نتنياهو ومصادرة القرار الدولي بالاعتراف بفلسطين دولة مراقب غير عضو
جمال أبو ريدة
لم ينتظر رئيس الوزراء (الإسرائيلي) "نتنياهو" طويلا للرد على قرار السلطة الفلسطينية بالتوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لنيل اعترافها بفلسطين "دولة مراقب غير عضو"، وهو القرار الذي لاقى تأييد 138 دولة من مجموع 193 دولة عضوا في الأمم المتحدة، وفي صبيحة اليوم التالي للقرار كان قرار حكومة "نتنياهو" بتسريع المخططات الهيكلية للبدء في عمليات البناء في المنطقة "E1"، وببناء 3000 وحدة استيطانية جديدة في القدس الشرقية، وتحديدًا في المنطقة الواقعة بين القدس الشرقية ومستوطنة "معاليه أدوميم"، وكان التبرير الذي قدمته حكومة "نتنياهو" لقرارها الجديد، أنه يأتي ردًا على قرار الأمم المتحدة الاعتراف بفلسطين "دولة مراقب غير عضو"، الأمر الذي يعني أن (إسرائيل) أقوى من مجموع الدول التي وافقت وأيدت القرار، وأقوى من كل القرارات الصادرة عن المجتمع الدولي المؤيدة للحقوق السياسية والوطنية للشعب الفلسطيني، كما أن القرار هو اختبار لتلويح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية في حالة الاعتداء (الإسرائيلي) على الشعب الفلسطيني من عدمه، كما صرح بعيد التصويت على القرار مباشرة.
وتكمن خطورة هذا القرار في تقسيمه للضفة الغربية إلى قسمين، ومن ثم القضاء على كل المحاولات المبذولة من المجتمع الدولي لإقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا على حدود الرابع من حزيران 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية، كأساس لتسوية الصراع الممتد في المنطقة منذ ما يزيد عن ستين عامًا، الأمر الذي يكشف "زيف" المفاوضات التي لا زال رئيس السلطة متمسكًا بها كوسيلة لتحقيق خيار الدولتين (دولة فلسطينية بجوار دولة إسرائيل)، والتي – المفاوضات- مضى عليها عشرون عامًا، والتنازلات الجمة التي قدمتها السلطة خلال هذه الفترة من جانب، ويعزز من جانب آخر المقاومة المسلحة كخيار للوصول إلى الحقوق السياسية والوطنية للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها الدولة الفلسطينية، ولعل الشروط التي فرضتها المقاومة الفلسطينية في اتفاق التهدئة الأخير مع (إسرائيل) في القاهرة، وفي مقدمتها رفع الحصار المفروض على غزة منذ العام 2007، مقابل وقف إطلاق النار بين الجانبين بعد حرب الأيام الثمانية، التي نجحت فيها المقاومة من ضرب العمق (الإسرائيلي) بالصواريخ، وأجبرت 4 ملايين (إسرائيلي) على النزول إلى الملاجئ، يكفي للتأكيد على اللغة الوحيدة التي تفهمها (إسرائيل)، بعيدًا عن اللغة التي لا زال الرئيس محمود عباس يخاطبها بها.
وبالقدر الذي كان فيه القرار تحديًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولإرادة المجتمع الدولي معًا، فإنه شكل أيضًا تحديًا لإدارة الرئيس الأمريكي "أوباما"، التي ساندت الموقف (الإسرائيلي) المعارض لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، وجندت قبل ذلك كل علاقاتها الدولية لإفشال التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة من أصله، وكان "أوباما" عندما تولى منصبه قد دعا (إسرائيل) إلى وقف الاستيطان كوسيلة لفتح الباب أمام المفاوضات مع الفلسطينيين، إلا أن "نتنياهو" لم يذعن لهذا المطلب، اللهم إلا في فترات مؤقتة، الأمر الذي يضع علامات استفهام كبيرة حول "التعويل" الفلسطيني والعربي على الموقف الأمريكي بعد فوز "أوباما" بولاية ثانية كرئيس للولايات المتحدة، للضغط على (إسرائيل) للالتزام بقرارات الشرعية الدولية، والدفع بعملية السلام المتوقفة منذ العام 2010م، بسبب عدم التزام حكومة "نتنياهو" بوقف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، فهل تكف هذه الأطراف بعد اليوم عن التعويل على الموقف الأمريكي لمساندة الحقوق السياسية والوطنية للشعب الفلسطيني، وتذهب إلى "مكاشفة" الجميع بالموقف الأمريكي الضعيف والمنحاز إلى (إسرائيل)، رغم المصالح الأمريكية الضخمة في المنطقة العربية؟.
وكشف قرار "نتنياهو" الأخير أيضًا زيف قوى السلام (الإسرائيلي)، التي لا زال رئيس السلطة يتوجه إليها في كل مرة بخطاباته السياسية كشريك له في عملية السلام، ويستقبل هذه القوى في مقره بالمقاطعة، ولعل مباركة حزب العمل "المعارض" لهذه الخطوة "الإستيطانية" هو أكبر برهان على وحدة الصف (الإسرائيلي) المؤيد للاستيطان في مناطق السلطة الفلسطينية، والمتنكر لحق الفلسطينيين في دولة مستقلة بهم، ولعل ما جاء على لسان بعض قيادات حزب العمل:" أنه لا اعتراض على حق (إسرائيل) بالبناء في القدس، ولكن يجب خفض ألسنة اللهب في التوقيت الحالي، وأن مثل هذا الإعلان من الممكن أن يمس بالمصالح المشروعة لـ(إسرائيل) في القدس والكتل الاستيطانية"، ما يكذب مواقف الحزب المعارضة لمواقف حكومة "نتنياهو" اليمينية المتطرفة، ويفضح مواقفه "الشكلية" المؤيدة للسلام مع الفلسطينيين، والاعتراف بحقوقهم السياسية والوطنية.
وفي الوقت الذي توقعت فيه السلطة الفلسطينية موقفا أوروبيًا معارضًا للقرار (الإسرائيلي)، فقد جاء الموقف الأوروبي بخلاف ذلك تمامًا، حيث اكتفت الدول الأوروبية بدعوة (إسرائيل) إلى "الامتناع" عن بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية الجديدة على الأراضي الفلسطينية، ولعل الوقوف على تصريحات بعض وزراء خارجية الدول الأوروبية يكفي للتوضيح أكثر حجم التواطئ الغربي مع قرار حكومة "نتنياهو" الأخير، حيث علق وزير خارجية بريطانيا "وليام هيغ" على قرار "نتنياهو" بالقول :" أن بريطانيا تنصح الحكومة الإسرائيلية بإلغاء هذا القرار"، في الوقت الذي تملك فيه هذه الدول اتخاذ الكثير من العقوبات بحق (إسرائيل)، كتعليق الاجتماعات الحوارية الدورية بين (إسرائيل) ودول الإتحاد، واعتماد قرارات رسمية بوضع شارات خاصة لتمييز منتجات المستوطنات، لا بل السعي لتمرير بعض العقوبات على المستوطنات في مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
فهل يكفي كل ما سبق لإعادة السلطة الفلسطينية لموقفها من (إسرائيل) ومن عملية السلام التي تبين فشلها في استعادة أبسط الحقوق السياسية والوطنية للشعب الفلسطيني، بل كانت فرصة أمام (إسرائيل) لمصادرة المزيد من الأراضي لبناء المزيد من المستوطنات عليها؟
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية