هاجس الربيع العربي وصعود الإسلام السياسي ... بقلم :علي بدوان

الثلاثاء 07 فبراير 2012

هاجس الربيع العربي وصعود الإسلام السياسي

علي بدوان
بدأت أعمال الدورة الثانية عشرة لمؤتمر هرتزليا السنوي في «إسرائيل» هذا العام، في أجواء ومناخات استثنائية لها علاقة بالتطورات الإقليمية التي وقعت خلال عام مضى، كما لها علاقة بسخونة الملفات التي تم عرضها على جدول أعماله المختلفة في دورته الجديدة.

فقد خيم على أعمال المؤتمر بجلساته المختلفة مناخات ما بات يسمى لدى الكثيرين بـ «الربيع العربي»، والقلق الذي قد يستجلبه هذا الربيع على «إسرائيل» وعلى «مناعتها القومية»، والأوضاع في المنطقة من الوجهة «الإسرائيلية» بعد تصّدر الحركات الإسلامية للمشهد السياسي في العديد من الدول العربية ومنها مصر على وجه الخصوص، التي تشكل البارومتر الحساس لقياس عوامل الإحاطة التي تؤثر على «الأمن القومي للدولة العبرية» من وجهة نظر صناع القرار في «إسرائيل».

فما هي النقاط والعناوين الرئيسية التي توقف عندها مُنظري مؤتمر هرتزليا، وكيف يمكن أن نلخص التوجهات العامة والاستنتاجات المتوقعة عن نتائج أعمال المؤتمر والموجهة بالأساس لصناع القرار في «إسرائيل» لاشتقاق المواقف القادمة على ضوء تزاحم الأحداث في المنطقة والإقليم..؟

كثافة لافتة في الملفات

في البداية، نقول إن مؤتمر هرتزليا يعقد سنوياً منذ العام 2000،بمشاركة قادة ومفكري دولة «إسرائيل» على كافة المستويات الأمنية والعسكرية والسياسية، إضافة لدعوات توجه لعدد من النخب السياسية والفكرية في العديد من دول العالم، خصوصاً الولايات المتحدة. حيث يعقد المؤتمر تحت عنوان «المناعة القومية» أو «الاستراتيجية الأمنية والسياسية والاقتصادي لدولة «إسرائيل»، مشكلاً في الوقت نفسه مؤتمراً تقييمياً لسياسات الدولة العبرية في مناحيها المختلفة خلال عام مضى، ومقدماً في الوقت نفسه الاقتراحات والرؤى للمرحلة التالية، وهنا تكمن أهمية هذا المؤتمر من الوجهة «الإسرائيلية» ومن الوجهة العملية في بناء السياسات والتكتيكات اليومية، في وقت مازلنا فيه نحن العرب نفتقد لمحطات مؤتمرية تسود فيها الروح النقدية بكل صراحة ووضوح، وتعمل على إحداث تلاقح بين الأفكار والعقول وصولاً لبناء استراتيجيات وتكتيكات عربية لمواجهة الاستحقاقات المطروحة على جدول أعمال شعوبنا وأنظمتنا.

الدورة الحالية الثانية عشرة لعام 2012، تمت برئاسة الثري اليهودي وجنرال الاحتياط داني روتشيلد، وهو شخصية سياسية من غلاة الصهاينة، ومن أصحاب القفازات الحريرية الناعمة التي تخفي وراءها موقفاً صهيونياً بامتياز، وعنجهية وتصلب لا مثيل لها. فهو من أصحاب الخط السياسي الذي يحمل اللاءات المعروفة في المفاوضات مع الطرف الفلسطيني ومع الطرف السوري (لا عودة لأي لاجئ فلسطيني، لا عودة لأي جزء من القدس للسيادة العربية أو الفلسطينية، لا عودة لخط الرابع من يونيو في أي تسوية نهائية مع الفلسطينيين أو السوريين إنما لحدود متفق عليها.. إلخ).

لقد جاء جدول أعمال مؤتمر هرتزليا مزدحماً، فقد توقف عند عناوين هامة بالبحث والتحليل والتوصيات. فجاء الموضوع الإقليمي والربيع العربي وصعود الإسلام السياسي في المنطقة العربية والموضوع السوري واحتمالاته الممكنة، والتحول في القوى داخل الشرق الاأوسط، السعودية ومصر وإيران وتركيا، ومستقبل «إسرائيل» في شرق أوسط متغير على رأس أولويات البحث. وتلا ذلك الموضوع المتعلق بالملف النووي الإيراني. ثم موضوع «إسرائيل ويهود الخارج، وواقع الصهيونية في القرن الحادي والعشرين» (وهو موضوع هام وحساس على ضوء توالد ظاهرة الاندماج والتماثل لدى يهود العالم وبروز ظاهرة ابتعادهم التدريجي البطيء عن إسرائيل والفكرة الصهيونية وما يشكله هذا الأمر من مخاطر استراتيجية على المشروع الصهيوني ككل). وتلاه موضوع الإعلام الجديد والفضاء الافتراضي تحت عنوان (الحرب الالكترونية من النظرية للتطبيق). ثم الملف الاقتصادي وموضوع الطاقة.

هواجس المؤتمرين، لخصها رئيس المؤتمر الجنرال داني روتشيلد، بمقدمة مطولة تحت عنوان بات هو العنوان العريض لأعمال المؤتمر «في عين العواصف: إسرائيل والشرق الأوسط».

مطولة الجنرال الاحتياط داني روتشيلد فتحت الحوار أمام حلقات نقاش ساخنة عن واقع الشرق الأوسط، حين اعتبر أن «إسرائيل» تواجه الآن تحديات خطيرة في ظل المتغيرات المتفاعلة في العالم وفي الشرق الأوسط، وأن الربيع العربي يشكل تهديداً قوياً في ظل صعود الإسلام السياسي في المنطقة. ومؤكداً في الوقت نفسه أن الأزمة الاقتصادية العالمية تهدد «إسرائيل» بتحديات اقتصادية خطيرة.

إن القلق «الإسرائيلي» الذي خيم على أعمال مؤتمر هرتزليا بدورته الأخيرة، كانت بواعثه الأساسية تكمن من الاحتمالات المفتوحة أمام حالة الحراك الجارية في العالم العربي، ومن الآفاق غير المغلقة للحالة المصرية، بما في ذلك إمكانية انهيار التسوية مع مصر، وعودة مصر إلى خطها الماضي، خطها الأبوي للأسرة العربية، وكحاضنة للحالة العربية الرسمية وعلى كل مستوياتها، وهو ما قد يستولد إعادة بناء الاصطفافات في المنطقة، وعودة الصراع إلى بداياته الأولى بين المشروع الوطني التحرري الفلسطيني والعربي مع المشروع الصهيوني.

لقد دفع الربيع العربي قادة الفكر «الإسرائيليين» في مؤتمر هرتزليا وأمام تصاعد الدور الإيراني، ونمو النــفوذ التركي الإسلامي، وصعود نجم الأحزاب الإسلامية في العالم العربي ودعم حلفائها العرب التقليديين لهذه الأحزاب، لإعادة مراجعة سياسة وتحالفات «إسرائيل» الخارجية والاتجاه نحو توسيع مفهومها للأصدقاء المحتملين لتشمل دولاً مثل أذربيجان وقبرص والهند وبلغاريا ورومانيا وجنوب السودان.
بيريز والاختفاء التدريجي لصيغة متقادمة

لقد تنازعت قاعات المؤتمر وجهتي نظر أساسيتان، عبر عنهما تياران من بين المفكرين والسياسيين والأمنيين والعسكريين «الإسرائيليين»، التيار الأقل تشدداً، والتيار الأكثر تشدداً، في رؤية واحدة صهيونية براغماتية، والثانية صهيونية فجة. فالصوت البراغماتي الأعلى والأكثر تأثيراً في مسار أعمال المؤتمر، انطلق من فم الثعلب الصهيوني شيمون بيريز، هذا العجوز المحنك الذي لم تضنيه سنوات عمره الطويل في العمل السياسي والدبلوماسي منذ ما قبل نكبة فلسطين وقيام الدولة العبرية على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني، بل دفعته أكثر فأكثر نحو إعادة صياغة سياسات ومفاهيم الصهيونية والدولة العبرية بقالب جديد يلحظ المتغيرات ويحافظ في الوقت ذاته على الجوهر والمضمون في الرؤى والمواقف الحقيقية للدولة العبرية.

فشيمون بيريز يرى «أن العالم بصيغته المعروفة يختفي تدريجياً، وأن صيغته الجديدة لا تزال لغزاً لافتاً لتراجع قوة الحكومات والأطر الدولية والهويات القومية مقابل تعاظم قوة العولمة، وأن الكيان الصهيوني رغم تطوره اقتصادياً وعلمياً، إلا أنه غارق في عالم قديم من الناحية السياسية، وعليه فإن المرحلة تتطلب اجتراح حلول تحافظ على المضمون وتعمل على بناء حلول مبدعة».

وانطلاقاً من ذلك، فإن أصحاب الرؤية الصهيونية البراغماتية يرون بأن الطريق الوحيد أمام الكيان الصهيوني للخروج من نفق التسوية المسدود يتم عبر تسوية الصراع مع الفلسطينيين وعدم التعامي عن المخاطر والفرص، وترجمة فكرة الدولتين على أرض الواقع، وترسيم الحدود لصياغة النظام الأمني من خلال «مفاوضات فورية خارج التفكير المألوف وبعيداً عن الإعلام». أما معالجة الملف النووي الإيراني فتتم باللجوء للخيارات الدبلوماسية في إطار عملية ضغط دولية متتالية على طهران، مع عدم استبعاد أي خيار أخر، باعتبار أن خطر الملف النووي الإيراني هو خطر وجودي على الدولة العبرية الصهيونية وعلى مستقبل وجودها.

أما أصحاب الرؤية الصهيونية الفجة والمتشددة، فتضم في صفوفها غلاة الصهاينة وزبدة المتطرفين داخل «إسرائيل» وعموم أحزابها وتشكيلاتها السياسية والفكرية، وكان خير مثال عليهم الميجر جنرال أفيف كوخافي رئيس هيئة الاستخبارات في «الجيش الإسرائيلي» الذي قدم واستطال في تقديم مطولاته عن الأخطار التي يحملها الربيع العربي والإسلام السياسي بالنسبة لإسرائيل، مبدياً التخوف والتحسب الكبير من الإرهاصات والتداعيات الآتية من الربيع العرب، والتغييرات السريعة وغير المتوقعة، مشيراً إلى أنها «وضعت حدا لأحلام إسرائيل بتطبيع علاقاتها مع الدول العربية»، خاصة بعدما دفع ذلك الربيع بالحركات الإسلامية للواجهة في مصر وتونس وليبيا والمغرب.

وزاد الميجر جنرال أفيف كوخافي بأن نفخ في كير المخاطر العسكرية مبالغاً بها إلى حد أثار الاستغراب حين تحدث عن وجود منظومات صاروخية تحيط بالدولة العبرية عبر امتلاكها أكثر من (200) ألف صاروخ وقذيفة صاروخية مختلفة المدى موجهة إلى «إسرائيل» من لبنان وسوريا وإيران، ومنها صواريخ قادرة على إصابة أهداف في عمق أراضي فلسطين التاريخية وفي منطقة تل أبيب الحيوية التي تضم ثلثي سكان «إسرائيل» وغالبية منشأتها الحيوية والاستراتيجية.

الملف النووي الإيراني وسطوة الحضور

أما بالنسبة للملف النووي الإيراني، فخلال أعمال مؤتمر هرتزليا انشغل المسؤولون العسكريون والاستخباراتيون «الإسرائيليون» من كلا الاتجاهين: الاتجاه الصهيوني الفج، والاتجاه الصهيوني البراغماتي، بالإجابة حول ما إذا كان على «إسرائيل» التحضيرلشن ضربة عسكرية على إيران، في حين كانت الإجابة الأكثر إقناعاً أن «إسرائيل» غير قادرة لوحدها على القيام بهكذا عملية عسكرية، وأنه لابد من الوجود الفاعل للولايات المتحدة بأي عمل عسكري ضد إيران، لكن يبقى الطرق الدبلوماسي هو الخيار الأفضل مترافقاً مع تشديد للعقوبات الأوروبية والأميركية (وهو رأي شيمون بيريز).

ومقابل ذلك فهناك قناعة هامة عبر عنها قادة الفكر والأمن العسكر الصهاينة خلال أعمال المؤتمر بقولهم «أن استهداف إيران عسكرياً سيفتح أبواب الجحيم على طول الحدود الشمالية مع لبنان وعموم المنطقة». ففي سيناريو الحرب على إيران معضلة جوهرية تدركها «إسرائيل» جيداً، وهي أن تداعياتها ستطال المنطقة بأكملها، وقد تدفع سوريا، للاستفادة منها للخروج من أزمتها الداخلية للخروج منها وبالتالي حدوث تحّول عام في المنطقة باتجاه حرب شاملة بين تل أبيب وجيرانها من الدول العربية، من دون إغفال الآثار الكارثية التي ستتركها على المنطقة.

وخلاصة القول، إن النتائج الأولية وفقاً لما دار في قاعات وأعمال مؤتمر هرتزليا، تعطينا صورة واضحة عن نمط التفكير «الإسرائيلي» والعقلية التي تقف في وجهنا وتقارعنا بتكتيكاتها على كافة الصعد العسكرية والأمنية والسياسية الدبلوماسية وحتى الاقتصادية. وهو حري بنا أن نعيد كعرب النظر بعدد من القضايا الهامة المطروحة كمبادرة السلام العربية التي ماتت منذ قيامها، دون أن نقدم البدائل، ودون أن نعمل على بناء استراتيجية عربية جديدة في مواجهة عالم يموج بالمتغيرات كل يوم.


صحيفة الوطن القطرية

جبل يدعى حماس
سأموت ولكن لن ارحل
يا رب انت العالم
يوم تجثو كل أمّــة
علم .. مقاومة .. حرية

الشبكات الاجتماعية

تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية

القائمة البريدية