أربعون ألف صاروخ!
صلاح حميدة
تستمر المخابرات الإسرائيلية في إصدار تقارير مخابراتية إحصائية عن قدرات أعدائها للإعلام، وتزيد على ذلك بتقارير تشبه إلى حد ما التقارير المفصّلة الموثّقة من مصادرها الأصليّة، فتارةً تقول أن سوريا هرّبت لحزب الله صواريخ سكود، أنّها نقلت له صواريح أم 600 من إنتاج مصنع سرّي بنته لها إيران، وأنّ المقاومة اللبنانية قادرة على ضرب الدّولة العبرية بستماية صاروخ يومياً، و أنّ إيران نقلت لسوريا رادراً متطوراً، و أنّ المقاومة الفلسطينية في القطاع أجرت تجارب على صواريخ تصل إلى ما يطلق عليه منطقة جوش دان عصب الديموغرافيا والصّناعة والاقتصاد الإسرائيلي...الخ.
ولكن يعتبر التقرير الأخير ذا مرامي متعددة ويحتاج لوقفة، وهو التقرير الذي صدر بطريقة استعراضية بفلم ثلاثي الأبعاد يحاول القول بأنّ المخابرات الإسرائيلية تعلم أماكن تخزين الصواريخ والتي تبلغ حوالي أربعين ألف صاروخ، إضافةً إلى أماكن ومقرات القيادة ومراكز الجنود والاتصالات وكل ما يعدّه حزب الله لها من ما يعتبره مفاجآت في جنوب لبنان، وتزامن هذا مع الإعلان بأنّ الجيش الإسرائيلي يتدرّب على إعادة احتلال جنوب لبنان، ومناورات كثيرة تجريها الجبهة الدّاخلية احتياطياً لإمكانية نشوب أيّ حرب في شمال فلسطين المحتلة.
تحاول المخابرات الاسرائيلية القول بأنّها تجيد الحرب الاعلامية بأن أخرجت فيلماً ثلاثي الأبعاد للحرب النّفسية ضد العدو، يماثل ما أنتجته المقاومة الفلسطينية عن المصير الممكن أن يلاقيه الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط، وبهذا تعيد شيئاً من الثّقة للمجتمع الإسرائيلي الذي فقد الثّقة بقواه الأمنية بعد فشلها الاستخباراتي والعمليّاتي في حروبها على غزة ولبنان وفي انكشاف عميلة اغتيال المبحوح وفضيحة اعتقال أحد عملاء الموساد وتسليمه لألمانيا، وفشلها في معرفة موقع شاليط في رقعة صغيرة تعتبر ساحة خلفية لها، وفوق ذلك الفشل في التعامل الأمني والسياسي والدّبلوماسي والاعلامي مع المجزرة التي ارتكبتها قوّاتها على متن سفن أسطول الحرّيّة.
يحاول هذا الفيلم الإيحاء لقيادة المقاومة والمجتمع اللبناني وقوى الأمن اللبنانية بانّ المخابرات الاسرائيلية لا زالت فاعلة بالرّغم من الضّربات التي ألحقت بشبكاتها الأمنية الاستخباراتية في لبنان، وأنّ إلقاء القبض على العملاء الالكترونيين كالعميل ( ألفا) في لبنان لا يمكن أن يحدّ من القدرات التقنية للدولة العبرية عبر طائراتها وأقمارها التي ترصد كل شاردة وواردة في الأماكن المستهدفة، وبالتالي تربك خططهم وتوهمهم أنّهم يعملون تحت عينها وأنّها لا تخفى عليها خافية، ولذلك حرص معدّوا الفيلم على الإيحاء للمشاهد بأنّهم كمن يتجول على قدمية بين المخازن ومراكز العمليات المفترضة للمقاومة.
يعتبر الخبير العسكري أمين حطيط أنّ هذا الفيلم يقع ضمن ما يعرف ب ( الاستعلام بالإعلام ) وهو أحد فنون الاستخبارات العسكرية التي يتم من خلالها دفع العدو للرد على الادعاءات التي يروجها في الاعلام للرد عليه، وبالتالي الحصول على ما يريد من معلومات من خلال وضع عدوّه في خانة ردود الأفعال، و يكون صاحب المبادرة الإعلامية والاستخباراتية في هذا المجال، ولذلك يرى هذا الخبير أنّ أفضل رد على هذا الفيلم الاستعراضي هو عدم الرّد عليه ، فمعادلة المقاومة معروفة ولا حاجة لتأكيدها دوماً.
يحاول هذا الفيلم بث الخوف بين المدنيين اللبنانيين، ووضع حواجز بينهم وبين المقاومة اللبنانية، بتأكيد أنّ قراهم سيتم قصفها لأنّه يعتبرها أهدافاً عسكرية، وهو هنا يعطي إشارات واضحة للداخل والخارج اللبناني بأنّه يبرر استخدام العنف ضد المدنيين قبل أن يقوم به، ويستعلم عن ردود الأفعال الخارجية والدّاخلية، ولكن لا بد من التّأكيد هنا بأنّ الجيش الاسرائيلي يستخدم العنف دائماً ضد المدنيين، بل قامت الدولة العبرية على استهداف المدنيين وارتكاب المجازر بحقّهم، بل فاخرت الدولة العبرية بأنّها ستستخدم ما يعرف ب ( عقيدة الضّاحية) في حروبها مع العرب، وهو ما جرى على أرض الواقع في قطاع غزة عام 2008-2009م، ولذلك يعتبر هذا الاعلان فارغ المضمون وذو أهداف دعائية في ظل أنّ المقاومة اللبنانية أكّدت أنّ عقيدة الضّاحية سيقابلها عقيدة تل أبيب.
تعيش الدّولة العبرية هاجس الخوف من الانتقام الذي يعدّه حزب الله لاغتيال عماد مغنيّة من قبل الموساد، ولذلك يحاولون دوماً التّأكيد على الثّمن الذي سيدفعه لبنان واللبنانيين جرّاء هذا الانتقام، و يحاولون كل فترة القيام بإعلانات وتسريبات مختلفة لها أهداف نفسية ودعائية وسياسية لدفع اللبنانيين و من يدعمون حزب الله في الإقليم إلى إجباره على إعادة حساباته قبل الشّروع في عمل قد يشعل الحرب في المنطقة جميعها وليس في لبنان وحده.
يأتي هذا الفلم على خلفية الاشتباكات الأخيرة بين المواطنين اللبنانين وقوات اليونيفل - وخاصّة القوّات الفرنسية - حيث تحاول هذه القوات القيام بأدوار إسرائيلية في الجنوب اللبناني، وتبحث دائماً عن نصف الكأس الفارغ الذي يؤرّق الدّولة العبرية، وهو ما أثار حفيظة اللبنانيين ووتّر الأمور في الجنوب، ويأتي هذا الفيلم التقرير المرافق له لزيادة التّوتر بين الجانبين وليضع الحكومة والجيش والمقاومة اللبنانيين في موقف حرج أمام مجلس الأمن الذي سيجتمع قريباً لبحث القرار الدّولي الذي أوقفت الحرب على أساسه. يضاف إلى ذلك شعور الدّولة العبرية بأنّ الاشتباكات الأخيرة بين المدنيين اللبنانيين واليونيفل تعكس شعور حزب الله بأنّه بات جاهزاً لأي مواجهة عسكرية، وأنّه يسعى - عبر المدنيين - للتّخلص من عبئها وإشغالها ودفعها للرحيل عن الجنوب أو تقليص فعالياتها إلى الحدود التي كانت قبل حرب 2006م.
من المؤكّد أنّ أهداف الفيلم الإعلامي والتقرير المصاحب له ليست ذات صبغة أمنية حقيقية، فالمخابرات الاسرائيلية ليست بهذه الدّرجة من الغباء لتعلن عن المعلومات التي تتوفر لها عن المقاومة، وخاصّةً إذا كانت بهذا التّفصيل، فكشف المعلومات بهذه الطّريقة يكشف مصادرها حتماً، ولذلك أهداف هذا الاعلان دعائية وسياسية فقط، ولا علاقة لها بالحرب الأمنيّة الدّائرة بين الجانبيين، ولا الحرب العسكرية التي من الممكن أن تندلع في أيّ لحظة بينهما.
الشبكات الاجتماعية
تـابعونا الآن على الشبكات الاجتماعية