أبطال العمليات الفردية
عماد توفيق
بعد كل عملية دهس تطوق قوات الاحتلال المكان، ويلاحقون الفدائي ويحرصون على قتله وليس اعتقاله، كي يكون عبرة لمن يفكر بعملية دهس اخرى.
وفي كل عملية دهس تكون قوات العدو مرعوبة من امكانية تفخيخ السيارة المنفذة عبر تفجير عبوة ناسفة مجهزة مسبقا بقواته.
اختار الفدائي شارع رقم 60 الذي تمر عليه عشرات آلاف المركبات الفلسطينية والصهيونية يوميا كي ينتقي هدف لعملية الدهس التي سينفذها، وما ان عبر الفدائي الذي كان يقود سيارة من نوع هوندا سيفك ذات لوحات صفراء مزورة لتحاكي لوحات المركبات الصهيونية، ومر بعدد من الجنود قرب حاجز تفوح في الطريق المتجه نحو القدس، حتى أدرك بأن هؤلاء الجنود يمكن ان يكونوا هدفا جيدا، وعلى بعد نحو 300متر منهم استدار مسرعا باتجاههم ونفذ عمليته البطولية فأصاب ثلاثة منهم قبل ان تنقلب سيارته من شدة الاصطدام حيث اصيب بعدد من الطلقات التي اطلقها الجندي الرابع الذي تواجد في المكان ولم يصب في عملية الدهس.
الجنود الثلاثة المصابون نقلوا جميعا الى المشافي عبر مروحية عسكرية، اثنان منهم في حالة الخطر والثالث بحالة متوسطة، فيما بقي الفدائي المصاب ينزف عزة وكرامة داخل السيارة المنقلبة فترة طويلة، حتى انتهى جنود الاحتلال وفرق المتفجرات من التأكد من أن السيارة غير مفخخة، قبل ان ينقلوه بحالة خطرة الى مشفى (شعاريه هتسيدك) بالقدس.
هناك ثلاث مفارقات هنا تدل على ان الفلسطينيين بدأوا يتعلمون ويستخلصون العبر اما الصهاينة فلا، المفارقة الأولى أن الجنود الأربعة الذين استهدفهم الفدائي بعملية الدهس، كانوا عبارة عن قوة تعزيز في المفترق تحسبا لقيام الفلسطينيين بعلميات انتقامية في اعقاب جريمة احراق عائلة والرضيع دوابشة في قرية دوما بنابلس الاسبوع الماضي.
المفارقة الثانية هي انه وقبل اربعة اشهر تقريبا نفذت في ذات المكان عملية طعن طالت جنديين كانا موكلين بتأمين المفترق، اصيب احدهما بجراح خطرة.
المفارقة الثالثة هي ان العملية نفذت في اليوم الأول لتولي العقيد (يوؤل كرميلي) قيادة منطقة الضفة الغربية لتكون اول رسالة ممهورة بالدم للقائد الجديد.
"عملية الدهس هذه لن تكون الأخيرة"، هذا ما يجمع عليه المحللون والخبراء الصهاينة، حيث حدثت عمليات فدائية فردية قبل جرمية احراق عائلة دوابشة، ومن المؤكد ان عمليات فدائية فردية ناجحة تتنظر جنود الاحتلال ومغتصبيه.
سر نجاح العمليات الفدائية الفردية التي باتت تشكل رعبا للصهاينة هو ان المنفذ يقرر لوحده تنفيذ عملية فدائية، ولا يخبر اصدقاءه بنيته، ولا يترك خلفه أي بصمة على مخططاته على مواقع التواصل الاجتماعي التي يقوم خبراء الاحتلال بتمشيطها على مدار اليوم والليلة بحثا عن أي فدائي مفترض يحمل افكارا وطنية ، كي يصلوا اليه قبل ان يترجم افكاره الى افعال.
الفلسطينيون الذين بدأوا يتعلمون ويستخلصون العبر اخذوا حذرهم واوقفوا تعليقاتهم والتعبير عن مشاعرهم الوطنية عبر مواقع التواصل الاجتماعي المراقبة جميعها، وحرموا العدو من كنز مفتوح من المعلومات المعلقة في الفضاء الافتراضي.
الحقيقة التي بات المحللون الصهاينة يجمعون عليها هو ان "اسرائيل" لا تمتلك عمليا أي رد على هذه العمليات الفردية، اللهم الا عبر تفعيل المنظمات اليهودية الارهابية لتنفيذ عمليات ارهابية كعملية احراق عائلة الرضيع دوابشة، ثم ينبري الساسة والاعلام الصهيوني ليصفها بانها عمليات فردية.
ابطال العمليات الفدائية الفردية باتوا افضل من يشغل قوات الاحتلال وسلطة عباس عن الخلايا الفدائية المنظمة والبنية التحتية التي تجهد حماس لتنظيمها وتصليب عودها وتجهيزها بقوة في مدن ومخيمات الضفة.
رد فعل السلطة الباهت على جريمة احراق عائلة الرضيع دوابشة يشعل بلا شك حمى العمليات الفردية، التي بدورها تشكل تمهيدا ممهورا بالدم للانتفاضة الثالثة التي يخشاها الاحتلال الذي ما زالت تختبئ في حاشية ذاكرته عمليات الانتفاضة السابقة التي شملت تفجير الحافلات والمطاعم والاسواق، والعمليات الاستشهادية التي تعد السلاح الاخطر الذي يملكه الفلسطينيون، الأمر الذي ضرب الهجرة الصهيونية باتجاه "اسرائيل"، بل وخلق هجرة معاكسة من الكيان، وضرب الاقتصاد الصهيوني.
الاحتلال تعامل مع جريمة احراق عائلة الرضيع دوابشة كحدث كبير، فسجل سوابق كزيارة نتنياهو للعائلة في المشفى، والاتصال بعباس للعزاء، والقيام بوصف العملية بالإرهابية، ودخول رئيس الكان رفلين على الخط عبر عبارته الشهيرة "اشعر بالخجل"، اضافة لردة الفعل الدولية على الجريمة، وجندت كل القيادات الصهيونية في الكيان كما في كافة انحاء العالم، ورفعت صورة الرضيع دوابشة بعبارات استنكار وتنصل، كما استنفر الاحتلال قواته في مختلف مدن وقرى الضفة تحسبا لردة فعل غير متوقعة، إلا أننا كفلسطينيين، سلطة وفصائل وبشكل معيب ومستهجن لم نتعامل مع الجريمة بذات الحجم والأهمية التي اولاها الاحتلال للجريمة الارهابية المروعة التي هزت العالم، *** نذهب الى مجلس الامن، ولا الى الامم المتحدة، بل وبإصرار مخجل تصر السلطة على قداسة التنسيق الامني، وعلى القرار الصارم بمنع اندلاع انتفاضة ثالثة استجلبت ثناء صهيوني غير مسبوق على عباس وعلى دورة الكبير في حماية "اسرائيل" من تمرد وثورة الفلسطينيين.!!.
الضغط اللامتناهي الذي بات يتعرض له الفلسطينيون في قرى ومدن الضفة والقدس من ممارسات قوات الاحتلال وتطاول المغتصبين الذي طال كل شيء الارض والعرض والمقدسات والمساجد والكنائس والبيوت والحرمات، الشبان الرجال والأطفال، كما ان الضغط الهائل الذي يتعرض له الفلسطينيون المحاصرون في غزة بفعل جبال الأزمات التي يرزحون تحتها، كما ان الأزمات والمعانيات والانقسامات التي يعاني منها الفلسطينيون في او من تبقى منهم في سوريا وفي مخيمات لبنان وغيرها من مناطق اللجوء بات يحتاج الى مراجعة فلسطينية جادة، وخروج عن حالة الصمت المخجل، ليس للحيلولة دون حالة الانفجار المتوقعة بل لتوظيفها وتوجيهها ودعمها لتكون رأس حربة في حراك فلسطيني شامل باتجاه عدوه الأول، والعمل وبكل صراحة على تجاوز كل الحواجز والالغام الجانبية والمعانيات التي يرزح تحت ثقلها الفلسطينيون في كل مكان، والسير باتجاه معالجة ام الادواء وهي الاحتلال الذي بات لزاما على الفلسطينيين اعادة قراءة مشهد الفوضى التي تعصف بالمنطقة لجهة نظم فسيفساء ادوارنا المتناثرة التي يتناوشها المتناحرون على حدود قضيتنا.
قوتنا في ضعفا، امر علينا ان نحسن استثماره، وقداسة قضيتنا التي يتمسح بها الجميع يجب نحسن توظيفها لتقريب يوم الخلاص، وليس لنتيه بها من جديد في جيب هذا او ذاك.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية