، لما توفره مصر عن إسرائيل من مصاريف أمنية وإقتصادية نتيجة تأمينها للحدود الجنوبية، عداك عن صفقة الغاز التي استفاد منها الشعب الإسرائيلي أكثر مما استفاد منها الشعب المصري، حتى قيل: الشعب الذي يشتري غازه.


لكن الملفت للنظر أن خسارة إسرائيل لحلفائها يتم بصورة دراماتيكية، والسبب في ذلك استغلال إسرائيل حلفاءها بشكل يظهرون فيه كعملاء، فتلك إيران الشاه تنقلب في العام 1979 إلى العمامات المؤيدة لإزالة إسرائيل، وهذه تركيا أتاتورك تنقلب في العام 2002 إلى أردوغان ذي التوجهات الإخوانية، واليوم مصر مبارك تنقلب إلى إرادة حرة للمصريين بينما تحذر الدوائر المختلفة من احتمال سيطرة الإخوان المسلمين في أول إنتخابات قادمة..


وما كان لإسرائيل والغرب أن يتفاجأوا، فسياساتهم كانت بالمجمل ستؤدي ولا ريب إلى ما وصلت إليه الأمور. فهذه السياسات قد جعلت من مصر دولة ضعيفة مستباحة مقارنة بالدول الشبيهة لها، إلى حد جعل الشعب المصري ينتفض غاضباً على ما يرى ويسمع. فالمواطن المصري يستطيع بحسبة بسيطة أن يدرك مدى الخسارة السنوية التي حرم منها المواطن والإقتصاد المصريين وذلك عندما يقارن بين دولته وبين إيران وتركيا اللتين لهما الشبه الكبير مع مصر من حيث عدد السكان والمساحة والمقدرات، فالدخل القومي السنوي لإيران 365 مليار$ ولتركيا 790 مليار$، بينما لمصر 165 مليار$ فقط.


ولكي ندرك مدى الإنحطاط الذي كانت عليه أجهزة ومؤسسات الدولة المصرية يكفي أن نطالع إحدى الوثائق التي توصي بالإصلاح المنشود وكانت تحت عنوان " تصوّر عام لإصلاح الدولة " وأشرف عليه خبراء وفقهاء القانون وقدمته إحدى عشر منظمة حقوقية تمثل ائتلاف منظمات الحقوق المصرية ويقوم على 4 مقترحات رئيسة هي ( حل مجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية / وتبني برنامج شامل لإصلاحات دستورية وتشريعية عميقة وفقا لبرنامج زمني محدد / واتخاذ تدابير فورية لإنهاء الدولة البوليسية وإعادة الاعتبار لمبدأ سيادة القانون/ واتخاذ تدابير فورية تضمن محاسبة حازمة وعادلة لمرتكبي مختلف الجرائم التي ارتكبت بحق المصريين منذ بدء الانتفاضة الثورية في 25 كانون الثاني- يناير). هذا عدى متابعة مَواطن إهدار المال العام الذي بلغ طيلة الثلاثين عاماً 3 تريليون $ كما كشفت عن ذلك مراكز دراسية متخصصة.


فماذا تتوقع إسرائيل من الشعب المصري بعد هذا الدمار الذي كان لها يد طولى فيه، وماذا تتوقع إسرائيل من الشعب المصري مثلاً عندما تستغل تسيبي لفني وزيرة الخارجية وجودها في ضيافة الرئيس المصري حسني مبارك فتقوم بالتحريض على الفلسطينيين في قطاع غزة وتقول : كفى يعني كفى.. معلنة الحرب على غزة من القاهرة. هل كانت تنتظر من الشعب المصري أن يصفق لها؟ أم أن صنيعها أشعل ضوءاً أحمراً بقرب التغيير؟


هل كانت إسرائيل ومعها الغرب يتوقعون من الشعب المصري أن يطيل الركوع أمام حسني مبارك ومدير المخابرات عمر سليمان وهما المعروفان بمواقفهما المتشددة تجاه حماس وحزب الله وكراهيتهما العمياء للإخوان المسلمين وتحمسهما لحصار ياسر عرفات ووقوفهما وراء صفقة الغاز مع إسرائيل، وغير ذلك من قائمة الكوارث.


وأعتقد أن الأمور ستزداد تعقيداً كلما اكتشف المصريون حقائق متجددة عن طبيعة العلاقة الآثمة بين القيادة المصرية والإسرائيليين، وليس آخرها ما كشفته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية من أن تقنيات إسرائيلية هي التي مكنت النظام الحاكم في مصر من تعطيل شبكة الإنترنت ومنع المصريين من تصفح الشبكة طيلة الأسبوع الأول من الثورة. ولا ما كشفت عنه كذلك المخابرات البريطانية من أن الداخلية المصرية وراء تفجير كنيسة القديسين واتهام الفلسطينيين بذلك.


باختصار فإن إسرائيل إعتادت طيلة السنوات الماضية إستعباد الشعب المصري، وأرادت إبعاد خطر الإخوان المسلمين تحديداً عن سدة الحكم، لكن الذي حصل أن إسرائيل ومعها الغرب انتهجوا وسائل شجعوا من خلالها فساداً منظماً في الدولة المصرية مما تسبب بالنتيجة بثورة عارمة لا مثيل لها في العصر الحديث، وبعودة مضمونة كذلك للإخوان المسلمين.


وقد زاد من وضوح الصورة أن صدرت تصريحات عديدة من سياسيين عرفوا بعدائهم الشديد للشعوب العربية وبخدمتهم العمياء لإسرائيل كتصريح الرئيس البريطاني الأسبق توني بلير لقناة CNN يوم 9 فبراير وقوله "إن حسني مبارك قد أسدى خدمات كبيرة "..." وحافظ على السلام في الشرق الأوسط طوال 30 سنة "، أو ما قاله وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي بنيامين بن إليعيزر عقب إجتماع مصري إسرائيلي في شرم الشيخ لبحث وسائل الضغط على السلطة الفلسطينية للعودة إلى طاولة المفاوضات، من " أن الرئيس مبارك يُعد بمثابة كنز إستراتيجي لإسرائيل"، هذه وأمثالها من التصريحات كانت دوماً وسيلة الشعوب للكشف عن مدى عمالة زعمائها وخدمتهم لأعداها.

الإخوان المسلمون والحضور القوي في مشاهد التغيير العربي

من الطبيعي أن يختلف المراقبون حول حقيقة دور الإخوان المسلمين إزاء الثورات المعاصرة وعلى الأخص الثورة المصرية، وكذلك مدى صوابية هذا الدور ووطنيته، فالأفهام تتعدد والأحكام لها ملابساتها وخلفياتها، ولكن من المؤكد أنه لا يختلف مراقبان عند الحديث عن الإخوان المسلمين أننا بصدد ظاهرة تنظيمية صلبة، وحالة تعبوية منضبطة وحضور سياسي مدني متقدم، وأنه لا مقارنة بين حجم الإخوان من جهة وأحجام الأحزاب المنافسة متفرقين.


وفي اعتقادي أن إتباع الإخوان لسياسة عدم الظهور القوي والمكشوف في الساحات السياسية المختلفة، وعدم حرصهم على الفوز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية - باستثناء ما حدث في فلسطين -، وكذلك أسلوب الإخوان البعيد عن التعالي في التعاطي مع الأحداث والتطورات، وقد تجلى ذلك في حرص الإخوان على التصريح عن أنهم لا يشكلون سوى جزء مشارك في إدارة ثورة ميدان التحرير، فلم يرفعوا راية خاصة ولم ينادوا بشعار خارج شعارات الثورة، ولم يدعوا بخصوصية لهم على من سواهم، كل ذلك شجع البعض من المحللين المتعجلين من الحكم على الإخوان أحكاماً سطحية مقللين من شأنهم، وسريعاً ما اصطدمت هذه الأحكام مع الوقائع بعدما أشار العديد من المراقبين إلى أن هذا التظاهر الضخم لم يكن ليستغني عن قدرات الإخوان الكبيرة في مده بأنواع اللوجستيات وخاصة الغذاء والماء واللوازم الضرورية لاستمرار المرابطة في الميدان.


ونظرة سريعة في بيان الإخوان المسلمين في مصر عقب نجاح الثورة يعكس بعض ما ندعيه من حقيقة صورة الإخوان، حيث جاء في المقدمة : "إن الثورة الشعبية العظيمة التي قام بها شعب مصر البطل لتغيير حياته وأحواله تغييرًا جذريًّا، والتي فتحت الباب على مصراعيه للإصلاح والبناء، وللوحدة والترابط، وللتقدم والنهوض، تستوجب المشاركة الوطنية بين كل الفئات لرسم طريق السير إلى المستقبل الزاهر، بإذن الله،".


لذا فليس من الغريب أن ترى المحللين الموضوعيين يزداد إعجابهم بالثقة والإعتداد التي يبديها الإخوان بأنفسهم عندما يقررون أنْ : " لا ترشيح لأحد من الإخوان للرئاسة القادمة، ولا مشاركة في الحكومة المؤقتة، ولا حرص على الأغلبية لدى أول إنتخابات قادمة ".


والسبب في رأيي أن أهم الوسائل التي يحرص عليها الإخوان للتمهيد للمشاركة في الحياة السياسية هي العمل على تهيئة أجواء الحرية والعدالة والتعددية السياسية. ففي هذه الأجواء يجد الناس بسهولة أي البرامج أفضل لسياسة الدولة، وهنا غالباً ما يرى الإخوان أنفسهم أقوياء.


المعادلات اختلفت


لذا وعلى أساس المناخ الثوري العام في المنطقة، فأنا أعتقد أن كل الأنظمة العربية ستئول إلى السقوط طوعاً أو كرهاً، ونحن مقبلون فعلاً إلى شرق أوسط جديد ولكن بغير المعادلات التي صيغت في تل أبيب وواشنطن. وأننا أمام قطب عربي إسلامي قادر على تنفيذ إرادته السياسية في حد أدناه عشرين عاماً في كل الأحوال، ولا يعطل ذلك قيام حرب عالمية ثالثة ستكون بالضرورة سبباً في استعجال تشكل القطب المنشود.


لقد كشفت أحداث تونس ومصر عن تطور كبير إزاء ظاهرة قيادة عنصر الشباب للأنظمة، وكان أن تولى سدة الحكم خلال العشر سنوات الماضية عدد من الرؤساء الشبان بحكم الوراثة، ولكننا اليوم أمام شباب يخرجون إلى الميادين بالملايين لإسقاط الأنظمة، وغداً سنراهم في سدة الحكم.


وكنت قد بكيت وأظن قد بكى مثلي الكثير خاصة ممّن هم في عقودهم الأخيرة وأنا أستمع على شاشة الجزيرة إلى التونسي العجوز إبن العقد السابع وهو يوجه حديثه للشباب قائلاً : يا شباب شدوا ولا تترددوا.. لا تتراجعوا.. أنتم شباب.. ثم مسح بيده رأسه المشيب وتحشرج صوته والدمع في عينيه يقول : أما نحن فقد هرمنا.. هرمنا.. لقد صبرنا عشرات السنين من اجل هذه اللحظة ".


لذا فإن العيون اليوم متجهة ليست تجاه صوب معين بل إلى كافة الصعد والإتجاهات إنتظاراً للثورات التالية.


وليست ثورة الفلسطينيين الثالثة على الإحتلال الإسرائيلي بمنأى عن العدوى الجارية في المنطقة بسبب بشاعة سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وكذلك الأراضي المحتلة عام 1948 وتحديداً في أراضي عراقيب النقب.


إلا أن انتهاج السلطة الفلسطينية للتنسيق الأمني مع الإحتلال وتنازلها عن خيار الدولة المستقلة ذات السيادة الكاملة وتنازلها عن مدينة القدس وحقوق اللاجئين، وقبولها بسقوط 42% من الأراضي الفلسطينية تحت سيطرة المستوطنين، وقبولها ببقاء الأسرى الفلسطينيين في الأسر، وقيامها بكسر مجاديفها وبدائلها الإستراتيجية من خلال "نبذ العنف"، ومن خلال ضرب قوى المقاومة وملاحقتها حتى لو أدى ذلك إلى ضرب الوحدةالوطنية والنسيج الداخلي الأمر الذي حصل بالفعل، إضافة إلى هدر الأموال الطائلة في نواحي الفساد المتشعبة، كل ذلك وغيره يرشح قيام ثورة من نوع آخر في الأراضي الفلسطينية ولكن هذه المرة ضد السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية. فإنه إن لم يعد ممكناً إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية والقدس فلا أقل من إيقاف الدور الوظيفي الراهن للسلطة الفلسطينية والمتمثل بحمل "الملفات القذرة " الذي يخدم أجندات إسرائيلية بالدرجة الأولى على حساب الأجندة الوطنية، والعودة مرة أخرى إلى تحميل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولياته كاملة تجاه الشعب الفلسطيني الواقع تحت الإحتلال.. قانونيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وصحيًّا ... ، وألا يتحملها أي طرف فلسطيني، طالما أن الطرف الإسرائيلي غير جادّ في الانسحاب الكامل، ويبحث فقط عن مجرد وكلاء أو غطاء لاحتلاله الدائم.


وإسرائيل من جهتها لا تخفي قلقها من ثورات فلسطينية من هذا القبيل، فقد اعتبر العديد من المحللين والخبراء الإسرائيليين ومنهم البروفيسور" أنات كورتز" مدير معهد الأبحاث الأمنية في جامعة تل أبيب " أن أي حادث خارج عن سيطرة الإسرائيليين والسلطة الفلسطينية قد يؤدي إلى إنتفاضات جديدة، وعندها فإن لدى الفلسطينيين تاريخاً مميزاً لا يحتاجون معه إلى أي محفزات".


إلا أن السلطة الفلسطينية كغيرها من الأنظمة الواقعة تحت هيمنة الولايات المتحدة والضغط الإسرائيلي لا تجرؤ على القيام بخطوات جذرية وجدية في التقدم إلى الأمام، فتقوم بدلاً من ذلك بالبحث عن أطواق النجاة، بقصد المناورة وشراء الوقت، ومثالاً على ذلك قرارها بحل حكومة فياض وإعادة تكليفه بتشكيل حكومة جديدة وإقالة صائب عريقات "كبير المفاوضين" وكذلك إعلانها النية لعقد انتخابات نيابية ومحلية في "الضفة والقطاع".


وأخيراً.. وليس آخراً


ففي الوقت الذي كان الأولى بالأنظمة أن تسهر على خدمة الشعوب وحمايتها وتأمين مستقبلها.. ها هي تبحث عن ملجأ ومخبأ من الشعوب التي تفجرت فجأة تبحث عن حقوقها المقدسة.. ولا تبالي لو بحثت عنها بين أسنان الأنظمة أو في خزائن الثروات المغتصبة.


إن المجتمع الدولي مدعو اليوم أكثر من أي يوم مضى للوقوف مع خيارات الشعوب والتكفير عن ذنبه بالتنكر لها طويلاً بدعوى "أخلاقيات المصالح المستبدة" أو "دكتاتورية الأنظمة الديمقراطية "، وخاصة الوقوف إلى جانب خيارات الشعب الفلسطيني، الذي نتيجة ظلمه والتنكر لحقوقه لمائة عام خلت أو يزيد وجدت كبرى الدول المستبدة نفسها مستدرجة في الدخول في أتون السياسات المنحرفة المضللة للشعوب والمزورة للحقائق حتى يومنا هذا.


وتدور الأيام مرة أخرى، وتتهيأ الشعوب العربية والإسلامية عامة والشعب الفلسطيني خاصة ليقفوا من جديد أمام مرحلة تاريخية عظيمة الأحداث، ليصنعوا مجداً.. لطالما حلموا به وحاولوا العمل من أجله.. فوقف في طريقهم حيناً أعداؤهم.. وصدهم أحياناً كثيرة بنوا جلدتهم.. ليقضي الله أمراً كان مفعولا.


والله غالب على أمره.. ولكن أكثر الناس لا يعلمون

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية